المغرب والاتحاد الأوروبي: بين سندان المصلحة الأوروبية ومطرقة التبعية 2/1 (مغرب التغيير – الدار البيضاء 23 شتنبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 23 شتنبر 2023
كانت علاقة المغرب مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية تحدَّد انطلاقا من توجهات السياسة الخارجية للمجموعة، نظرا لعدة عوامل أهمها القوة الاقتصادية والسياسية للاتحاد الأوروبي مقارنة مع المغرب، وبالتالي فإن هذه العلاقة، ورغم ما سبقها من مفاوضات، تظل خاضعة لهيمنة المجموعة. ولعل أهم العوامل التي كانت سببا في جعل هذه العلاقة محدودة وعاجزة عن تحقيق تعاون حقيقي بين الطرفين هي رغبة المجموعة الأوروبية في تكريس الولاء السياسي للمغرب تجاهها، حفاظا على مصالحها وتحقيقا لأهدافها السياسية والاقتصادية، حيث كانت سياسات وتوجهات المجموعة الأوروبية في علاقتها مع المغرب تقوم على هدفين أحدهما سياسي والآخر اقتصادي.

أما الهدف السياسي: فيتمثل في الرغبة العارمة التي كانت لدى المجموعة من أجل تكريس فكرة الولاء السياسي، ليظل المغرب منطقة نفوذ تابعة لأوروبا، وبالتالي للدول الأعضاء داخلها.
وأما الهدف الاقتصادي: فهو استغلال المغرب اقتصاديا، حيث كان يمثل موردا للمواد الأولية واليد العاملة الرخيصة، وكذلك سوقا لتصريف فائض إنتاج المجموعة على غرار تعامل كل إمبرياليات العالم مع باقي دول “العالم الثالث”.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين، الذي اعتبر علامة فاصلة في تاريخ العلاقات الدولية وعلامة تحوُّل كبرى في مجال السياسة الدولية، تغيرت علاقة المغرب مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية، على مستوى الشكل، مع الإتحاد الأوروبي فالظروف الدولية تغيرت وحتى الظروف الداخلية للطرفين.
لقد بنى الإتحاد الأوروبي سياسة الشراكة من تصورات واضحة عنده، هدفها معالجة موضوع الهجرة والاضطراب السياسي والأمني في دول شمال إفريقيا، محاولاً تطوير الاقتصاد الأوروبي عن طريق فتح الأسواق المغاربية وتوسيع دائرة السوق الأوروبية لتصبح مركزا للإقتصاد العالمي.
وبعد مؤتمر برشلونة المتوسطي المنعقد سنة 1995، انطلق الإتحاد الأوروبي في تدشين سلسلة من المفاوضات لإبرام اتفاقيات شراكة وتعاون مع دول الجنوب والمتوسط، وكان المغرب إحدى الدول التي وقعت مع الإتحاد الأوروبي اتفاقية الشراكة بتاريخ 26 فبراير 1996 ببروكسيل، كما وقع المغرب مع الإتحاد الأوروبي في نفس اللحظة ونفس المكان، اتفاقية للصيد البحري مستقلة عن اتفاقية الشراكة، لكن دينامية المفاوضات أدت إلى الربط بين مضمون الاتفاقيتين.
وأهم نقطة جاءت بها اتفاقية الشراكة تحديد سنة 2012 كأفق لدخول بنود التبادل الحر حيز التنفيذ، من أجل إعطاء قوة أكثر لهذه الاتفاقية، على أساس أن يسير المغرب والإتحاد الأوروبي قُدُماً في نفس الاتجاه من أجل إقرار اتفاق مستقبلي كان من المقرر أن يحمل اسم “اتفاق الجوار”.
– فما هو الإطار القانوني للعلاقات الأورومغربية؟
– وهل فعلا حققت اتفاقية الشراكة لسنة 1996 ما كان منتظرا منها؟ أي واقع العلاقات الأورومغربية؟
الإطار القانوني للعلاقات الأورو-مغربية
يتضمن هذا الإطار اتفاقيتين: الأولى هي اتفاقية الشراكة لسنة 1996 والتي كانت نتاجاً لمؤتمر برشلونة الأورومتوسطي، أما الثانية فهي اتفاقية الصيد البحري.
اتفاقية الشراكة لسنة 1996:
تختلف هذه الاتفاقية عن سابقاتها من حيث طابعها الشمولي، فهي جامعة لأبعاد سياسية، مالية، اقتصادية، ثقافية واجتماعية. وذلك على اعتبار أن التعاون الاقتصادي لا يمكن أن يتم بمعزل عما هو سياسي وثقافي واجتماعي؛ أي أن أوروبا تتخذ من الاقتصاد مطية لتمرير ثقافتها وفرض توجهاتها السياسية على المنطقة.
ويبقى الجانب الاقتصادي متّسماً بالأهمية الكبرى داخل هذه الاتفاقية بالنظر إلى طبيعة الرهانات المرتبطة به، لذا نجدها تضع قواعد علاقات جديدة في إطار الشراكة، بمعنى الانتقال من سياسة الإعانة إلى سياسة الشراكة المبنية على حقوق والتزامات، وكانت اللجنة الأوروبية قد وضعت بتارخ 8 مارس 1995 مقترحا من أجل إعطاء نفس جديد لمفهوم الشراكة يرتكز على محورين:
– المساعدة وتكثيف الإصلاحات السياسية وإقرار حقوق الإنسان وحرية التعبير؛
– الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بهدف الرفع من النمو ومستوى المعيشة،
بينما يعرّف المغرب الشراكة على أنها إطار لبناء أسس التضامن يستند على عامل التقارب والجوار بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وعلى هذا الأساس، وقع المغرب مع الإتحاد الأوروبي اتفاقية الشراكة لسنة 1996، لتحلّ هذه محل اتفاقية التعاون التي كان الطرفان المغربي والأوروبي قد أبرماها سنة 1976.
ودون الدخول في تفاصيل وجزئيات هذه الاتفاقية يمكن تبيان أهم ما جاءت به على النحو التالي :
– بالنسبة للقطاع الصناعي: فإن المبدأ الأساسي المعتمد في هذا المجال هو السماح للمنتوجات الصناعية المغربية بالدخول إلى السوق الأوروبية المشتركة، بنفس الشروط التي تخضع لها المنتوجات الصناعية بين دول أوروبا، كما أن الصادرات الأوروبية من المنتوجات الصناعية في اتجاه المغرب لا تخضع للتعريفات الجمركية باستثناء صادرات تنص عليها الملاحق 3-4-5-6، والتي سيتم تخفيض التعريف الجمركي المفروض عليها بنسبة %50 بعد سنة من تطبيق الاتفاقية وبـ 25% بعد سنتين على أن تحذف نهائيا بعد ثلاث سنوات.
فالجديد الذي أتت به الاتفاقية في هذا المجال، هو إلغاء كل الحقوق الجمركية والرسوم المماثلة على الواردات الصناعية من أصل أوروبي في أفق إحداث منطقة للتبادل الحر.
– بالنسبة للقطاع الفلاحي: هناك منتوجات تستفيد من الإعفاء الجمركي ومن سعر دخول منخفض ومتفق عليه في حدود حصة معينة ويتعلق الأمر هنا بأهم الصادرات المغربية كالطماطم، البواكر… وهناك نوع ثاني من المنتجات تستفيد من إعفاء جمركي في إطار حصص تعريفية مثل البطاطس، والزهور المقطوفة… كما أن هناك سلعاً أخرى تستفيد من الحقوق الجمركية بدون تحديد حصص تعريفية مثل الخضر الطرية كالجلبان، الفواكه الطرية… ونجد نوعا رابعا من المنتوجات المعفاة من الحقوق الجمركية في إطار مقادير مرجعية تستفيد من الإعفاء الجمركي ما لم تتجاوز الصادرات المغربية كمية تسمى الحصة المرجعية، أما النوع الخامس والأخير فيتعلق بالمنتجات التي تستفيد من الإعفاء الجمركي دون تحديد الحصص وأهمها الفواكه المجففة، والحوامض المحولة، وزيت الزيتون…
إن القراءة الأوروبية للمادة 18 من اتفاقية الشراكة توضح لنا أن السوق الأوروبية ليست مفتوحة بشكل كامل أمام المنتجات الفلاحية المغربية. حيث ما زالت تعترضها مجموعة من العراقيل تتعلق أساسا بأثمان الدخول وضآلة الحصص وفترات الولوج. فالطماطم المغربية مثلا تبقى مقيدة في دخولها للسوق الأوروبية في حصص لا تتعدى 150 ألف إلى 676 ألف طن وخلال فترة تمتد من فاتح أكتوبر إلى 31 مارس.
– بالنسبة للقطاع المالي: فإن الاتفاقية أكدت على رفع نسبة المساعدات المقدمة للمغرب بنسة 60%، حيث وصلت إلى 600 مليون دولار في الفترة ما بين 1996-1999. كما أن على البنك الأوروبي للاستثمار أن يمنح المغرب قروضا تفضيلية لتمويل تنمية البنيات الأساسية الاقتصادية والاجتماعية، وتنمية القطاع الخاص، كما خصص الاتحاد الأوروبي في إطار برنامج “ميدا” مساعدة مالية للمغرب تقدر بـ 4.685 مليار وحدة نقدية لنفس الفترة. وهذه المساعدات حلت محل البروتوكولات المالية السابقة.
إن الغلاف المالي الأوروبي لا يشكل سوى جزء صغير من حاجيات ومتطلبات المغرب، وبالتالي فإن الدعم المقدم للمغرب، بخلاف للدعم المقدم لإسبانيا والبرتغال واليونان في نهاية الثمانينيات وكذا المقدم لدول أوروبا الوسطى والشرقية مؤخرا، مازال يندرج في منطق المساعدة وليس منطق الاندماج أو الشراكة.
إن اتفاقية الشراكة، من هذا الجانب، لم ترق إلى مستوى الهدف المتوخى منها، إذ أنّ الإتحاد الأوروبي استغل وضعه المتقدم والقويّ فتعامل مع المغرب بمنطق ميركنتيلي يتناقض مع شعاراته وخطاباته السياسية، والتي يدعي فيها أنه يسعى إلى تحسين مستوى عيش منطقة جنوب المتوسط، ويتضح ذلك من خلال استمرار المنتجات الفلاحية المغربية المتوجهة نحو الاتحاد الأوروبي في الخضوع لإجراءات تقنية صارمة تهدف إلى إضعاف الصادرات المغربية؛
– الإتحاد الأوروبي الذي يشكل شريكا استراتيجيا للمغرب مطالب بتدشين حوار جديد عبر الانطلاق من رؤية تعاونية صادقة تجمع بين مجال التنمية من جهة، والذي يشكّل طلبا مغربياً، وبين الأمن من جهة ثانية، والذي يشكّل هاجساً أوروبياً.
إن القول بالتوقيع على اتفاقية شراكة يفيد وجود طرفين متوازيين أو على الأقل متقاربين من حيث القوة الاقتصادية والسياسية، فهل يمكن تصور ذلك في حالة المغرب مع أوروبا، حيث يقف بلد” نامٍ” أمام أكبر قوة اقتصادية من حيث الناتج الداخلي الخام والسوق الاستهلاكية؟! طبعًا لا يمكن ذلك، وإن كان المغرب قد عبَّر في أكثر من مرة عن رفضه لسياسة الإملاء التي تتعامل بها معه أوروبا فإنه في نهاية المطاف لا يجد بدًا من الرضوخ إلى الأمر الواقع، والبحث ما أمكن عن أسباب بديلة لتقوية موقعه من خلال تنويع شركائه، وتكثيف علاقاته الاقتصادية مع البلدان التي يتقاسم معها أكثر من عامل تقارب، خاصة الدول العربية. ومن هنا يتضح الهدف الحقيق الذي كان وراء عقد هذه الاتفاقية والمتمثل في تكريس التبعية على المستويين الاقتصادي والسياسي بُغيةَ تحقيق أهداف أوروبية من شانها أن تجعل من الاتحاد الأوروبي أكبر قوة اقتصادية وسياسية في العالم.
إذا كان هذا هو حال اتفاقية الشراكة لسنة 1996 فما هو حال اتفاقية الصيد البحري التي يعتبرها البعض بمثابة ورقة ضغط للمغرب في علاقته مع الاتحاد الأوروبي؟ ذاك ما سنتعرف عليه في مقال لاحق.