الجزائر وفرنسا مرة أخرى: احتمال الاقتتال عن بُعد!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 15 يناير 2025)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 15 يناير 2025 م.ع.و.
الآراء والأفكار المعبَّر عنها في هذا الباب لا تُلزِم هذه الجريدة
بعد كل الذي ذكرناه وناقشناه وعقّبنا عليه في المقالات السابقة، بخصوص العلاقة الملتبِسة والمعقدة بين الإيليزي والموراديا، والتي أخذت منحىً تصاعدياً لم يبق بعده إلاّ إعلان الحرب المباشرة والنظامية بين الطرفين، بالرغم من أواصر المودة والمحبة، بل العشق الممنوع، التي كانت تجمع بين قائديهما إلى زمن قريب بدليل العناقات الطويلة، والقبلات الحارة والباعثة على التشكك والارتياب (!!!)… رغم كل هذا، سمعنا وزير الداخلية الفرنسي يهدد بالمزيد من التصعيد، ونظيره وزير العدل يسمي الأسماء بمسمياتها عن طريق إعلانه عن ترتيبات عقابية يمكن الأخذ بها تجاه الإبنة العاق، بعد أن كان السفير الفرنسي الأسبق بالجزائر، دريانكور، قد تحدث صراحةً عن وجوب الانتقال من الأقوال إلى الأفعال، ولمّح بالمناسبة إلى القيام بأعمال عسكرية عدائية لأن حكام الجزائر حسب قوله لا يصلح معهم إلى هذا النهج… “الاستعماري القديم” في نظري المتواضع!!
فما الذي يبدو وقوعه أكثر احتمالاً ومنطقاً بالنظر لتسلسل الأحداث بين حبيبَيْ الأمس، غريمَيْ اليوم، مما يمكن أن يحدث فعلا بين كل ساعة وأخرى، من الساعات القادمة؟!
أعتقد أن التدخل الأخير لوزير العدل الفرنسي، الذي جاء ليزيد طين هذه العلاقات بلة، يقدم تصوّرا تقريبيا لما يمكن حدوثه… فكيف ذلك؟
إن في وسع السلطات الفرنسية من اللحظة الراهنة، حسب قول وزير العدل، أن تبدأ مثلاً بمراجعة الاتفاقية الفرنسية الجزائرية التي منحت حظوةً مُبالَغاً فيها للجزائريين الحاملين لجواز سفر دبلوماسي، بإعفائهم من التأشيرة، ومن باقي الالتزامات التي يفرضها القانون الفرنسي على زواره والمقيمين لديه من الكراغلة، الحاملين لجواز السفر الجزائري الذي، من حيث قيمتُه السياسيةُ والدبلوماسيةُ وحتى الإداريةُ، لم يعد يُساوي وزنَه ورقاً ومِداداً، علماً بأن حاملي الجواز الدبلوماسي من الجزائريين هم حكام الجزائر أنفسُهم، وأُسَرُهم وأبناؤهم وبناتُهم وأقرباؤهم وذَوُو قُرباهُم وحَواريوهم الأقربون، وبأن هؤلاء جميعاً لديهم فوق التراب الفرنسي حسابات بنكية فلكية ببلايير الأوروهات، وعقارات باذخة لا تقل قيمةً، فضلا عن التسهيلات المفرطة والمُخَوَّلةِ لهم داخل النسيج الأوروبي، الذي ما زالت فرنسا تستأثر فيه وبين دوله بمكانةِ الأخت الكبرى، مسموعةِ الكلمة، بالرغم من تمريغ الرئيس ماكرون أنفَها في وَحلِ إخفاقاته المغاربية والإفريقية والعالمية المشهودة!!
لستُ في حاجة إلى تصوير موقف حكام الجزائر، ومَن معهم، ومَن يُحسَبون عليهم، عندما يَصيرون عاجزين بجرة قلم عن الدخول إلى التراب الفرنسي بغير تأشيرة، وممنوعين من التواصل مع سماسرتهم وعملائهم الفرنسيين، ومن التواصل بالتالي من خلال هؤلاء مع أموالهم وثرواتهم الفاضحة… فما بالنا إذا تمطّط هذا القرار المرعب فطال الثروات والأموال ذاتها، بالتجميد، أو بالمصادرة، وهو إجراء قد يكون مستبعَداً في المرحلة الراهنة، ولكنه لو قُدّر له أن يتم تحت غطاء المعاهدة الدولية لمحاربة تهريب الأموال، فإنه سيُفضي بكل تأكيد إلى سكتات قلبية ودماغية بالمئات، وربما بالآلاف، لعلمنا بأن الحكم والثروة في جزائر العسكر لا تستقر منذ تاريخ تقرير مصير هذا الجار السيّئ إلاّ بين أيدي عجزة مُنهارين من كافة المناحي، وأشكالُهم وحالاتُهم تُغني عن مزيد إطناب!!
هناك، أيضاً، قضية الصحراء المغربية الشرقية، التي في وُسع فرنسا أن تجتهد بشأنها داخل المنتظم الدولي ومجلس الأمن من أجل استصدار قرار أممي يقطع قانونيا مع ما يسمى “بالتمسك بالحدود الموروثة عن الاستعمار”، بعد إدلاء الإيليزي في هذا المنحى بكل ما يجرّد الجزائر من أي حق في تكريس ذلك المبدإ الواهن، وغير الواقعي ولا المشروع إلا في أذهان قادة استعمار جديد يرث الاستعمار القديم، خارج مضامين القوانين والأوفاق والضوابط والأعراف الدولية!!
فضلاً عن هذا كله، أو بعده أو بالموازاة معه، يسع فرنسا أن توجّه للجزائر ضربات عسكرية عنيفة وقاصمة مباشرة، لسبب من الأسباب، وهي التي تستطيع أن تستعمل حق الفيتو داخل مجلس الأمن لضمان صمت باقي أعضاء المجلس حُيالها، أو تُوجّه إليها ضربات غير مباشرة، عن طريق المنظمات والجماعات الإرهابية، التي أنشأتها فرنسا ذاتُها في بلدان الساحل الإفريقي المتاخمة للشريط الحدودي الجزائري، وخاصة ما يطل من هذا الشريط على مالي والنيجر وموريتانيا، بإشراك محتمَل لدول أخرى كالتشاد وبوركينا فاسو، وخاصة بعد أن أمّن المغرب تواصلا إيجابيا بين فرنسا وهذه الدول الغاضبة والثائرة والمتمردة… هذا، إذا سلّمنا بأن الحدود المغربية لن ينطلق منها أيّ عدوان أو ضرر باتجاه الجزائر التزاماً بما أكد عليه جلالة الملك وألح عليه في أكثر من خطاب!!
الغريب في هذا الموقف الفرنسي الجزائري الملتهب، أن حكام الجزائر بدلا من توخي الحذر، والإقلاع عن مغامراتهم الهوجاء والعشواء، لأنهم ليسوا أنداداً لفرنسا بقدها وقديدها، اختاروا أن ينطلقوا كعادتهم في حركات تصعيدية متشنجة مفرطة التهوّر، إلى درجة الانتحارية، فطفقوا يوجهون سهام تهديداتهم بمعاقبة فرنسا، والاقتصاص منها على عدوانيتها السافرة، والتي يدرك العالم من حولهم بأن أساسها الأول ليس سوى ملف الصحراء المغربية، الذي راجعت فرنسا موقفها منه باتجاه المنطق والبداهة، من منطلق كونها القوة الاستعمارية السابقة، ولكونها الأدرى بكل المعايير بأسرار ذلك الملف المفتعل، ربما على الخصوص، لأنها لعبت دور المهندس الحقيقي لافتعاله من لدن الحاكم الأسبق لمقاطعتها الإفريقية لما وراء البحار، المرحوم بوخروبة، الذي أورث هذا الملف القذر كلَّ الرؤساء الذين جاءوا من بعده، فكان سببا في اغتيال بعضهم، كحالة المرحوم بوضياف، وتَحَوُّل بعضهم الآخر إلى “ماريونيط” أو إلى “مَخابيل” بكل المعايير، كما هو شأن الرئيس الحالي السي عبد المجيد، الذي اشتهر عن كل مَن سبقوه، وربما أيضاً عن كل القادمين من بعده، بالكذب البَواح، وبوعود تذروها الرياح، بل أفلح من حيث لا يدري في جعل مواطنيه يصدّقون كذباته الغبية، بل ويتجنّدون في مختلف المحافل للدفاع عنها حتى وهم موقنون بأنها لا تمت للصدق والصحة بأي صلة… وهذه آفة أخرى تستحق مقالة منفصلة!!
نهايته… الجزائريون يطلقون الآن اللجام لألسنتهم ومراحيضهم الإعلامية وذبابهم الإلكتروني العَفِن، أما حَرْكاهُم المنبثّون داخل فرنسا فقد ألجمتهم الصدمة بعد أن رأوا رفض حكامهم استقبال أحدهم لدى طرده من لدن السلطات الأمنية الفرنسية باتجاه وطنه الأم… فيما تنشغل فرنسا من جهتها بشحذ سكاكينها، وتجيهز مقصلاتِها، وإقامة ونصب أراجيحِها المُميتة في انتظار الذي يأتي ولا يأتي!!
ومن يدري؟ فقد تتقلص الجغرافيا بين البلدين بشكل أو بآخر، فتتلاحم الأيدي والمناكب في شجار عصري حَداثي غير مسبوق، ووسائل التكنولوجيا الحديثة قمين بها أن تحقق هذه المعادلة المستحيلة عن طريق التدافع والاقتتال عن بُعد… من يدري؟!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر صورة الواجهة: القدس العربي.