اتحاد المغرب العربي.. مَن أقبر هذا الحلم؟ وهل هو عربيٌّ أساساً؟! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 24 غشت 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 24 غشت 2024 ع.ح.ي.
الآراء والأفكار المعبَّر عنها في هذا الباب لا تُلزِمُ هذه الجريدة
عرف اتحاد المغرب العربي ميلاده الرسمي عام 1989 بهدف توحيد الجهود للنهوض بالمنطقة المغاربية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، غير أن المشاكل التي أثارها النزاع المفتعل، الذي فبركته الجزائر بهدف تقسيم التراب المغربي وخلق كيان جديد فوق رقعته الجغرافية جنوباً أدّت إلى عرقلة مسيرته إلى إشعار آخر.
التأسيس والنشأة:
ظهرت فكرة الاتحاد المغاربي قبل موجة استقلال أغلب الدول العربية، وتبلورت في أول مؤتمر للأحزاب المغاربية عقد في مدينة طنجة بتاريخ 28-30 أبريل 1958 وضم ممثلين عن حزب الاستقلال المغربي، والحزب الدستوري التونسي، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية.
وبعد الاستقلال، كانت هناك محاولات تعاون وتكامل بين دول المغرب العربي، مثل إنشاء اللجنة الاستشارية للمغرب العربي عام 1964 لتنشيط الروابط الاقتصادية خصوصاً، وبيان جربة الوحدوي بين ليبيا وتونس عام 1974، ومعاهدة مستغانم بين ليبيا والجزائر، ثمّ معاهدة الإخاء والوفاق بين الجزائر وتونس وموريتانيا عام 1983.
وأخيرا كان اجتماع قادة المغرب العربي بمدينة زرالدة الجزائرية يوم 10 يونيو 1988، وصدر ما يسمّى ببيان زرالدة الذي أوضح رغبة القادة في إقامة الاتحاد المغاربي وتكوين لجنة تضبط وسائل تحقيق هذا المشروع.
وفي 17 فبراير 1989 أعلن بمدينة مراكش عن قيام “اتحاد المغرب العربي”، بهذا الإسم، من لدن خمس دول هي المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا.
الأهداف:
نصت معاهدة إنشاء الاتحاد المغاربي على الأهداف التالية:
* توثيق أواصر الأخوة التي تربط الأعضاء وشعوبهم بعضهم ببعض؛
* تحقيق تقدم ورفاهية مجتمعاتهم والدفاع عن حقوقها؛
* المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف؛
* انتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين؛
* العمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بين البلدان أعضاء الاتحاد.
وأشارت وثيقة المعاهدة إلى أن السياسة المشتركة للاتحاد تهدف إلى تحقيق الأغراض التالية:
– على الصعيد الدولي: تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار.
– على صعيد الدفاع: صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء.
– في المجال الاقتصادي: تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء واتخاذ ما يلزم من وسائل لهذه الغاية، خصوصا بإنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد.
– في الميدان الثقافي: إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم بجميع مستوياته، والحفاظ على القيم الروحية والخُلقية المستمدة من تعاليم الإسلام السمحة، وصيانة الهوية القومية العربية (يلاحظ في هذا البند هيمنة الفكر المشرقي “العربي” وصِيَغه الاتحادية المتتالية والفاشلة) واتخاذ ما يلزم من وسائل لبلوغ هذه الأهداف، خصوصا بتبادل الأساتذة والطلبة وإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية ومؤسسات متخصصة في البحث تكون مشتركة بين الدول الأعضاء.
لقد كان كل هذا جميلاً وواعداً ولكن، كيف يجوز لعاقل أن يتصوّر تحقيق مطلب “الاتحاد” بكل دلالات الكلمة، بينما أحد أعضاء هذا المشروع انطلق قبل الإعلان عنه بنحو اربعة عشر سنة في بذل الجهد والمال والسلاح والعتاد من أجل تقسيم جغرافية عضو مؤسس، هو المملكة المغربية، عن طريق إنشاء مسلسشيات مسلحة يمدها عضوان آخران هما جزائر الهواري بومدين وليبيا القذافي بالمال والسلاح، وبالتدريب والتأهيل، ثم الدفع بها لمهاجمة المغاربة فيما يشبه مسرحية درامية في غاية الرداءة ما زالت جزائر اليوم مقبلة عليها بكل قواها وممكناتها المالية والعسكرية الجبّارة، حتى بعد انسحاب ليبيا من هذه اللعبة الفجة قبيل سقوط رئيسها المتسلطن معمر القذافي وذهاب حكمه الفاشي إلى مهب الريح؟!
الإحصائيات المتداولة رسميا تقول إنّ النظام الجزائري أنفق طوال هذه المدة، التي تناهز نصف القرن، أكثر من حمسمائة مليار دولار، حتى أنّ الشعب الجزائري صار مضرب المثل في الفقر وقلة الحيلة بسبب هذا الإنفاق البالغ أقصى درجات السفه.
باختصار شديد: لا يجوز لمن يسعى إلى “التقسيم”، و”الانفصال”، أن يتحدث عن “الاتحاد”، فبالأحرى أن يكون طرفا في هذا الأخير.
مناسبة ذكر هذه المفارقة الغريبة، أنّ وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف، الذي ما زال يمارؤس مهامه بهذه الصفة، لم يجد من الحياء قدراً كافياً يجعله يعدل عن التصريح برغبته ورؤسائه بقصر الموراديا في “إحياء مشروع الاتحاد المغاربي”، حتى وهو ينصت بين الفينة والأخرى إلى مؤسسات الإعلام الجزائري الرسمية وهي تتباهى بما تسميه هجمات مرتزقة البوليساريو على الجدار الأمني المغربي بالصحراء المغربية وعلى الجنود المغاربة الآمنين خلف الجدار، وحتى وهو يسمع تصريح ميليشيات البوليساريو بمسؤوليتها عن إطلاق قذائف متفجرة على سكان الأحياء المدنية بحاضرة السمارا المغربية، فيما يُعتبر في نظر القانون الدولي عمليات إٍرهابية بكل المعايير!!
من المسؤول إذَنْ عن إقبار حلم اتحاد المغرب العربي؟ الذي ينبغي بالمناسبة أن يتغيّر اسمه ليصبح أكثر واقعية، كالقول بـ”اتحاد المغرب الكبير”، مادام معظم مكوناته تمتح من الهوية الأمازيغية، ومن إثنيات أخرى إفريقية ومتوسطية وأندلسية، فضلاً عن العنصر العربي، الذي من الأكيد أنه لا يتمتع بالأغلبية ن بين كل المكوِّنات الأخرى سالفة الإشارة؟
ونعود من جديد إلى السؤال الواضح والصريح والحارق:
“مَن المسؤول الحقيقي عن دفن الحلم المغاربي في مهده إن لم تكن جزائر الأمس واليوم دون غيرها“؟!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير (بتصرف) / مصدر صورة الواجهة: الجزيرة نت.