فرنسا والجزائر: جاء وقت المرور من الأقوال إلى الأفعال!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 11 يناير 2025)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 11 يناير 2025 م.ع.و.
الآراء والأفكار المعبَّر عنها في هذا الباب لا تُلزِم هذه الجريدة
العنوان أعلاه مجرد نقل للعبارة التي فاه بها السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر، السيد كزافيي دريانكور، الذي عُيّن بهذا المنصب مرتين منفصلتين، ويعرف بالتالي المجتمعَ السياسي الجزائري معرفة عميقة، وخاصة على مستوى الحكام، الذين لا يحملون من هذا الوصف سوى الاسم، وكأنهم منتحلون لتلك الصفة، بل هم كذلك، لأن أفهامهم وأقوالهم وسلوكاتهم تؤكد بالملموس أنهم يمكن أن يكونوا أي شيء آخر غير “حكام” بالمعنى والدلالات القانونية للكلمة!!
المناسبة التي أدلى فيها ذلك السفير السابق بتلك العبارة الملخِّصة لواقع حال العلاقات الفرنسية الجزائرية، في هذه الظرفية بالذات، ليست سوى الحملة الشعواء التي تشنها الجزائر ونظامها الحاكم وإعلامها المراحيضي على أمها البيولوجية، فرنسا، التي أنجبتها من علاقة غير طبيعية مع تركيا العثمانية، يقال إنها قامت على “البيع والشراء”، قُبيل سنة 1830, التي حل فيها الزبون الفرنسي شارل العاشر، أو الكونت دارتوا كما كان لقبه في التراتبية الاجتماعية الفرنسية بتلك الحقبة… أقول إن السبب في تفاقم هذا السوء في العلاقة الفرنسية الجزائرية يعود إلى عادة جزائرية يعرفها، الآن، العالمُ كلُّه، تجعل حكامَ الموراديا وإعلامَهم الهجين يعلقون إخفاقاتهم في جميع مناحي حياتهم العامة، الداخلية والخارجية، على مشجب دولة من الدول، كفرنسا الآن، وإسبانيا بالأمس، والإمارات العربية المتحدة قبل ذلك، وكالمغرب على الدوام، ومعه إسرائيل بطريقة من الطرق، لأن الجميع يعلم أن حكام الجزائر يطلبون ود إسرائيل في الكثير من المحافل والفضاءات وإن كان ذلك من خلف السُّتُر والحُجُب، وقد رأينا وسمعنا، بالأمس فقط، كيف أن السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة بنجامع، وهو يرأس اجتماع مجلس الأمن، نطق باسم المندوب الإسرائيلي لدى المجلس، ليس بوصفه “ممثلاً للكيان” كما تقول الجزائر الرسمية دولةً وحكومةً وإعلاماً، بل بصفته “ممثلا لدولة إسرائيل”، نعم “إسرائيل الدولة”، وقد رأينا بنجامع وسمعناه وهو يُثني على المندوب الإسرائيلي ويشكره عند منحه الكلمة وكذلك عند انتهائه منها… فسبحان مبدل الأحوال!!
ونعود إلى الأزمة الفرنسية الجزائرية، التي لخّصها السفير دريانكور بتلك العبارة، طالبا الانتقال إلى الفعل بدلا من مجاراة الجزائريين في لغطهم المفرط والمستديم، وخاصةً بعد أن وجه النظام الجزائري لفرنسا الرسمية تهمة جد ثقيلة تتمثل في تجنيد إرهابيين من أبناء الجزائر ليقوموا بعمليات داخل هذه الأخيرة بغرض زعزعة استقرارها وأمنها (عن أيِّ استقرار وأيِّ أمن يتحدثون ؟!!) لنجد أن الوضع يتلخص فعلا فيما يلي:
- خروح مؤثرين جزائريين في وسائل التواصل الاجتماعي بتصريحات عنصرية وإقصائية يَدْعُون فيها إلى ممارسة العنف ضد فرنسا وأهلها من جهة، وتطويره إلى القتل ضد معارضي النظام الجزائري من الجزائريين الذين يقيمون بفرنسا من جهة ثانية؛
- السير في هذا المنحى إلى درجة التحريض على الإضرار بالمواطنين الفرنسيين الذين يبدون عداوتهم للجزائر وفي طليعتهم أعلام اليمين الفرنسي من جهة ثالثة… وبطبيعة الحال، دون التكاسل أو الإغفال عن ربط ذلك كله بدسائس “المخزن المغربي”، الذي يضعه النظام الجزائري على الدوام خلف كل حركة أو فعل أو تصريح لا يعجبه ولا يساير طروحاته غير المعقولة، وغير المنطقية، والمُنِمّة عن عقلية غير سليمة وغير سوية بكل المقاييس!!
بيد أنّ ردة الفعل الفرنسي كانت هذه المرة على درجة من الجدية والصرامة، بحيث أفرزت اعتقالاتٍ فوريةً فرديةً وجماعيةً لكل المؤثرين المُنَوَّهِ عنهم، انتهت إلى عَرض بعضهم على أنظار العدالة لخطورة أفعالهم وسلوكاتهم، واختيار ترحيل بعضهم الآخر إلى بلدهم الأم، الجزائر، لولا أن هؤلاء كانوا وما زالوا يتشبثون بالبقاء في التراب الفرنسي لأنهم يعلمون حق العلم أن عودتهم إلى وطنهم لن تنتهي بهم سوى إلى أحد مآلَيْن:
- إما إيداعهم في السجون لأنهم أخفقوا في المهام التي أنيطت بهم من لدن استخبارات عبلة للإضرار بفرنسا وبالمعارضين الجزائريين المقيمين بها؛
- وإما تعريضهم للإهمال والمهانة وتركهم عرضة للفقر المدقع والتهميش والتشرد… وهذان كأسان أحلاهما مُرّ!!
في نفس هذا السياق، رحّلت السلطات الفرنسية مؤثرا جزائريا يُدعى “دوعلام” حيث رافقه رجلا أمنٍ فرنسيان إلى مطار الهواري بومدين بالجزائر، ولكن هذين العنصرين فوجئا بالسلطات الجزائرية وهي ترفض السماح لمواطنها بالدخول إلى الجزائر، مما اضطرهما، ربما لقلة تجربتهما المهنية، إلى العودة به من حيث أتيا، ليضعاه على إثر ذلك في أيدي سلطات القضاء الفرنسي للتحقيق معه ومحاكمته طبقا للقانون الفرنسي بعد تكييف جُنَحِه أو جرائمِه… وقد انتقد بعضُ المعلقين الفرنسيين رجُلَيْ أمنهم على قبولهما إرجاع المؤثّر المُرَحَل برفقتهما إلى فرنسا من جديد، لأنه كان عليهما بحسب هؤلاء المعلقين أن يمتطيا طائرتهما في طريق العودة ويتركاه في مطار الجزائر يواجه مصيره، فيسببا بذلك إحراجاً شديداً ومستحَقّاً للسلطات الجزائرية!!
السفير الفرنسي السابق، والأسبق، كزافيي دريانكور، كان إذَن صريحاً وحاسماً في رده على الإعلامي الذي استضافه في إحدى القنوات الفرنسية، بدعوته سلطات بلاده إلى الانتقال من الردود الدبلوماسية والإعلامية لأنها لم تسفر عن أي نتيجة مُرضية، إلى ممارسة حق الرد الذي يخوّله القانون، في إشارة على الخصوص، إلى العقوبات الاقتصادية، التي من شأنها أن تصيب الجزائريين في مقتل، لأن فرنسا هي الممون الأوّل والأساسي للأسواق الجزائرية شبه الفارغة، والتي تشكو أساساً من نقص فظيع في الأغذية والأدوية والتجهيزات المختفلة بما فيها المنزلية، وكل هذا سيصيب الشعب الجزائري بالدرجة الأولى بالانهيار، ومن شأنه أن يزيد في إذكاء احتجاجات الشارع هناك، وربما يدفع به أكثر من أي وقت مضى إلى إحياء حَراكِه من جديد، مما قد ينتهي هذه المرة إلى ما انتهى إليه الأمر في العهدة الأخيرة للرئيس العليل بو تفليقة، أي بالدفع إلى تنحيته!!
ويبقى القول، إن هناك تدابير عملية أخرى يمكن لفرنسا أن تسعى إليها، ولكنها أكثر خطورة من غيرها، ومن بينها تحريك الجماعات الأرهابية التي يعلم الجميع أن فرنسا هي التي زرعتها، لكل غاية مفيدة، وأمدتها بالسلاح والعتاد في جنوب مالي وفي النيجر، وقد تدفع ببعضها إلى الحدود الموريتانية الجزائرية بذريعة دعم موريتانيا في التصدي لميليشات البوليساريو… وقد يجري تحريك الأزواد والطوارق في نفس الإطار… وساعتئذ سيعرف حكام الجزائر الأغبياء أين أدخلوا أنفسهم وإلى أي منقلب سينقلبون!!!
ـــــــــــــــــــــــــــ
مصدر صورة الواجهة: Le360