القانون الدولي للبحار.. وتأمين سلامة الملاحة البحرية ومحاربة ظاهرة القرصنة (مغرب التغيير – الدار البيضاء 5 غشت 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 5 غشت 2023
نشأت الحياة في بداية ظهورها من المحيطات. فهذه تغطي مساحة 140 مليون ميل مربع، أي ما يقرب من 72 % من سطح المعمور. وتعتبر المحيطات مصدرا رئيسيا لتغذية الحياة، وكذلك شكلت فضاءً لمختلِف الأعمال التجارية والمغامرات والاكتشافات منذ ليل التاريخ. إنها تفصل بين الناس، ولكنها تجمع بينهم في الآن ذاته.
واليوم، ومن خلال ترسيم القارات والتواصل فيها وفيما بينها بواسطة الطرق والأنهار والجو، فإن معظم الناس في العالم يعيشون على مسافة لا تزيد عن 200 ميل من البحر وتربطهم علاقة وثيقة بهذا الأخير.
حرية البحار
خضعت المحيطات منذ فترة طويلة لمبدأ حرية الحركة في البحار، حيث أُقِرَّ هذا المبدأ في القرن السابع عشر، ليحدد بشكل أساسي، الحقوق الوطنية والولاية القضائية على المحيطات في حزام ضيق من البحر يحيط بكل بلد ساحلي. وتم الإعلان عن المساحة المتبقية من البحار على أنها تتمتع بالحرية للجميع ولا تنتمي إلى أي بلد. وفي حين ساد هذا الوضع في القرن العشرين، برزت بحلول منتصف القرن قوة دافعة لتوسيع الاستحقاقات الوطنية على الموارد البحرية.
وهناك قلق متزايد من آثار أساطيل الصيد لمسافات طويلة على الأرصدة السمكية الساحلية ومدى حجم التهديد المتمثل في التلوث وإلقاء النفايات من السفن وناقلات النفط التي تنقل بضائع ضارّة عبر الطرق البحرية في جميع أنحاء العالم. ويهدد خطر التلوث المنتجعات الساحلية وجميع أشكال الحياة في المحيطات. وتتنافس القوات البحرية المختلفة في جميع أنحاء العالم فيما بينها للحفاظ على سيطرتها على المياه السطحية، وحتى فيما تحت سطح البحر.

اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار
ما فتئت الأمم المتحدة منذ زمن طويل تتصدر الجهود الرامية إلى ضمان استخدام البحار والمحيطات استخداما تعاونيا وسلميا ومحددا بالقانون، وذلك لصالح البشرية على المستويين الفردي والجماعي. ونتيجة لنداءات عاجلة لوضع نظام دولي فعال واضح المعالم بشأن قاع البحار والمحيطات يتخطى الولاية الوطنية، شهدت عملية امتدت لخمسة عشر عاما إنشاء “لجنة الأمم المتحدة لقاع البحار”، والتوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية في قاع البحر. وفي مؤتمر استكهولم حول البيئة الإنسانية، اعتمدت الجمعية العامة إعلانا نص على أن جميع موارد قاع البحار خارج حدود الولاية الوطنية هي تراث مشترك للإنسانية.
وفي سنة 1982 تمّ اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بوصفها لحظة حاسمة بالنسبة لتوسع القانون الدولي ليشمل الموارد المائية المشتركة الشاسعة على كوكبنا. وقد ساهمت الاتفاقية في حل عدد من القضايا الهامة المتعلقة باستخدام المحيطات ومبدأ السيادة، منها:
– تأسيس حقوق حرية الملاحة؛
– تعيين الحدود البحرية الإقليمية 12 ميلا بحريا من الشاطئ؛
– تعيين المناطق الاقتصادية الخالصة إلى 200 ميل بحري من الشاطئ؛
– تعيين قواعد لتوسيع نطاق حقوق الجرف القاري والتي تصل إلى 350 ميل بحري من الشاطئ؛
– إنشاء سلطة دولية لقاع البحار؛
– وضع آليات أخرى لحل النزاعات، كلجنة الأمم المتحدة لحدود الجرف القاري.
حماية البيئة البحرية والتنوع البيولوجي
يعمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وخاصة من خلال برنامج البحار الإقليمية، على حماية المحيطات والبحار وتعزيز الاستخدام السليم للموارد البحرية. وتعتبر اتفاقيات البحار الإقليمية وخطط عملها الإطار القانوني الوحيد في العالم لحماية المحيطات والبحار على المستوى الإقليمي. كما أنشأ برنامج الأمم المتحدة للبيئة “برنامجَ العمل العالمي لحماية البيئة البحرية من الأنشطة البرية“. إنها الآلية الحكومية الدولية العالمية الوحيدة التي تعالج بشكل مباشر العلاقة بين النظم الإيكولوجية البرية والمياه العذبة والساحلية.
وتنسق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو، من خلال “اللجنة الأوقيانوغرافية الحكومية الدولية“، برامج البحوث البحرية، وأنظمة الرصد، وتخفيف الأخطار، وتحسين إدارة المحيطات والمناطق الساحلية.
وتعتبر “المنظمة البحرية الدولية” بمثابة المؤسسة الأساسية للأمم المتحدة لتطوير القانون البحري الدولي، حيث تلعب دورا رئيسيا في إنشاء إطار تنظيمي للنقل البحري من خلال تجارة عادلة وفعالة ومعتمدة عالميا.
الشحن البحري وظاهرة التلوث
وضعت المنظمة البحرية الدولية مجموعة واسعة من المعاهدات، وتدير عددا منها، مع التركيز بوجه خاص على منع تلوث المحيطات والبحار. وتشمل هذه الاتفاقيات “الاتفاقية الدولية لمنع التلوث الناجم عن السفن” لعام 1973 بصيغتها المعدلة ببروتوكول عام 1978 ذي الصلة، و”الاتفاقية الدولية لمنع تلوث البحار بالنفط” لعام 1954.
المدونة القطبية
في عام 2017، دخلت المدونة الدولية للسفن العاملة في المياه القطبية “الرمز القطبي” حيز التنفيذ. ويغطي قانون Polar Code النطاق الكامل للتصميم والبناء والمعدات والتشغيل والتدريب والبحث والإنقاذ ومسائل حماية البيئة ذات الصلة بالسفن العاملة في المياه غير المضيافة والمحيطة بالقطبين. ولقد كان تطوراً تنظيمياً هاماً في مجال تيسير النقل والتجارة، إلى جانب مجموعة من التطورات التنظيمية المتعلقة بأمن النقل البحري وسلسلة التوريد والمسائل البيئية.

القرصنة
يهبط جنود حفظ السلام التابعون لبعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية على الشاطئ للحماية من القرصنة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقد إزدادت أعمال القرصنة في السنوات الأخيرة قبالة سواحل الصومال وفي خليج غينيا. وتهدد القرصنة أمن الملاحة البحرية على وجه الخصوص من خلال المساس بأمن البحارة وأمن الملاحة والتجارة. وقد تؤدي هذه الأعمال الإجرامية إلى خسائر في الأرواح، وإلى أضرار مادية، أو إلى احتجاز البحارة كرهائن، وحدوث اضطرابات كبيرة في التجارة والملاحة، ووقوع خسائر مالية لمالكي السفن، وزيادة أقساط التأمين والتكاليف الأمنية، وزيادة الأعباء المالية على كاهل المستهلكين والمنتجين، فضلاً عن إلحاق الضرر بالبيئة البحرية.
وتتمثل التداعيات الكبيرة الناتجة عن هجمات القراصنة، في منع المساعدات الإنسانية، وزيادة تكاليف الإمدادات الموجهة إلى المناطق المتضررة. واعتمدت المنظمة البحرية الدولية والأمم المتحدة قرارات إضافية مكملة لقواعد قانون اتفاقية البحار للتعامل مع القرصنة.
ويكافح مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، من خلال برنامجه العالمي لمكافحة الجريمة البحرية (GMCP)، الجريمة المنظمة عبر الوطنية في أفريقيا مع التركيز على مكافحة القرصنة في القرن الأفريقي وخليج غينيا. وقدم هذا البرنامج الدعمَ لدول المنطقة من خلال إجراء محاكمات، وسجن المشتبه في ارتكابهم أعمال قرصنة، بالإضافة إلى تطوير قدرات إنفاذ القانون البحري من خلال تسهيل برامج التدريب.
وحقق” برنامج الرصد العالمي للمخدرات والجريمة” التابع لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، العديد من النجاحات في بيئات مليئة بالتحديات. ومن ذلك، مقاضاة القراصنة، ونقل السجناء، وتدريب الأعضاء في النظام القضائي للمحيط الأطلسي والمحيط الهندي، وتأمين دوام كامل لخفر السواحل ووحدات الشرطة في الصومال وكينيا وغانا. وقد تم تحقيق ذلك من خلال مجموعة متنوعة من البرامج التي تهدف إلى تعزيز السلامة البحرية وتعزيز سيادة القانون وأنظمة العدالة في البلدان.
المصادر:
– معطيات ذات صلة من منظومة الأمم المتحدة؛
– اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار؛
– دراسة أممية حول المحيطات وقانون البحار؛