إضاءات قانونية
أخر الأخبار

مبدأ المناصفة بين العقلية الذكورية للمجتمع وواجب تفعيل القانون الأسمى للمملكة!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 30 غشت 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 30 غشت 2023

ينص الفصل 19 من الباب الثاني من الدستور المغربي، تحت عنوان الحريات والحقوق الأساسية، على أن الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.

غير أن المجتمع المغربي بالنظر لكونه تقليديا في تشكيلته الفكرية الأساسية، وخاضعا لثقافة ذكورية تستمد ثقلها الوازن وقوتها الطاغية من الفقه الإسلامي، الذي أسس له فقهاء من السلف ذكوريون في الفكر والسلوك مائة في المائة، بالرغم من التماهي الذي يبديه خلفهم ظاهرياً بإزاء البنود والمقتضيات التي جاءت بها أدبيات المجتمع الدولي، والاتفاقيات الأممية، وتوصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعض مضامين الميثاق العالمي لحقوق الإنسان… وبالرغم من كل هذه الروزنامة من النصوص الملزم بعضُها، والمكتفي بعضها الآخر بالتوصية والدعوة والاستمالة، ما زال يفضل أن يظل الذكور مستحوذين على أغلب المناصب التي تُصنع فيها القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما يجعل مطلب المناصفة لا يبارح مكانه فوق رفوف وداخل قمطرات السلطتين التشريعية والتنفيذية.

لكم2

إن فانون الانتخابات غير ضامن للمناصفة. والقوانين التنظيمية لمجالس الجماعات المحلية ومجالس الجهات وغيرها من الهيئات المنتخبة لا تضمن المناصفة، لأن عقليتنا الذكورية تجعلنا نترافع، فقط لا غير، من أجل تطبيق المناصفة، ولكننا نحمل الدولة المسؤولية في عدم تنزيل هذا المبدأ الدستوري وكأننا نتملص من هذه المسؤولية الدستورية.

من جهتها، تعمل الحكومة باستمرار، أو بالأحرى هكذا يبدو طاهرياً على الأقل، على خلق بيئة مناسبة لثمثيلية نسائية داخل الأحزاب السياسية من خلال القوانين التنظيمية، وكذلك من خلال الدعم المالي السنوي الذي تقدمه للأحزاب من أجل تفعيل هذا المبدأ، غير أن الأحزاب السياسية مؤسسات مستقلة لا تملك الحكومة سلطة إلزامها في هذا الباب ما لم تعمل الآحزاب نفسها، على صعيد ممثليها داخل حرم السلطة التشريعية، على فرض قوانين تتسم ببعض الصرامة لوضع حد لتناسي مبدإ المناصفة بتركه حبيس أكوام من الأوراق، ولا شيء غير الأوراق.

لقد صادقت الحكومة المغربية على 4 مشاريع قوانين تنظيمية مؤطرة للانتخابات العامة التي كان يرتقب تنظيمها في الاستحقاقات السابقة. ومن بين ما سعت إليه تلك القوانين التنظيمية تطوير الآلية التشريعية المتعلقة بتمثيل النساء في مجلس النواب، من خلال تعويض الدائرة الانتخابية الوطنية بدوائر انتخابية جهوية، اعتبارا للمكانة الدستورية للجهة في التنظيم الترابي للمملكة، وضبط مسطرة الترشح لانتخابات مجالس العمالات والأقاليم، وإقرار آلية لضمان مشاركة النساء، عن طريق تخصيص ثلث المقاعد لهن في كل مجلس كبداية مشجعة، ولكنها محتشمة بكل تأكيد، كما تراها النساء المغربيات والمدافعون عنهن في هذه المعركة.

أما وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية و المساواة و الأسرة فتعمل بصورة مستمرة بشراكة مع “هيئة الأمم المتحدة للمرأة” على برنامج لتأهيل وتحسين كفاءات النساء المرشحات المحتملات للاستحقاقات الانتخابية المقبلة بجميع جهات المملكة، من خلال ورشات عمل تدريبية يفترَض أن تمكّن النساء من اكتساب المعرفة الكافية المتعلقة بالمجال الانتخابي، وبتدبير المؤسسات المنتخبة للوصول لمراكز القرار السياسي، وبالتالي الرفع من إدماج مشاركة النساء في الحياة العامة وفي عمليات صنع القرار والسياسات.

وبهدف دعم ومرافقة الحكومة والبرلمان في مسلسل إحداث الهيئات المعناة بالنهوض بحقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور، بما فيها “هيئة المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز”، أطلق المجلس الوطني لحقوق الإنسان مسلسل التفكير في موضوع إنشاء الهيئة المذكورة، كبنية متخصصة بمقتضى المادتين 19 و164 من الدستور   والموكول إليها خصوصا صلاحية الحرص على احترام حقوق الإنسان المنصوص عليها في الفصل 19 ومع الأخذ بعين الاعتبار اختصاصات المجلس الوطني لحقوق الإنسان بهذا الخصوص.

وبالفعل صدر القانون رقم 79.14 المتعلق بـ”هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز” من قبل البرلمان في 8 أغسطس 2017 طبقا للمادة 19 من الدستور. وأنيطت بها المهام والصلاحيات التاليـة:

– صياغة المقترحات المتعلقة بمشاريع القوانين والقوانين التنظيمية لتعزيز قيم الإنصاف والمساواة وعدم التمييز؛

– ضمان إرساء ثقافة المساواة والإنصاف وعدم التمييز في البرامج المتعلقة بالتعليم والصياغة والتدريس؛

– مراقبة ورصد جميع أشكال التمييز التي تتعرض لها النساء ووضع توصيات لتصحيح جميع المواقف أو السلوكيات التي تقوض مبدأ المساواة بين المرأة والرجل؛

– تقديم جميع أشكال المساعدة التقنية اللازمة إلى السلطات العامة والجهات الفاعلة المختلفة في القطاعين العام والخاص، من أجل التطبيق الفعال لمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص؛

– المشاركة في بناء قدرات مختلف الجهات الفاعلة والمؤسستية والمدنية في القطاعين العام والخاص بهدف تشجيعها على ترسيخ المساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز.

الكرة الآن في يد الهيئة والجهات الفاعلة والمعنية والوصية، فما الذي ستفرزه هذه التشكيلة في أفق الانتخابات القادمة؟.. ذاك هو السؤال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى