غرائب “الحديث المنحول”.. أو عندما يخطئ المرشدون الطريق!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 24 نونبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 24 نونبر 2023
ينبغي القول بدايةً: “الأحاديث المنحولة“.. لأنها من الكثرة والتنوّع والاختلاف ما يحار معه العقل المسلم!!
من الغريب أن تأتي هذه الرواية، في هذا العصر المتميّز برجاحة العقل وعقلانية الفكر والفهم، على لسان فقيه من أكابر الفقهاء العرب المعاصرين، وهو الفقيه المتنوِّر والمختلف كثيرا عن عامة فقهاء هذا الزمان باعتداله وهدوئه واتّزانه وبخُلُقه الراقي، المتجلي في طريقة إلقائه وتوضيحه وإرشاده لمتتبعيه!!

يقول الفقيه النابغة، بلا أدنى حاجة إلى ذكر اسمه، نقلاً بدون تفكُّر ولا تدبُّر ما مفاده: إن الحق جل وعلا ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا وينادي: “هل من مُستغفر فأغفر له، هل من داع فأجيب دعوته…الخ” (!!!)، ويُرجٍع فقيهُنا هذا الكلامَ إلى حديثٍ قدسيٍّ منسوبٍ إلى الرسول الكريم.
من يُصدّق أن رسول الله، وهو أعرف الناس بربه سبحانه، يمكن أن يصدر عنه كلام في حق ربه يَسِمُهُ بهذا الضرب من التشبيه والتجسيد، ومن يصدّق أساساً أن الله، سبحانه وتعالى عن ذلك مطلق العلو، يجوز أن “ينزل” إلى السماء الدنيا، علما بأن النزول يقتضي بالمنطق والبداهة أن يكون النازل مُحَجَّماً ومُجَسَّدًا، والأكثر من ذلك،أن يكون أصغر حجما من مكان أو فضاء التنقل والنزول، ويكون قبل ذلك، وبالبداهة أيضاً، أصغر حجما من مكانَ الانطلاق ومكان الوصول؟!
إنّ هذا النّازل، المُفتَرى عليه، لكي يستمع لكل الداعين في الثلث الأخير من الليل ينبغي بالبداهة أن يظل سجين السماء الدنيا إلى يوم القيامة فلا يعود إلى الصعود أبدا، وذلك حتى يتسنى له أن يحضر في كل الأثلاث الأخيرة من كلّ ليالي السنة، عند كل خطوط الطول والعرض بالكوكب الأرضي، لأن ذلك التوقيت الليلي يتحرك مع دوران الأرض من المشرق إلى المغرب طوال أيام السنة إلى ما شاء الله؟!
ثمّ، ألا يعلم هذا الفقيه، مع واجب الاحترام لمكانته العلمية، أن الله يوجد في كل مكان في كل الأوقات، وأنه يملأ بالتالي كل الأزمنة والأمكنة بلا أدنى استثناء، وأنه سبحانه القائل بتحصيل حاصل هذا الحضور “الأزلي ماضيًا” و”الأبدي مستقبلاً”: إنه ما من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم ولا خمسة إلاّ هو سادسهم… (إلى ما لا نهاية) وبالتالي فليست لديه أدنى حاجة إلى النزول أو الصعود أصلاً لأنه موجود كُلّياً في كل المستويات؟!
ألم يفكّر هذا الفقيه الفذّ أنه بنقله لهذا الحديث عن تراث الآباء فإنه يقدح في الذات الإلهية فيُجسِّد ويُشخِّص ما يستحيل في حقه التجسيد والتشخيص، فبالأحرى التحجيم، أو ما يماثل ذلك من الصفات النسبية، وهو سبحانه وتعالى المطلق في ذاته وصفاته؟! ألم يسمع قول الله تعالى في هذا السياق بالذات: “أوَلَوْ كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون” (البقرة-170)؟!!
إن المعرفة الطويلة للمتتبعين لأعمال هذا الفقيه الفذ تجعلهم، بدون شك، متيقنين من كونه لا يخاف في الله لومة لائم، فهل أخطأوا في تقدير معارفهِ وعلومه فإذا بهم يكتشفون أنه يخشى مخالفة السائد من الخرافات؟ أم تُراه فعلا يتفق مع ذلك السائد الباطل دون أن يتجرّأ ولو على تجاهله وعدم الإمعان في نشره وتعميمه بين بسطاء المتلقين؟ أليس في هذا إضلال لهؤلاء البسطاء ولو بغير قصد؟!
هل فات هذا الفقيه المحترم أن يدرك أن الله حاضر حضورا أزلياً وأبدياً وبالتالي كُلّيًّا ليسمع ويبصر في كل وقت وحين كل الداعين والمستغفرين والمتضرِّعين,,, دونما حاجة مطلقاً إلى التنقل في الزمان، ولا في المكان، وهو القائل ولم يزل قائلا عليما: «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعانِ» (البقرة-186)، والقائل في آية أخرى: «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» (ق-16)، وهو قربٌ مستديمٌ في الزمان والمكان؟!
خلاصته، إذا عمّت هانت وهزُلت… ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير.