Page 2 - مغرب التغيير PDF
P. 2

‫القضاء وحماية الثروة الغابوية‬

            ‫تكتسي الغابة ومياهها وفضاؤها ال ٍأرضي والجوي وساكناتها من الطيور والحشرات والوحيش ومن أحياء أخرى لا‬
           ‫تدركها الأبصار‪ ،‬أهمية قصوى في الحفاظ على التوازنات الطبيعية والبيئية‪ ،‬ولدرء أخطار التلوثات الجوية والتغ ُّيرات‬
        ‫المناخية المفاجئة والتي تلحق أضرا ًرا بالغة بالحرث والنسل وبمختلف أشكال الحياة التي يزخر بها الكوكب الأرضي‪.‬‬
            ‫هذه الأهمية البالغة‪ ،‬يلمسها الباحثون والدارسون المتتبعون لشؤون البيئة والأرض من خلال المؤتمرات والندوات التي‬
           ‫تنعقد هنا وهناك تحت يافطة الأمم المتحدة‪ ،‬أو التي تنعقد تحت شعار «العالمية» على أيدي هيئات وتنظيمات غير‬
           ‫حكومية‪ ،‬تستهدف في مجملها لفت انتباه الدول العظمى خاصة ومجموعة الدول الصناعية عامة إلى الأخطار الناجمة‬
        ‫عن أنشطتها الصناعية المكثفة‪ ،‬والتي يبدو أن هذه الدول لا ُتقيم لها كبير وزن في ظل التنافس الشرس القائم فيما‬

                                        ‫بينها‪ ،‬والرامي إلى ربح مساحات جديدة وواسعة في أسواق التجارة والصناعة والمال والأعمال‪.‬‬
             ‫هذه الأهمية ذاتها‪ ،‬هي التي تجعل بل ًدا صاع ًدا كالمغرب ينتبه إلى الأخطار التي تحدق بثروته الغابوية‪ ،‬والمائية‬
         ‫والحيوانية بتحصيل الحاصل نظ ًرا للارتباط الوثيق بين هذه العناصر جميعها‪ ،‬ليس فقط على المستوى العلمي والتقني‪،‬‬

               ‫الذي تضطلع به السلطة الحكومية المختصة‪ ،‬ممثل ًة في المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التص ّحر‪،‬‬
           ‫ولكن أي ًضا على صعيد الدور الوازن‪ ،‬الذي ينبغي أن تضطلع به السلطة القضائية في مختلف درجاتها ومستوياتها‪،‬‬

              ‫وفي مقدمتها محكمة النقض‪ ،‬لمواجهة الترامي والاعتداء اللذ ْين تتعرض لهما الثروة الطبيعية المغربية على أيدي‬
           ‫أشخاص ومجموعات لا تقيم وز ًنا إلا لمصالحها الذاتية‪ ،‬إما طل ًبا لمكونات مخزون الطاقة الخشبية عن طريق قطع‬

               ‫الأشجار وبتر جذوعها وتشتيت أوصالها مه ِّدد ًة إياها بالاجتثاث والدمار‪ ،‬أو بجعلها عرضة لحرائق تأتي على الأخضر‬
           ‫واليابس فتشكل في آن واحد إضرا ًرا بلي ًغا بالنباتات الغابوية والفطريات العالقة بها‪ ،‬وبفصائل الوحيش المقيمة بين‬
             ‫أدغالها‪ ،‬وكذا بأنواع الطيور المحلقة عبر أجوائها‪ ،‬فضل ًا عن أخطار الاختناق أو الإصابة بالآفات الصدرية والجلدية‬

                                 ‫للساكنة المجاورة لها أو العابرة لأحراشها ومسالكها على سبيل السفر أو السياحة أو النزهة‪.‬‬
              ‫وكل هذه الإشكالات تستدعي تكاتف جهود كل من السلطت ْين الق ّيمت ْين على الشأن ْين العلمي والتقني‬
              ‫من جهة‪ ،‬والقانوني والفقهي من جهة ثانية‪ ،‬في إطار من التنسيق والتعاون المحكم ْين‪ ،‬وكذا إسهامات مؤسسات‬

                   ‫المجتمع المدني‪ ،‬التي يتعين عليها أن تجتهد في مجالات التحسيس والتوعية وتنظيم الأنشطة الداعمة لجعل‬
                   ‫المواطنين عامة‪ ،‬والساكنة المحاذية للأراضي الغابوية خاصة‪ ،‬على بينة مما سلف ذكره من الأخطار‪،‬‬

                      ‫وتأهيلهم بالتالي للإدلاء بدلائهم في مجال الحفاظ على تلك الثروات وحمايتها على الأقل من ظلم العنصر‬
                                                                                       ‫البشري وجهله‪.‬‬

                     ‫في هذا الإطار التنظيري والعملي‪ ،‬تأتي اتفاقية الشراكة والتعاون المبرمة‬
                       ‫بين محكمة النقض والمندوبية السامية للمياه والغابات‪ ،‬من أجل التأطير‬
                             ‫والتنسيق لجهود مشتركة تتوخى التكامل‪ ،‬وتهدف من جهة‪ ،‬إلى‬
                           ‫جعل قضاة المملكة أكثر وع ًيا وتفه ًما لمشاكل القطاع الغابوي‬
                        ‫وإكراهاته لتنزيل أحكام أكثر حكمة ودقة وإنصا ًفا فيما يطرحه‬
                             ‫من نزاعات وقضايا لا يفتأ رواجها يتنامى في ردهات المحاكم؛ وترمي‬
                            ‫من جهة أخرى‪ ،‬إلى جعل القيمين على شؤون الثروة الغابوية أعمق إدرا ًكا‬
                             ‫للقوانين والمساطر التي سنها المشرع من أجل التأسيس لوظائفهم‬
                                                  ‫ومسؤولياتهم وتنظيمها في إطار الحق والقانون‪.‬‬
                                 ‫العبء إ َذ ْن ثقيل‪ ،‬والمسؤولية جليلة‪ ،‬والانتظارات‬
                                          ‫كثيرة وكبيرة سواء من لدن الدولة أو‬
                                    ‫المواطنين‪ ،‬والجميع بلا استثناء‪ ،‬مطالب‬
                                 ‫ببذل قصارى الجهود لكي تكون الغابة‬
                                  ‫المغربية دائ ًما في الموعد‪ ،‬بوصفها راف ًدا‬
                                      ‫أساس ًيا من روافد التنمية الاقتصادية‬
                                                              ‫والاجتماعية‪.‬‬

                               ‫إدريس الطاعي‬

‫‪3‬‬

‫‪����.indd 3‬‬                                                                                                                    ‫‪18/10/15 19:11‬‬
   1   2   3   4   5   6   7