آراء ومواقف
أخر الأخبار

مع الاحترام الواجب لأساتذتنا… ما هكذا يكون الخطاب يا سادة!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء فاتح نونبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء فاتح نونبر 2023

جميل أن يكون لدينا محللون سياسيون ملمّون بقواعد القانون الدولي وفنون السياسة والدبلوماسيا والعلاقات الدولية. وجميل أن تكون لنا قنوات مُواطِنة في مختلف شبكات التواصل الاجتماعي تبث تجلّيات الرأي والموقف المغربيين، بما يحتاج إليه تعميمهما من الشرح والتبسيط ليكون العامة والخاصة على بينة مما يدور في الساحات الإقليمية والقارية والدولية، مما له صلة من قريب أو بعيد بقضايانا الكبرى والمصيرية.

موضوع

بيد أن الأجمل، أن تبادر فعاليات أكاديمية وجامعية، باحثة ودارسة، إلى الدفاع عن الموقف المغربي عبر كل فضاءات التواصل المتاحة داخل الوطن وخارجه، مع الحرص على تلقين الخصوم، الساعين إلى عرقلة مسيرة استكمال وحدتنا الترابية وتحرير ما تبقّى من ثغورنا بين أيدي الاستعمار القديم، دروسا صارمة وصادمة تعيدهم إلى رشدهم، أو تجعلهم صاغرين مطأطئي الرؤوس لأننا بخلافهم أصحاب قضية، وأصحاب حقّ، بينما هم محض مناوئين ومتطفلين وعُبّاد مصالح ضيقة، والمَعنيُّ هنا على الخصوص، الجارة الشرقية ومَن يدور في فلكها من الطفيليات السياسية.

غير أنّ الأروع من هذا كله، أن ننتهز الفرص ونستغل ردودنا وتحليلاتنا في إعطاء هؤلاء دروسا في اللياقة واللباقة وجميل الخطَاب، ولا أقول لَيِّن الخطاب، ما دام من الممكن أن نوجه إليهم كلاما مُوجعا ومُدميا دونما أدنى اضطرار إلى “الهبوط” إلى دركهم الأسفل، وبلا أدنى حاجة إلى نعوت متردية مثل: الكابرانات، والفراقشية، والصنادلية، وخدام فرنسا، وبو صبع، وبو ودينات وبو خنونة… وقس على ذلك من الأوصاف القادحة، التي لا تأتي إلى قضيتنا بأي قيمة مضافة، بل بالعكس، نجدها تضعنا مع غوغائيتهم وخبثهم وتدنّيهم الأخلاقي على قدم المساواة.

ولو استفتينا عقيدتنا السمحاء، التي نمتح منها قِيَمنا الأخلاقية، لوجدنا وصفاً قرآنيًا للّمز والتنابز بالألقاب يَسِمُهُمَا بالفسق، ويصف مرتكبيهما بالظلم إذا لم يتداركوا أنفسهم بالتوبة.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الحجرات – 11).

وليعذرنا القارئ اللبيب على هذا “الصعود” الاضطراري إلى مقام النص الديني، وقد تلافيناه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً حتى لا يتهمنا البعض بانتحال صفة “فقهاء”، وهذه الصفة كما تعلمون ذات حدّيْن!!

موضوع

والأدهى من كل ما ذُكِر، أن تأتي تلك الأوصاف، الفجة والسوقية، على ألسنة نخبة من مثقفينا وأساتذتنا الجامعيين، ومسؤولينا من مختلف الانتماءات المهنية والوظيفية، وأرجو أن يصل إليهم هذا الكلام، وأن يدركوا بأن اللغة التي يُصاغ بها بعضُ تعليقاتهم وتحليلاتهم السياسية والقانونية والدبلوماسية تتحول عن وعي، أو خارج وعيهم والله أعلم، إلى هرطقات تُسيء إلى صورتهم وقيمتهم الاعتبارية، وتجعلهم في نفس الخانة، وعلى نفس الموجة من الذبذبات السالبة، مع من يُفترض أنهم فاقِدو الحس المدني والأخلاقي من الخصوم، الذين ليس بعضُهم إلاّ مجردَ سِقْطِ مَتاعٍ في كل ما يخوضونه من مناظرات، أو يسفسطون فيه من جِدالات.

ينبغي، إذَنْ، أن نحمد الله على أنْ منحَنا فرصةً نستعرض فيها عضلاتنا في دماثة خلق العنصر المغربي، ولياقته ولباقته وحكمته وقوة حُجته… دون أن يُنقِص ذلك قيد شعرة من وسائل الإفحام والسبق والغلبة، التي نمتلكها أساساً، لأننا قادرون بطبعنا على بهدلتهم بكل ما للكلمة من دلالة، ولأننا “أولاد الترابي” (كما يقال في اللسان الدارج)، وبالتالي في حلٍّ من التردي إلى الوحل الآسن الذي هم فيه يسبحون.

نكاد في هذا الباب أن نعمم، لولا أن هناك آحاداً قلائل، ما فتئ الواحد منهم يعلّم مخاطَبيه (بالفتح) أصول إطلاق الرصاص القاتل من صميم عمل العقل والقلب، وليس مِن دَوِيِّ فُوَّهات مَدافع التشهير والشتم المجانيَيْن.

خلاصته، إننا لا نُبخِس عمل محللينا والمنافحين عن قضايانا وجهدهم المشكور، والذي لا يتنكّر له إلاّ جاحد أو مُغرِض أو عدميّ… ولكن في الآن ذاته، نسألهم من هذا المنبر الإعلاميّ، الجاد والملتزم، أن يستثمروا ما هم أهلٌ له من التنوير، ومن تنوّع المعارف واتساعها، ومن حصافة الفكر والرأي، وفصاحة اللسان والقلم، فضلاً عن تجاربهم وخبراتهم الفذّة، في إفحام الخصوم والأعداء بالكلام اللائق، خاصةً وأنهم، هم أنفسهم، يعلمون بأن الكلام الناقص لا يصدر إلاّ عمّن تنقصه الحجة، ويخونه المرجع، وتغيب الموضوعية عن فهمه وفكره… وكل هذه النقائص والهنّات نعلم يقينًا أن أساتذتَنا هم منها براء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى