“المغاربة إلى بغاوا ياكلوا شي ربيعة تيسمِّيِوْها”!! (من أرشيف مغرب التغيير – الدار البيضاء 22 شتنبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 22 شتنبر 2023
منذ انطلاق الحراك العربي، قبل عشرية ونيّف، وانطلاق الحراك المغربي على إثره، ومجيء حكومة إسلامية أو “شبه ملتحية” كما ينعتها البعض، ونحن نعيش تفشّي ظواهر اجتماعية وثقافية في غاية الغرابة. ومنشأ الغرابة هنا أنها ما كانت لتقع أو تحدث في ظل مرجعية دينية مهيمنة، يزكيها الطابع المحافظ للمجتمع المغربي الذي يذهب الدارسون إلى أن نسبة المحافظين فيه تناهز الثمانين في المائة، ونسبة المتديّنين لديه تفوق 90 في المائة… فكيف ذلك؟
1ـ المناصفة التي نص الدستور على واجب تكريسها بين الجنسين ما فتئ البعض يتخذها مطية للسير الحثيث في مسار تحرير المرأة من كل الالتزامات، حتى الأخلاقية، من خلال الحديث عن مسمّيات يُراد بها غير دلالاتها الأصلية، من ذلك: احترام حرية المرأة في التصرف في جسدها كيف تشاء؛ وغض الطرف عن علاقاتها بالجنس الآخر حتى لو كانت تلك العلاقات رضائية وخارج مؤسسة الزواج؛ والتجرّؤ على أحكام الشرع والكتاب المنزّل من خلال مطالبة بعض القياديين الحزبيين بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، وكأن الخطأ كامن في الفريضة الواردة بالنص الصريح في القرآن الكريم، وليس في العلاقة التي صارت ملتبسة بين الذكور والإناث بسبب تخلي الأوائل عن مسؤولياتهم وتنصّلهم من التزاماتهم الاجتماعية والأسرية؛
2ـ المطالبة بهامش أكبر وأوسع من الحريات الفردية، تطورت هي الأخرى إلى تجلٍّ فاضح وغير مسبوق لظاهرة الشذوذ الجنسي بين الذكور، وبين الإناث، حتى بتنا نسمع عن مسيرات ومهرجانات يشارك فيها “بالعلاّلي” شواذ مغاربة من الجنسين، من قَبيل ذلك المهرجان العالمي الذي تم تنظيمه قبل سنوات بهولندا والذي كان الشواذ المغاربة فيه بمثابة “ضيوف الشرف” (وأي شرف؟!!) دون أن يكون لذلك السلوك ما بعده، ودون حتى أن نسمع عن أي مساءلة أو متابعة الضالعين في تلك الفضيحة؛

3ـ الإجهاض السرّيّ، الذي يجرّمه الشرع والقانون، والذي نسمع الآن أنه يسجّل يوميًا بين 600 و800 حالة، فضلاً عن الحالات العلنية والمشروعة، صار هو الآخر وسيلة لإجازة قتل الأجنة الأحياء، بعد أن أجيز ذلك القتل تحت يافطة استثناءات ثلاثة يمكن لكل منها أن يتّسع ليشمل حالات فرعية مختلَقة يصعب حصرها.
ـ فالاغتصاب وزنا المحارم يمكن أن يتم استعمالهما بسوء نية لتمرير حالات يمكن أن تصير جزءًا من هذا “الاستثناء الأخلاقي”، وبذلك يصبح الاحتكاك بين المحارم أمرًا هينًا أو متسامَحا معه بعد أن يزول الخوف من نتاجه غير الشرعي وغير الأخلاقي ومن تبعاته الاجتماعية لأن الإجهاض يُصبح مشروعًا بسببه؛
ـ والخطر المهدد لحياة الأم أو سلامتها الصحية يمكن أن يخضع هو الآخر للتمطيط فيشمل حالات قد يصعب إحصاؤها، لأن التحديد الدقيق لذلك الخطر ليس سهلاً كما أنه قد يختلف بين طبيب وآخر، مع ما نعلمه جميعًا عن ظاهرة البيع والشراء المتفشية في مجال إصدار الشهادات والخبرات الطبية وهذه وحدها تشكل ظاهرة تسير بذكرها الركبان؛
ـ والتشوهات التي قد تهدد السلامة الجسدية أو العقلية للجنين يمكنها هي الأخرى أن تتمدد فتشمل حالات إعاقة غير معروفة النهايات بالمعنى الدقيق للمعرفة العلمية، وبالتالي يُصبح أي تشوّه قائم أو محتمل الوقوع ذريعة لإجازة الإجهاض بعد الحكم على الجنين بأنه غير صالح للبقاء، وكأننا بهذا “الاستثناء البيولوجي” نسير على منوال الطاغية هتلر، الذي ألغى أي حق في الوجود للضعاف والمرضى والمعاقين والعجزة والمشوّهين خِلقةً وهلم طغيانًا وجُنونًا.

والحال أن الذين تناولوا ظاهرة الإجهاض بالمناقشة والتحليل من أجل تسويغه، وكذا الذين انخرطوا في الرد عليهم من أجل منعه وتحريمه، لم ينتبهوا جميعًا، بعد أن تراضوا على نفس الموقف وأرسَوْا سفنهم في نفس المرفأ، إلى أنهم صنعوا للإجهاض أسماءً جديدة هي عين تلك الاستثناءات الثلاثة، فأجازوا بذلك قتل الأجنة الأحياء. والطامة الكبرى أن هذا حدث بالأمس في عهد حكومة ذات مرجعية إسلامية، وفي بلد مسلم، محافظ، ملتزم بشرع الله، وفي مقدمة ما شرعه سبحانه حماية الحق في الحياة والحفاظ عليها بكل الوسائل الممكنة والمتاحة في كل عصر.
4ـ وأما إضفاء الصبغة الثقافية والحضارية على “مهرجان موازين” الذي صار يناطح الأعياد الدينية والوطنية فقد تحول بدوره إلى ذريعة لقراءة السلام على ضوابطنا الأخلاقية، حتى أن وزير الاتصال شارك في جنحة انتهاك الآداب العامة المنصوص عليها وعلى عقوبتها في المادة 483 من القانون الجنائي التي جاء فيها ما يلي: «من ارتكب إخلالاً علنيًا بالحياء، وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يُعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتيْن وبغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم. ويُعتبر الإخلال علنيًا متى كان الفعل الذي كوّنه قد ارتُكب بمحضر شخص أو أكثر شاهدوا ذلك عفوًا أو بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة من عمره، أو في مكان قد تتطلع إليه أنظار العموم»، وذلك من خلال السماح بالنقل المباشر والفاضح لسهرة بذيئة مثل تلك التي احيتها المغنية الاستعراضية “جينيفر لوبيز” من طرف قناة مغربيةيصرف عليها المغارة من مقدَّراتهم ليتمّ إدخال ذلك المسخ إلى البيوت المغربية حيث يفترض جلوس الآباء والأبناء ذكورًا وإناثًا مجتمعين أمام الشاشة، مما جعل نسبة المتابعة تنزل إلى 23 في المائة كما ورد في استطلاعات نسب المشاهدة، ومما يؤكد أن الأسر انفض جمع معظمها بسبب هجوم المسخ المذكور عليها دون سابق إشعار أو موعد. وعندما تُرتكب مثل هذه الجنح من طرف عضو في حكومة ذات مرجعية إسلامية فعلى ركائز ديننا السلام.
خلاصته، هناك مثل مغربي يقول: “المغاربة إلى بغاوْ ياكلُوا الرّبيعة تيسمِّيوْها“… مثل “الخبّيزة” و”الكرنينة” و”الرجيلة” وغيرها… فكأننا هنا نصنع للجريمة والرذيلة أسماء جديدة تُجيزها وتُشرعنها وتنزع عنها طابعها الجرمي المقيت والخارج عن الشرع والقانون وعن الثقافة المغربية الأصيلة !!