آراء ومواقف
أخر الأخبار

لماذا لا نتكلم “كورة”.. وبالصراحة اللازمة؟! (مغرب التغيير – الرباط 30 يناير 2024)

مغرب التغيير – الرباط 30 يناير 2024       ع.ح.ي.

هذا السؤال.. ضربتُ به أمَّ رأسي وانا أتابع مباريات نهائيات كأس الأمم الإفريقية.. كمعظم مغاربة وأفارقة هذا الزمان العجيب.. بمثل ما كنت أحرص على متابعات اخرى يومية لمحاضرات ودروس المشايخ الذين أفسدوا علينا تديُّننا.. ولا أقول ديننا لأن الدين يتعالى على تُرَّهاتهم وسفاسفهم.. كما أكّدتُ ذلك بكل تواضع في مقالات سابقة!!

العجيب الغريب.. أنني ألفيتُ نفسي في عالم كرة القدم إزاءَ أصناف بشرية لا تقل سفسطة وسخافة عن شيوخ السلفية.. الذين أعترف أنني أصبحتُ مُغرماً بتقطير الشمع المُذاب في آذانهم إن كانت لهم “آذان يسمعون بها”.. ولشديد الأسف نجد أيضاً في “الكورة”.. أصنافاً لا تعرف شيئا عن منطق التفكير والتعبير السليمَيْن والمعقولَيْن والمبنيَيْن على مقدمات سليمة لا يَعافُها منطق الأشياء… فكيف ذلك؟!

كود

وجدتُني أستمع إلى مسؤولين ومحللين جزائريين.. “وما أدراك ما جزائريون”.. اقتنعوا تمام الاقتناع بأنهم سيحوزون على كأس بطولة الأمم الإفريقية.. قبل أن يغادر فريقهم مدرجات مطار هواري بومدين.. وهواري بومدين هذا.. بالمناسبة.. هو أول من زرع فيهم تلك “النفخة الخاوية”.. أو “النرجسية المفرطة”.. بالتعبير الأدبي المهذّب.. ولذلك كانوا يتحدثون عن مباريات فريقهم القادمة كأنه سينازل الفراغ.. وليس فرقاً إفريقية لها باعُها الطويل.. وأخرى تشهد نهضة غير مسبوقة.. وهذا ما أثبته واقع هذه البطولة الأممية العجيبة.. وزادوا على ذلك بالتجاهل الكلّي لكل هذه الفرق.. العتيد منها والصاعد.. ولم يكفهم ذلك كله.. بل حرصوا على استحضار الغول الذي يقض مضاجعهم منذ نهائيات كأس العالم بدولة قطر.. الرائعة استضافةً وتنظيماً وإدارة…

لم يكن هذا الغول سوى الفريق الوطني المغربي.. الذي ترك بصماته ليس على تلك النهائيات فحسب.. بل وعلى كل الفرق العالمية التي لاعبَها فانتصر عليها.. وحتى التي لم يُلاعبْها.. وكذا التي انتصرت عليه في ظروف لسنا من البكّائين حتى نعود لنقف طويلاً عندها.. ومن بينها على الخصوص.. المشاركة الشخصية الفاضحة لرئيس “الجمهورية المتردّية”.. فرنسا.. الذي حضر بعظمه و”لاشحمه” للتأكد من عبور فريق بلاده بكل الوسائل بلا استثناء.. بما فيها تغاضي حكم مباراة نصف النهاية عن أخطاء فرنسية لا تُعدّ ولا تُحصى.. وتغاضيه أكثر من ذلك عن ضربة جزاء واضحة.. وضوح شمس الظهيرة في كبد السماء.. لفائدة اللاعب المخضرم سفيان بوفال.. الذي أُسقِط بطريقة فَجّة في مربع عمليات الفريق الفرنسي.. وقد زاد الحكم على ذلك برفضه الرجوع إلى حُكّام “الفار”.. الذين صرّحوا بعد ذلك بأحقية اللاعب المغربي في ضربة جزاء لا غبار عليها.. لولا الغبار الكثيف الذي كان الرئيس ماكرون بقدّه وقديده قد ألقاه على عيون حكّام المباراة أثناء زيارته غير المبرَّرة لمخادع ملابس الفريقين والحُكّام قبل انطلاق شوطَي المقابلة!!!

ونعود إلى جيراننا المَهابيل.. لنتذكّر أنهم لم يكونوا يقبلون أن يناقشهم أي رهط في مستوى فريقهم الكروي.. الذي ظلّ يجر وراءه هزائم متوالية منذ حصوله على الكأس الأممي الإفريقي برسم سنة 2019… وبالمناسبة.. فذلك الإنجاز بالذات.. هو الذي جعل الجائريين شعباً وحكومةً ومسؤولين رياضيين وإعلاميين يُقْسِمون قبل بدء أولى المباريات.. بأغلظ الأَيْمان.. بأنهم الفائزون بالكأس مهما كانت الظروف… وكما يعلم الجميع.. الآن.. فقد قدّم منتخبهم أداءً متواضعاً لم يجدوا ما يبررونه به ماعدا كيل الاتهامات “العبيطة” والمضحكة للجامعة الملكية المغربية ورئيسها فوزي لقجع.. والذهاب في ذلك إلى غاية الحديث عن السحرة السوسيين المغاربة ونظرائهم اليهود.. وتقديمهم هؤلاء في صورة تنظيم شيطاني يستهدف فريقهم الكروي.. ويستهدف بتحصيل الحاصل أمنَ بلادهم.. وكذلك نعتوا كل من يدعوهم من الإعلاميين العرب والعالميين إلى الحد الأدنى من الجدية والمهنية.. ولم يَنْجُ من اتهاماتهم بالشعوذة والخيانة إعلاميوهم المقيمون بالخارج.. خاصة وأن هؤلاء كانوا وما زالوا وربما سيظلون.. كما يدّعي الإعلام الجزائري.. “مجندين من لدن المخزن المغربي”.. الذي يقسمون بأغلظ الأَيْمان بأنه يتربص بهم الدوائر.. وأنه ينتظرهم عند كل منعطَف ليفسد عليهم أفراحَهم… أفراحٌ تؤثثها وتدل عليها طوابير الحليب والزيت والعدس والفاصوليا والأَرُزّ… التي ابتُلِيَ بها جزائريون تُعتبَر دولتُهم أغنى دول القارة السمراء!!!

أكادير 24

لقد اتّضح للجميع أنهم  ذهبوا إلى الكوت ديفوار للمشاركة في نهائيات كأسها الأممية خاليي الوفاض… ولذلك خرجوا منها كما دخلوها خاليي الوفاض.. وسقطوا سقطة مدوّية على أيدي لاعبي فريق ناشئ ولكنه صاعد.. هو الفريق الموريتاني.. الذي يسميه المحللون الكرويون بالمناسبة.. “فريقاً للمرابطين”.. وللإشارة فموريتانيا كانت في عهد الدولة المرابطية مغربية حتى النخاع.. ويقول بعض المؤرخين إن تلك الدولة انطلقت من منطقة سجلماسة ومحيطها المباشر.

العجيب ايضاً في هذه الدورة.. أن فريق الفراعنة خرج هو الآخر من دياره وفي صدور لاعبيه فرحة مُسْبَقة بالفوز بكأس لم يحملوا معهم للفوز بها سوى ذكرياتِهم المَخمليةِ عن ماضٍ كان الفريق المصري فيه غولا يهابه جُلُّ الفرق العربية والإفريقية… وقد كان فعلاً أهلاً لذاكَ!!!

استمعتُ إذَنْ إلى الإخوة المحللين المصريين وهم يقولون بعظمة ألسنتهم: نحن ذاهبون إلى الكوت ديفوار بفريق مؤهل لا لشيء سوى للفوز بالبطولة.. وبالغوا في نشر هذا القول حتى صدّقوه هم أنفسُهم.. وصدّقهم في ذلك مدرب فريقهم المحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تجديد دمائه من جهة.. وتبديل خطط لعبه الرتيبة والمملة من جهة ثانية.. فكانت تلك طامتهم الكبرى هم الآخرون.. تماما كما حدث لجيراننا الشرقيين.. فخرج فريقهم.. كما دخل هو الآخر.. بخُفَّيْ حُنَيْن!!!

الأغرب في حالتَيْ فريق الجزائر ونظيره المصري.. أن الإخوة المصريين انفلتت الألسنة لدى بعض مسؤوليهم ومحلليهم.. فتحدثوا هم الآخرون عن السحر المغربي.. الأمازيغي/الإسرائيلي.. حتى انهم ذبحوا في مصر.. أم الدنيا.. وقلعة العلم والمعرفة.. عجلاً قد يكون فاقعَ اللونِ أصفرَهُ على منوال بقرة قوم موسى.. أو قد يكون أسودَ بلون أدمغة فقهائهم ومشعوذيهم.. لدفع النحس عن فريقهم.. و”لإخراجه من سلسلة التعادلات”.. ولم ينتبهوا إلى أن ذلك قد يقودهم فعلاً إلى الخروج من سلسلة التعادلات ولكن.. بخسارة!!!

نهايته.. لقد حاولتُ من خلال هذا الموضوع أن أخرج من جُبّة صِراعي المستديم مع سلفيي هذه الأمة.. الذين سأظل أنعتهم بكل صفات التخلف والتدنّي.. فوجدتُ نفسي من جديد بإزاء عجولٍ و”عتاريسَ” تُذبح وتُلطَّخُ بدمائها الأيدي والجِباه.. وبإزاء حديث.. سلفي بكل معاييره.. عن السحر والدجل والشعوذة.. خاصة وأن ذلك له الآن صلة يومية بأدغال إفريقيا.. حيث تسود ثقافةٌ تُقيمُ دعاماتِها على هذا الضرب من الخرافات!!!

وأخيراُ وليس آخراً.. تميزت دورة أمم إفريقيا هذه بتمتع مغربنا بأوصاف السحر الأسود وبكل اللعنات.. من لدن الجزائريين والمصريين على السواء.. دون أن نغفل ذكر إخواننا التونسيين.. الذين لم يعدموا الوسيلة إلى الانضمام للجوقة ذاتها.. فكالوا لنا هم الآخرون نفس الاتهامات المضحكة/المبكية.. ووجهوا لرئيس جامعتنا الملكية نفس الأوصاف القادحة.. ثم ذبحوا هم الآخرون تيساً أسود نثروا دماءه على نوافذ حافلة فريقهم الوطني… وفي آخر المطاف.. خرجوا هم الآخرون كما دخلوا أوّل وهلة.. بلا أي انتصار.. وبنقطتين يتيمتين كجارتهم الغربية!!!

وبطبيعة الحال.. وبمعيار المنطق البعيد عن أي محاباة.. بقي الفريق الوطني المغربي حاضراً.. كما كُنّا نتوقع منذ البداية.. ولكنه كان توقّعاً لا مكان فيه للاستعلاء.. حتى أن المغاربة.. مسؤولين وتقنيين ومحللين إعلاميين.. لم يتطاولوا على الغيب.. ولم يقولوا.. كما فعل الإخوةُ المذكورون: سنفوز وسننال البطولة وسنحمل كأسها الذهبية إلى المغرب… وإنما داوموا.. ككل مرة وكما في كل المرات السابقة.. على اعتبار كل المباريات القادمة صعبة ومصيرية.. وداوموا.. ككل مرة ايضاً.. على التعامل معها واحدة تلو الأخرة.. كلاًّ منها على حدة…

هكذا نحن المغاربة.. واقعيّون ومتواضعون منذ ليل التاريخ!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى