المغرب ونهائيات بطولتَيْ كرة القدم القارية والعالمية: أشياء خفيفة لكنّ إغفالَها ثقيل!! (مغرب التغيير – الرباط 21 فبراير 2024)

مغرب التغيير – الرباط 21 فبراير 2024 ع.ح.ي.
لم يعد يفصلنا عن موعد إجراء مباريات نهائيات كأس إفريقيا للأمم برسم سنة 2025 سوى عامٍ ونيّفٍ.. إذا نجح المغرب في إقناع الكاف والفيفا بتنظيمها في فصل الصيف المقبل.. أو أقل من عام واحد.. إذا ركب رئيس الكاف ورئيس الفيفا رأسَيْهِما وأصرا على تنظيمها في بداية السنة 2025.. علماً بأن السنة في زماننا صارت لفرط سرعتها تقاس بالأسابيع وليس بالأشهر.. فالإثنى عشر شهرا صارت تمر بنا كأنها إثنى عشر أسبوعاً أو أقل.. وتلك ميزة هذا العصر الموسوم بالهَروَلة!!
مناسبة هذا الكلام عن ضيق الوقت.. أننا لا تزال تنتظرنا إنجازات كثيرة.. لكنّ بعضَها قد يراه البعض عديمَ القيمة.. وربما يراه تافهاً لشدة تواضعه وهَوانه.. ولكنه بسبب هذا الاستصغار بالذات.. قد ننساه في غمرة المنجزات الكبرى.. المتمثلة خاصّةً في إعادة تأهيل بعض الملاعب وبناء بعضها الآخر.. وفي الالتفاتِ الكلّيِّ صوب الطاقات الاستيعابية لفنادقنا.. المصنفة.. وشبه المصنفة.. وكذا الخارجة عن خانات التصنيف الفندقي.. والتي ستنزل بها جحافل من الزوار من كل الأجناس والمستويات.. ومن كل الثقافات.. وكذلك في اهتمامنا الشديد بطرق المواصلات ووسائلها.. ووسائل الاتصال والتواصل ووسائطهما وفضاءاتهما التي سيَفِدُ عليها مئات الصحافيين والإعلاميين من كل بقاع المعمور.. فضلاً عن إيلائنا العناية الفائقة لأسواقنا وفضاءاتنا التجارية الكبرى.. التي صارت تشكّل واجهةً وعنواناً لبلد يضع نفسه في خانة الاقتصادات الصاعدة.
أقول.. إنّ كل ذلك.. ربما يُنسينا إن لم يكن قد أنسانَا فعلاً.. تلك الأشياء الصغيرة.. التافهة في نظر البعض.. وعلى رأس هذا البعض مجالسُنا المنتخبة.. المعنية الأولى بهذا الموضوع.. والتي يبدو أنها في غفلة من أمرها.. بل تبدو نائمة على جنبها الأيمن وتحت رأسها كما يقول إخواننا المصريون “بطيخة صيفي”.. أو هي بالأحرى خارج التغطية بكل المعايير.. لأن ما سَيأتي قولُه في الأسطر القليلة أدناه يندى له جبين الوطن.. وتتصبّب من جرائه عرقاً جباهُ كل الغيورين على صورته وسمعته!!
الموضوع.. يا ناس.. تلخّصه ثلاثةُ مشاهدَ سأسوقها كما رأيتُها بأم العين.. وكما لا تزال قائمة إلى حدود الساعة:
المشهد الأول: يقف في أحد جوانبه عشرات الأشخاص ذكورا وإناثا ومن كل الأعمار أمام مرحاض عمومي.. هو واحد من ثلاثة أو أربعة مراحيض عمومية بعاصمة المملكة.. اثنان منها ملحقان بمسجديْن داخل أسوار المدينة.. التي استحقت.. يا حسرة.. لقبَيْ عاصمة الثقافة ثم عاصمة الأنوار.. وقد كان هذا المشهد المعيب متزامناً مع مسيرة نظمها المغاربة دعما للقضية الفلسطينية.. وغالبا ما يتكرر المشهدُ ذاتُه في كل مناسبة مماثلة تستقبل العاصمة فيها آلافا من المشاركين والزوار.. ويكون بالتالي هدفا لكاميرات السياح واستغرابهم.
في جانب آخر من ذات المشهد.. تقف طوابير طويلة عند بوابات مقاهٍ يسمح أصحابها للزوار المتسكعين في أسواق المدينة بقضاء حاجاتهم الطبيعية مقابل مبلغ يعادل ثمن فنجان قهوة أو إبريق شاي.. من 10 إلى 15 درهما.. تكريسا للمثل الذائع: “متاعب قوم عند قوم فوائدُ”.. ويظل أقبح ما في المشهد ذاته.. وقوف بعض المارة للتبول على أسوار المدينة (!!!). السؤال المطروح الآن والمحرج: “كيف ستتصرف عاصمة المملكة.. ومُختلِفُ حواضرها الكبرى بكل تأكيد.. عندما تفد عليها عشرات الآلاف من عشاق كرة القدم.. القادمين من جهات العالم الأربع”؟!
المشهد الثاني: تُشكِّلُهُ عربات جَرّ قصديرية قديمة ومهترئة وبالغة الاتّساخ.. تحمل لحوم البقر والضأن وتدخل بها إلى داخل أسوار المدينة العتيقة لتوزيع حمولتها على جزاري المنطقة.. فيحملها إلى دكاكينهم أشخاصٌ بألبسة لا تقل اتّساخا عن العربات ذاتها.. يتصببون عرقاً.. دون أدنى التِفات إلى ما يشكّله ذلك من نشاز ليس له مطلقاً ما يبرره ما عدا عجز مجلس المدينة وجماعاتها الحضرية عن القيام بأبسط واجباتها.. علماُ بأن اللحوم كانت في الفترات التي تلت الاستقلال وإلى غاية أواخر السبعينات من القرن الماضي.. تُنقل على متن شاحنات متوسطة مجهزة بثلاجات تفي بالغرض رغم تَقادُمها.. ويحملها إلى الدكاكين رجال يرتدون بلوزات بيضاء وقفازات مطّاطية تَُجَنِّبُهم الاحتكاك بلحوم موجهة للاستهلاك البشري.
فهل مغرب الستينات والسبعينات كان أكثر تقدّماً وتَحَضُّراً من مغرب اليوم.. في زمن نردد فيه تلك اللازمة الرنانة: “مغرب اليوم ليس كمغربِ الأمس”؟!

المشهد الثالث: لا يقل قبحاً وتدنّيا عن سابِقَيْه.. يجده كل مسافر على متن القطار أمام ناظِرَيْه بمجرد وَضْعِ قدميه فوق أرضية الأرصفة الرئيسية للمحطة.. حيث يُلفي نفسه في بهو فسيح مبلّط بما يشبه الرخام تسهر على تلميعه عاملات النظافة على مدار سويعات الشغل.. ولكنّ امتدادَه تقطعه بين كلّ بضعة أمتار لوحاتٌ أرضية للتشوير تحذّر المسافرين المنتظرين قطاراتِهم من المرور من هذا المكان أو ذاك الآخر.. حتى لا تبلل مياه الأمطار ملابسهم وتفسد هندامهم وتسريحات شعورهم.. والسبب؟ أن سقف الأرصفة الذي لم يكتمل بناؤه وتغطيته مثقوب ومخروم في أماكن منه غير قليلة يتسرب منها الماء.. فلا يجد عمال ومستخدمو المحطة ما يُدارون به تلك الفضيحة سوى مجموعة من الدِّلاء المعدنية والبلاستيكية (السطول) يوزّعونها هنا وهناك لتتلقى زخّات مياه الأمطار الملوَّثة بالطين والوحل لأنها قادمة من سطوح عارية لا تصل إليها أيدي عمال النظافة!!

المصيبة في هذا المشهد بالذات.. أنه يقع في محطة الرباط المدينة.. التي ربما أراد السي ربيع لخليع مدير عام المكتب الوطني للسكك الحديدية أن يجعل منها معلمة خالدة وباقية إلى يوم القيامة (!!!) ولذلك أقامها بالحديد والصلب فقط.. مع بعض ألواح الزجاج المسلح دونما حاجة إلى الإسمنت والحجارة.. فجاء الشكل الهندسي العام للمحطة المسكينة والثقيلة محكوما بكل أنواع وأشكال الزوايا الفولاذية الحادة.. وبدا ذلك بصورة تثير في الآن ذاته الدهشة والاشمئزاز.. خصوصاً عند المدخل الرئيسي للمحطة.. حيث انتصبت هامات فولاذية عملاقة يصعب وصفها بالأعمدة.. ويصعب بالتالي تحديد شكلها الهندسي لأنها بكل بساطة لا شكل لها ولا وجه ولا قسمات.. مجرد قضبان متشابكة تزن آلاف الأطنان من الحديد والفولاذ وليس أكثر.. وبلا أدنى قيمة جمالية يمكن أن تشفع للسي لخليع.. وكذا لوزير التجهيز والنقل.. الملايير التي أنفِقَت عليها دون أن يكتمل المشروع برمته.. والذي قيل إن غضبة ملكية أوقفت أشغال تكملته بسبب مظهره الخارجي المنفر.. بينما قال الوزير الوصي إن أخطاءً فنية هي التي كانت سبباً قي توقف الأشغال… والمؤسف أنها توقّفت إلى أجل غير مسمّى ليبقى المشروع محضَ “أطلال في المهد”.. ويصدق عليه القول: “مات قبل ولادته”!!
نحن الآن على بعد سنة أو أقلّ.. وإذا خَصَمْنا من المظروف الزمني المتبقّي آجالَ تسليم مفاتيح المباني والملاعب وكل المرافق الأخرى.. التي يُفترض أن تكون جاهزة لاستقبال الجماهير الكروية قبل انطلاق منافسات الدورة بثلاثة أشهر على الأقل.. لأن زوارا كثيرين.. كما هي العادة في كل التظاهرات المماثلة.. ينتهزون الفرصة لممارسة هواية السياحة الثقافية والترفيهية وفي الوقت ذاته حضور المباريات المبرمجة.. فإن هذا سيكون معناه أننا بعد نحو ثمانية أشهر أو أكثر قليلاً.. ينبغي أن نكون جاهزين لاستقبال ضيوفنا بما تستحقه بلادنا وهي ترنو إلى جعل هذه الدورة الكروية الإفريقية سيدة كل الدورات السابقة.. لأن أعين العالم ستكون منصبة عليها باعتبارها مقياساً أو بالأحرى اختباراً عملياً صعباً لمدى قدرة المغرب على الإبداع في احتضان حصته من نهائيات كأس العالم برسم سنة 2030 كما هو مُسَطّر.. في ظل تنافس شديد على الإبداع والإمتاع والإفحام والتألق.. بينه وبين إسبانيا والبرتغال.. العريقتين وصاحِبَتَيْ اليدِ الطولى في هذا المضمار.. دون أن ننسى أن دولة قطر الشقيقة قدمت دورة عالمية ليس لها نظيرٌ فَصَعَّبت بذلك مأموريةَ المغرب وشريكَتيْه الأوروبيتين!!
في نظري المتواضع.. فإن ثمانية أشهر أو حتى سنة.. لن تكفي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من محطة الرباط المدينة.. اللهم إلا إذا استُؤنِفت فيها الأشغال ليل نهار.. وبأربع فرق متناوبة من البنّائين والمبدعين في مجال الحدادة الحديثة.. مع العلم بأن ما أمكن تشييده من تلك المحطة حتى الآن قد طاله الصدأ والتلاشي منذ توقف الأشغال.. وصار كثيرٌ منه في حاجة إلى إعادة التشكيل والتكييف من جديد. هذا.. إذا أقرّت السلطات المعنية إكمال البناء بهندسته الحالية. اما إذا استقر الرأي على تغيير نمطه الهندسي فسنكون مضطرين إلى إقفال هذه المحطة وإلغاء استعمالها طيلة فترة دورة كأس الأمم الإفريقية والاكتفاء بمحطة الرباط أكدال.. على أساس العودة إليها بعد انتهاء الدورة للنظر فيما يتعين عمله حتى تصيرَ مؤهَّلةً لاستقبال الوافدين على دورة كأس العالم بعد أربع سنين إضافية ستكون.. والحالة تلك.. كافية لتغيير معالم المحطة بالكامل بعد أن استنزفت حتى الآن أموالا طائلة ربما تجاوزت 450 مليون درهم (45 مليار سنتيم) !!

ونعود إلى مَشاهدنا الثلاثة التعسة.. لنختم بالقول إن على وزارة الداخلية ومن ورائها رئاسة الحكومة.. أن تجتهدا في دفع الجماعات الحضرية إلى الإسراع في إعداد دفاتر تحملات لتفويت حقوق إنشاء مراحيض عمومية ملائمة لسمعتنا الضاربة في الآفاق.. لمستثميرن خواص قادرين على الإبداع والإمتاع في هذا المضمار.. بعد الإسراع في تحديد الأماكن الصالحة لاستقبال تلك المرافق الصحية. وإذا استطاعت تلك المجالس أن تجتهد في الترخيص في كل حاضرة كبرى بفتح ما لا يقل عن مائة مرحاض عمومي فسيح ومجهز أحسن تجهيز.. فستكون بذلك حاذقة بجدارة واستحقاق. أما الاعتماد على المرافق البلاستيكية المحمولة والمتنقلة فسيزيد الطين بلة بكل تأكيد.
على وسائل الإعلام والتواصل من جهتها.. أن تجتهد في الضغط بكل قواها.. وبلا هوادة.. لإذكاء النشاط الجماعي الحضري في هذا الاتجاه.. وعدم التواني قي فضح اي تقصير يمكن أن يطال هذا المشروع.. الحضاري بكل المعايير.. وفي مجموع حواضرنا الكبرى والمتوسطة.. التي ستكون قبلة لعشاق مختلف أنواع السياحة وفي طليعتها السياحتان الثقافية والرياضية.. دون نسيان تجهيز المجازر البلدية بسيارات صغرى تتوفر على ثلاجات لنقل اللحوم إلى جزاري المدن العتيقة.. لأن الوسائل البدائية المعمول بها حاليا تثير الغثيان. والمصيبة أن السياح يَرْقُبُهم المواطنون وهم يتندّرون ويلتقطون لتلك الفضيحة صوَراً لا ريب أنها انتشرت بالنت في كل بقاع المعمور…
يا أيها الوطن الحبيب إني قد بلّغتُ.. فاشهد !!!