إضاءات قانونية
أخر الأخبار

الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي: المميزات وعناصر الاختلاف (مغرب التغيير – الدار البيضاء 31 غشت 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 31 غشت 2023

تختلف الشريعة عن القانون الوضعي من أربعة أوجه:

أولا- الشريعة الإسلامية من عند الله بينما القانون الوضعي مصدره الإنسان.

ثانيا- قواعد الشريعة شاملة بينما قواعد القانون ضيقة.

ثالثا- الجزاء في الشريعة دنيوي وأخروي، بينما في القانون دنيوي فقط.

رابعا- الشريعة الإسلامية أبدية وبالتالي صالحة لكل زمان ومكان، بينما قواعد القانون مؤقتة في الزمان والمكان.

أولا- الشريعة الإسلامية إلهية والقانون الوضعي إنساني:

لما كانت الشريعة الإسلامية تقوم على الوحي الإلهي فإنها منزهة من الجور والهوى عملا بقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»، ومن مظاهر هذا الظلم ما نصت عليه مختلف الدساتير في العالم بشأن عدم متابعة أعضاء البرلمان بسبب جرائم اقترفوها. كما لا تعرف الشريعة الإسلامية أي مظهر تمييز رؤساء الدول في المحاكمة أو إعفاء الممثل الدبلوماسي من المتابعة في الدول المستقبلة. أضف إلى ذلك ما يلاحظ من تمييز بين الأغنياء والفقراء في القوانين الجنائية عندما تنص على إمكانية الإفراج المؤقت بكفالة. وفي هذا يكون الفقير في أغلب الأحيان عاجزا عن دفع الضمان فيظل رهين محبسه، وقد يكون له أولاد يرعاهم يضيعون بحبسه وقد تقضي المحكمة ببراءته مما نسب إليه فتكون النتيجة أنه حبس لا لأنه أجرم بل لأنه عجز عن دفع الكفالة أو بتعبير آخر لأنه فقير. أما الشريعة فهي بمنأى عن مثل هذه الإجراءات التعسفية لأنها لا تقبل أن يضار فقير بفقره.

كذلك نظرا لكون الشريعة من عند الله فإن المسلم لها مطيع دون حاجة إلى مؤسسات وإجراءات تضمن ذلك، كما هو جارٍ به العمل في القانون الوضعي. ذلك لأن المخاطب بالأحكام الشرعية يشعر بالمراقبة الإلهية.

وعليه، فإن الشريعة لها من القداسة والرهبة ما يجعل المخاطَبين بها ينصاعون لأوامرها ونواهيها فيقول تعالى بشأنهم: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، فتطبيق الشريعة الإسلامية يرتبط بالإيمان، وبالتالي فإنها تستحوذ على الضمير الفردي والجماعي، لذا كان الإقرار بالجرم مما تكرر كثيرا في التاريخ الإسلامي رغم أن الفاعلين كانوا على علم بقسوة العقوبة لأن المهم عندهم هو أن يتطهروا من الإثم، وفي الوقت الحاضر رغم عدم تطبيق الشريعة الإسلامية في معاملات الناس بصفة عامة إلا أنهم يكثر ارتيادهم مجالس الفقهاء والمفتين لمعرفة الأحكام الشرعية لتطبيقها على أرض الواقع، ويستجيبون لنداء الشرع بخصوص الصدقات والزكاة والكفارات، بينما يحاولون دوما الإفلات من الضرائب ويكثر التزوير والغش للتحايل على القانون، بل أكثر من ذلك، حتى فيما يخص إبرام عقد الزواج فإنهم يعقدونه بحضور إمام المسجد قبل اللجوء إلى ضابط الحالة المدنية، رغم كون إبرام الزواج أمام السلطة الإدارية يستجيب لمقتضيات الشريعة الإسلامية، وعليه فإن سلطان الشريعة يظلّ في المجتمعات المسلمة أقوى من سلطان القانون.

ثانيا- قواعد الشريعة شاملة بينما قواعد القانون ضيقة:

إذا كان أساس الالتزام بقواعد التشريع الإسلامي هو عنصر الإيمان فإن المسلم يقيم للأخلاق وزناً في تصرفاته القانونية المختلفة بحيث يهتم بظاهر وباطن التصرف ولا يلح على حقه إذا كان ظاهره حلالا وباطنه حراما، فالمسلم لا يلجأ إلى الوصية بما يجاوز ثلث التركة ويخفي نيته في شكل بيع صوري إضرارا بالورثة، ولا يجوز له أن يقرض بفائدة ثم يحتال باعتبار نسبة الفائدة ثمنا لمبيع في عقد ثان. أما القانون فهو خال من مثل هذه المعاني ولا يعترف بالالتزام الأخلاقي، فلو سقط الدين مثلا بالتقادم فلا يمكن أن يعول على القانون لإنصاف الدائن، بينما في الشريعة لا يتحول الحرام إلى الحلال والحلال إلى الحرام مهما مضى من الرمن.

ثالثا- الجزاء في الشريعة دنيوي وأخروي وفي القانون دنيوي فقط:

لا يعود احترام قواعد الشريعة الإسلامية إلى عنصر الإيمان فحسب، بل أيضاً إلى الخوف من سوء العاقبة في الدار الآخرة.

بناء على ذلك إذا وقع أحد في معصية فله جزاء في الدنيا كالحدود والقصاص والدية وإبطال التصرف وفوق ذلك جزاء في الآخرة.

لذلك كان العض ممن اقترفوا الجرم يلجؤون للقاضي لتطبق عليهم حدود الله حتى ينجوا من عذاب الآخرة، لكن هذا لا يعني أن من لم يطبق عليه الحد لن يغفر الله له. ولكن، ورغم أن رحمة الله واسعة، فإن ذلك لا يعني التمادي في الذنوب والمعاصي، بل لا بد من الندم والإقلاع عن الذنب بصفة نهائية والرجوع إلى الصواب.

أما القانون الوضعي لما كان الجزاء فيه دنيويا فقط فلا يتسع فيه عنصر الإلزام إذ يلجأ الفرد إلى مخالفته تحقيقا لمآربه كلما استطاع أن يفلت من سلطة القضاء، فلا مصلحة إذَنْ من فصل الدين عن القانون، لأن الوازع الديني يجعل الإنسان يأمن على نفسه وماله وعرضه.

رابعا- الشريعة الإسلامية أبدية وقواعد القانون مؤقتة:

لما كانت الشريعة الإسلامية دعوة عالمية، فإنها جاءت صالحة للاتباع من قبل سائر الأمم عبر الزمان والمكان، لأنها مبنية على اعتبار الأحكام والعلل كمدركات العقول لا تختلف باختلاف الأمم، ولكن هذا لا يعني أن الناس يجب عليهم اتباع أحوال أمة من الأمم مثل أحوال العرب في زمان التشريع، خاصة وأن الفقهاء وضعوا قاعدة مفادها أن تغير الأحكام يجوز بتغيّر الأزمنة، اما ما هو ثابت في الشريعة الإسلامية فلا يجوز البتة تعديه لأن الله أعلم بمصالح عباده.

قد يقول قائل إن الشريعة الإسلامية تتصف بالقسوة في الحدود والقصاص ولا تأخذ بعين الاعتبار البعد الإنساني وبالتالي فلا صلاحية لها في هذا الزمان.

غير أن هذا الزعم باطل لأنه يعالج المسائل بصفة سطحية، بعكس الشريعة الإسلامية التي تأتي بحلول جذرية، إذ إنها تحارب الدوافع النفسية للمجرم مما يجعله يتجنب كبائر الإثم.

ففي جريمة الزنا مثلاً، يكون الدافع النفسي لاقتراف هذه المعصية هو تحقيق المتعة بصحبة امرأة محرمة. ولصرف العاصي عن ذلك، وجبت مقابلة المتعة بالألم، وهو الجلد أمام الملأ، وبذلك ينشأ شعور نفسي يمنع التفكير في اقتراف الزنا، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى يعرف نفسية الإنسان فقرر ما يقوّمها ويُريحها في آن واحد. وكذلك فالمتضرر من جريمة القتل، مثلا، يطمئن عند تطبيق القصاص مما يُخمد نار الثأر ويطفئ نار الفتنة الكبرى، وفي الوقت ذاته يريح نفس القاتل بعد أن يتأكد من أنه نال جزاءه بحدّ القصاص.

ورغم أن الشريعة الإسلامية اهتمت بالمصلحة الجماعية، بالدرجة الأولى، لما توفره عقوباتها من شيوع الأخلاق الفاضلة والأمان، إلا أنها لم تهمل مصالح الجاني أثناء المحاكمة، إذ جرى العمل في عصري الرسالة والخلافة الراشدة على تلقين السارق ما يسقط عنه الحد إذا ثبتت الجريمة بإقراره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: الميزان كوم.  أنظر أيضاً: “الخصائص العامة للشريعة الإسلامية، نموذج من الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم” د. أعمر يحياوي، دار هومة، الجزائر، 2009، ص51 إلى 65.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى