معذرة لكل مَن يقولون بالحق في الاختلاف!! (مغرب التغيير – 19 دجنبر 2024)

مغرب التغيير – 19 دجنبر 2024 م.ع.و.
الآراء والأفكار المعبَّر عنها في هذا الباب لا تُلزِم هذه الجريدة
خرجت إلينا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مجموعة من الحقوقيين والمؤثّرين واليوتيوبر تتحدث في موضوع “القفزة النوعية الغريبة والسلبية” التي قام بها في “الفراغ السديمي والعدمي” رئيس جمعية من جمعيات حقوق الإنسان في مغربنا، مُبدياً لنا فيها موقفه الشخصي في مسألة النزاع المفتعل حول صحرائنا الجنوبية الغربية، ومدعياً أنه الموقف الرسمي والواضح لجمعيته بالكامل، وهذا ادعاء غير صحيح، وهو الموقف الميّال بكل الوضوح الممكن إلى أطروحات أعداء وحدتنا الترابية، وأقصد النظام الجزائري وميليشياته الجنوبية المقيمة بتيندوف المغربية، المحتلة من لدن وريثة الاستعمار الفرنسي في صيغته التقليدية البائدة، حيث قال ذلك المواطن بعظمة لسانه: “إنه وجمعيته متشبّثين بحق تقرير مصير الشعب الصحراوي”، فخالف بذلك كل القرارات الصادرة منذ نحو ثمانية عشرة سنة عن مجلس الأمن الدولي، ومبدياً بذلك بصراحة وجرأة يُحسَد عليهما اتفاقَه مع ما يقوله ويفكر فيه “إبراهيم الرخيص”، رئيس “جمهورية الجزائر الجنوبية”، ملمّحاً إلى الآلية الوحيدة التي جعل منها النظام الجزائري وِرْداً يردده في كل وقت وحين، أقصد آلية الاستفتاء، التي خلت منها كل الوثائق الأممية لما بعد تاريخ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم والموقع سنة 1991 بين مجلس الأمن من جهة، وكل من المغرب وجبهة “البوليزيرو” من جهة ثانية… وليس بين المغرب والبوليساريو كما يدعي نظام الجزائر ولقطاؤه!!
فما بال هذا الرجل يرطن، الآن بالذات، بمثل هذه الهرطقات، رغم أنه يعلم علم اليقين أنها لن تجديه نفعاً، اللهم إلاّ من حيثُ كونُها مظهراً من مظاهر مُروقه، ورغبته في نوع من الشهرة والانتشار لا يتحققان إلا للفرديات الشاذة والناشزة والخارجة في أوطانها عن الإجماع كمثل حالته بالذات!!
المشكلة أنّ التيار الذي يتكلم هذا الرجل باسمه لا يتفق معه بإجماع كما ادعى هو وبعض المتدخلين المشار إليهم أعلاه، أذكر منهم الناشط الأمازيغي الأستاذ عصيد الذي كان يدافع عن المبدأ لا عن الشخص ذاته، وإنما هو رأي مجموعة صغيرة من الخارجين عن السرب الوطني في قضية لا مجال فيها للمداهنة ولا المراوغة!!
وأقول ها هنا من باب التوضيح والتفصيل: إن السيد صاحب ذلك الرأي المخالف مرحب به بلا أدنى شك حين يختلف معنا ولكن، ليس حين يتخندق مع أعدائنا الحقيقيين والعدوانيين مع علمه الأكيد بمخططاتهم البالغة أقصى درجات الخطورة على أمننا وسلامتنا وطناً ومواطنين!!
إن “حرية الرأي” التي ذكّر بها الأستاذ عصيد معقولة ولكن لها حدود، وإلا فإنها لن تبقى كذلك بل ستتحول إلى “سيبة الرأي”… ووطننا ليس وطناً سائباً كما نعلم ويعلم!!
نحن الآن في “حرب مفتوحة” ومعلَنة ضدنا من جانب واحد، ومن لدن عدوّ يبيّت لنا العداوة ويجهر بها، ويُكنّ لنا كل البغضاء صراحةً وكل ما ينجم عنها من الشرور والمخاطر… لذلك لا سبيل للميل إلى أطروحاته التي نعلم جميعاً أنها داعمةٌ لمشروع انفصالي دونه أنفسنا وكل ما نملك!!
نحن فعلا، وكما سبق القول، في حالة حرب معلنة علينا من جانب واحد، لم نعامله لحد كتابة هذه السطور بالمِثل، والأوضاع في حالات الحرب تصبح فيها الحريات الفردية مقيَّدةً بمعايير تمتح من مَعين الوطنية الحقّ، وخاصةّ عندما يكون فيها مساس بأمن الوطن وسلامته ووحدته الوطنية والترابية، ونحن نعلم جميعاً، بما فينا ذلك الرجل الخارج عن السرب وعن إجماعنا الوطني، بأن ما يصرح به إنما هو خروج من خندقنا واصطفاف صريح وصارخ في خندق العدو، ويكفيه، لكي يدرك فداحة اصطفافه ذاك، أن يتذكر التضحيات التي بذلها جنودنا البواسل منذ حرب الرمال سنة 1963 إلى الساعة الراهنة، التي يقضون فيها نهاراتهم ولياليهم يَقِظين متيقّظين وأصابعهم على الزناد، بينما هو وجمعيته يعلو شخيرهما تحت أردية الأمن والأمان والطمأنينة وراحة البال!!
نهايته… أن يكون المرء رئيساً، أو عضواً بارزاً وفاعلاً في مؤسسة جمعوية مُعناة بحقوق الإنسان، لا يعني مطلقاً وبأي شكل من الأشكال، أنّ تلك الصفة يمكن أن تخوّل له تحت أي مبرر أو غطاء سياسي أو أيديولوجي صلاحية التنازل عن شبر أو ذرة رمل من رمال وطننا الطاهرة، التي تستمد طهرانيتها من دماء شهدائنا المراقة فوقها على امتداد سنين طوال، وقد كان عليه أن يضع تلك الدماء في حسبانه وهو يرطن بذلك الوِرد الجزائري المورود، حول “تقرير مصير” شعب محتجَز يُتاجر الأعداءُ بحريته وكرامته وهَوانِه ويُحققون بفضل ذلك من الامتيازات والأرباح ما لا يحققه في العادة إلا تجار الحروب، وأتباعهم من المرتزقة وسفاكي الدماء!!
ليس من الصعب إذن أن يتفهّم المتتبعون تلك التبريرات التي قدّمها الأستاذ عصيد ليس دفاعاً عن المواطن الناشز، ولكن ذوداً عن حريةٍ للرأي يعلم أكثر من غيره أنها لا يجوز أن تصل إلى درجة التخندق مع الأعداء المباشرين، الذين لا يخفون بأي وسيلة من الوسائل رغبتهم في تقسيم ترابنا الوطني لتحقيق هدفين لا يخفيان على أحد من العالمين:
1) الوصول إلى المحيط الأطلسي عبر تراب يكون تحت سيطرتهم المطلقة؛
2) النجاح في تطويق بلادنا جنوباً وعزلها عن امتدادها الإفريقي، الذي تتشكّل منه بلا أدنى شك جذورنا الإفريقية، وذلك على امتداد تاريخ لا علم للجزائريين به لأنه يسبق بسنوات ضوئية نشوء ما يسمّى تجاوُزاً “دولتهم”!!
من يستطيع منا إذَنْ أن يتجاوز عن أمر جسيم كهذا، ولو كان منتحلاً صفة الدفاع عن حقوق الإنسان، التي صارت كما نعلم صفةً لمَن لا صفةَ له؟!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر صورة الواجهة: فيسبوك.