“مدونة القيم القضائية” وبيان الصفات والمزايا الواجب التحلي بها من طرف القضاة – أرشيف (مغرب التغيير – الدار البيضاء 20 شتنبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 20 شتنبر 2023
في غضون سنة 2009، ظهرت في الساحة القضائية جملة من المحاولات بادرت إليها هيئات جمعوية قضائية كمساهمة منها في ترسيخ قيم مهنية وأخلاقية تبصم السلطة القضائية بما يميّزها عن باقي السلط والقطاعات. ومن بين هذه الإسهامات، صدرت هذه المدونة عن الودادية الحسنية، تحت اسم: “مدونة القيم القضائية”، وكان الهدف منها تكريس مبدأ استقلال السلطة القضائية وإحياء القيم السامية لدى القضاة والتذكير بها، وتشكيل إطار يتعرف القضاة والمواطنون من خلاله على الصفات والمزايا الواجب التحلي بها من طرف القضاة، في إطار مراعاة الخصوصية المغربية، والانسجام مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومع الحقوق التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية وكافة الأعراف القضائية.
ويبقى السؤال: إلى أي حد تلتزم أسرتنا القضائية بهذه المبادئ؟ وكيف يتجلّي هذا الالتزام في حياتنا العامة وداخل فضاءات التخاصُم والتقاضي؟

أبرز مبادئ المدونة بإيجاز (من أرشيف “مغرب التغيير”):
المبدأ الأول: الاستقلال
تعتبر المدونة استقلال القاضي دعامة متينة لقيام المحاكمة العادلة، فالقاضي ملاذ للمظلومين، مأمور بإعادة الحق لصاحبه، لا يمكن أن يتوفر ذلك إلا إذا كان حرا في قراراته، مستقلا عن أي تأثير. ولتحقيق ذلك عليه أن:
1- يفرض استقلاله عن باقي السلط؛
2- يبتعد عن إقامة علاقات غير ملائمة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعن الخضوع لأي تأثير منهما؛
3- يقوم بمهامه القضائية بفعالية وأمانة، مستقلا إزاء زملائه القضاة عند اتخاذه لقرارات؛
4- يصون مقومات الحياد و التجرد ،حفاظا على الاستقلال المؤسساتي للجهاز القضائي والنهوض به؛
5- يكون مستقلا عن المجتمع قاطبة ،وعن أطراف النزاع بصفة خاصة .
6 ـ يمتنع عن الانتماء السياسي.
المبدأ الثاني: النزاهة
النزاهة سمة يتحلى بها القاضي فكريا وأخلاقيا، وهي لا تخص القرار القضائي فحسب، بل تشمل أيضا الإجراءات التي تؤدي إلى هذا القرار. ومن أجل ذلك تنص المدونة على أن يؤدي القاضي واجباته القضائية بكل نزاهة ومصداقية. كما عليه أن يتحلى بكل الصفات الحميدة، وأن يحرص في سيرته سواء داخل المحكمة أو خارجها، على كسب ثقة المتقاضين بصفة خاصة والناس بصفة عامة ،من خلال نزاهته ونزاهة الجهاز القضائي.
المبدأ الثالث: التجرد و الحياد
تعتبر المدونة أن التجرد و الحياد أمران جوهريان وأساسيان لأداء واجبات المنصب القضائي، فاحترام هذا المبدأ واجب خلال جميع مراحل الدعوة، و هو من أهم شروط المحاكمة العادلة ومن جملة ما دعت إليه المدونة هو أن يقوم القاضي بأداء واجباته القضائية من غير مفاضلة ولا تحيز ولا تحامل ولا تعصب، وعليه تفادى كل ما من شأنه أن يثير شبهة سواء في علاقته مع مساعدي القضاء أو مع الأشخاص المترددين على المحكمة. كما لا يسمح لعلاقاته الاجتماعية أو الأسرية أن تؤثر في سلوكه و أحكامه ومواقفه.
المبدأ الرابع: المساواة
تمثل المساواة هنا سمة تتجسد في حياد القاضي ومعاملته للخصمين على قدم المساواة، وهذا أمر ضروري لتكريس المحاكمة العادلة. ومن تجلياته الحرص على حسن سير الإجراءات المسطرية على أساس المساواة بين الأطراف المتنازعة بكل لباقة وصبر، وضمان المساواة بين الناس في مجلسه وخطابه وقضائه، حتى لا يخاف شريف من حيفه ولا ييأس ضعيف من عدله، وعدم السماح لموظفي المحكمة أو آخرين خاضعين لنفوذه أن يميزوا بين الأشخاص المعنيين في قضايا منظورة أمامه.
المبدأ الخامس: الشجاعة الأدبية
الشجاعة الأدبية هي الجرأة التي تساعد القاضي على حسم الوقف واتخاذ القرار المناسب المستمد من القانون والعدل، فهي الثقة بالنفس والإيمان بالحق والإحساس بجسامة المسؤولية، وهي التي تسهل مواجهة الصعاب، وتجاوز الحرج والتردد والانصياع. ويؤكد هذه المبدأ على أن لا يخاف القاضي في الحق لومة لائم، وأن يمارس مهامه القضائية على أساس تقديره الجيد للوقائع وتفهمه الواعي للقانون بحسب ما يمليه عليه ضميره، ودون تأثير خارجي أو تحريض أو ضغط أو تهديد، أو تدخل مباشر أو غير مباشر من أي طرف كان.
المبدأ السادس: الوقار والتحفظ

الوقار والتحفظ سمتان ترفعان من شأن القاضي، ينبغي أن يتحلى بهما القاضي، لكونهما يحثان على الاتزان والتوازن خلال تصريفه لأشغاله وإصداره لأحكامه، التي يجب أن تتسم بالعدالة والإنصاف، أو في علاقاته التي من المفروض أن تتصف بالانتقائية وتجنب الأماكن المشبوهة. وأن ينأى القاضي بتصرفاته ومظهره عن كل ما من شأنه أن يشكل مساساً بهيبته ووقاره، أو يطعن في استقامته. وعليه أن يؤكد، من خلال هذا السلوك ثقة الناس في أمانة القضاء واستقامته، دعما لعدالة لا تتحقق بصورة مجردة فقط، ولكن بإقناع المتقاضين خاصةً، والمواطنين عامةً، بأن العدالة قد تحققت فعلا.
المبدأ السابع: الكفاءة
وتعني بها المدونة توفر القاضي على صناعة تنبثق من امتلاكه لأكبر قدر من المعرفة بالقانون، وبالعمل القضائي، وبعلوم العصر، وبتقنيات المعاملات وأعراف المجتمع، باعتبارها عنصرا أساسيا في المحاكمة العادلة. ولاكتساب هذه الكفاءات،
على القاضي أن لا يقتصر في تطوير ملكته القانونية، وصناعته القضائية، على ما هو محلي، بل عليه أن يواكب العمل القضائي الإنساني والعالمي، والاتفاقيات الدولية، كما عليه أن يمارس حقه في التكوين حتى يكون مواكبا للتطورات العلمية والتكنولوجية.
المبدأ الثامن: السلوك القضائي
وهو في المدونة صفة ملازمة لشخص القاضي، ويكتسي أهمية قصوى، مما يستوجب معه أن يكون ذا سلوك حسن، منبثق من العدل الذي هو اسم من أسماء الحق سبحانه وتعالى. وأن يكون القاضي صبورا وقورا، محسنا للإنصات، ملتزما بالانضباط في مواعيد الجلسات، محترما مبدأ الإسراع في الإنجاز دون تسرع في الحكم بما يكفل سرعة البت ونجاعته داخل آجال معقولة، والمحافظة على هيبة المحكمة أثناء الجلسات، ثم أن يتنحى القاضي عن الدعوى كلما توفر سبب مبرر لذلك.
المبدأ التاسع: اللياقة
اللياقة مفهوم خاص في حياة القاضي تستمد كنهه من كون القاضي يفصل بين شرائح متعددة وغير متجانسة، مما يفرض عليه تصرفا يليق في مواجهة رؤسائه ومرؤوسيه والمتقاضين ومساعدي القضاء والمواطنين بصفة عامة.
ولتجسيد ذلك يتعيّن على القاضي الحفاظ على النظام واللياقة في عموم الجلسات، وأثناء إجراءات الدعوى، وفي التعامل مع المتقاضين، ومع غيرهم ممن يتعامل معهم بصفته الرسمية. وعليه أن يقبل بكل حرية وإرادة القيود الشخصية التي تطوقه بشكل يتمشّى مع وزن مهنته، وعليه أن يحسن تدبير أنشطته غير القضائية من أجل تقليل مخاطر احتمال تعارضها مع واجباته المهنية.
المبدأ العاشر: التضامن
تعتبر المدونة التضامن بين القضاة لبنة لتحصين المهنة، ويشكل قوة لمواجهة لوبيات الفساد، ورادعا لمجموعات الضغط التي تحاول التأثير على القاضي، والزج به في غير ما هو منوط به. وتعتبر مؤازرة الزملاء الذين طالهم الحيف، بسبب ممارسة مهامهم، ركنا من أركان التضامن التي حددتها المدونة.