هل تجرؤ الجزائر وصنيعتها البوليساريو على إشعال حرب مفتوحة مع المغرب؟ (مغرب التغيير – الدار البيضاء 22 غشت 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 22 غشت 2023
يعتقد جل المتابعين لأحوال النزاع المغربي الجزائري، والذي لا تشكل البوليساريو فيه سوى “شخشيخة” أو دمية تتلاعب بها أيدي النظام العسكري الحاكم في الجارة الشرقية، أن هذه الأخيرة لن تجرؤ على الدخول في مواجهات عسكرية مفتوحة مع القوات المسلحة الملكية المغربية لأسباب جوهرية لا يختلف عليها اثنان:
السبب الأول: الظرفية الدولية الحالية، التي شهدت تغيرات جذرية في مواقف أغلب الدول العظمى لصالح الطرح المغربي، ولمقترح الحكم الذاتي التي تقدم به المغرب منذ سنة 2007 إلى المنتظم الدولي، وسعى بوسائله الدبلوماسية الحاذقة والحاسمة إلى تحقيق شبه إجماع عربي، وإفريقي، وأوروبي، وحتى داخل آسيا وأمريكا شمالاً ووسطاً وجنوباً، حول مصداقية مقترح الحكم الذاتي باعتباره حلاًّ سلميا واقعياً، والأكثر من ذلك، لأنه المقترح السلمي الوحيد المطروح على مائدة النقاش السياسي الدولي. وقد دعم هذا الموقف على الخصوص، الاعتراف الأمريكي الصريح والقانوني والرسمي بمغربية الصحراء.

السبب الثاني: لأن ميزان القوى، الاقتصادي والدبلوماسي انقلب لفائدة المغرب، ليس بالمقارنة مع التراجع الجزائري على هذه الأصعدة، بل أيضاً بالمقارنة مع قوى جهوية متوسطية أخرى، كإسبانيا، التي انضمت إلى الأطروحة المغربية فاعترفت بسيادة المغرب على كامل ترابه، بوصفها القوة الاستعمارية السابقة، المنسحبة من جنوب هذا التراب منذ سنة 1975 بمقتضى اتفاقية ثنائية لتصفية الاستعمار بالمنطقة، وكذا فرنسا، التي التزمت بمساندة الموقف المغربي في مجلس الأمن، رغم شطحات رئيسها الذي تخطى ضعفه السياسي والدبلوماسي كل الحدود، والذي يبدو الآن وأكثر من أي وقت مضى أقرب إلى الرضوخ لضغط الدبلوماسيا المغربية، وإلى الخروج بعد طول انتطار وتلكّؤ من المنطقة الرمادية، ولو أدى ذلك إلى المغامرة بسفن العلاقات الفرنسية الجزائرية، التي لا ترسو أبداً في أي مرفئٍ واضح وآمن.
السبب الثالث: لأن الأنظمة الصديقة التقليدية للنظام الجزائري، وفي طليعتها قوى كبرى كروسيا الاتحادية والصين وتركيا، تغيّرت مواقفها بعد نهاية زمن الإيديولوجيا الاشتراكية والشيوعية، والشعارات الثورية التحرّرية، لتحل محلها حسابات واقعية للربح والخسارة، تأخذ بعين الأولوية المصالح الحيوية لكل قطر من هذه الأقطار، وتضع التخطيط الإستراتيجي، والاقتصادي خاصةً، في مقدمة الأولويات، حتى أنها صارت جميعها تأخذ بمبدأ “رابح/رابح” الذي أبدع المغرب في استثماره قارياً وجهوياً وعالميا أيما إبداع، وصار يحصد ثماره على أكثر من صعيد.

السبب الرابع: أن من بين هؤلاء الأصداقاء التقليديين للنظام الجزائري توجد أنظمة شمولية أضطرتها التحولات الكبرى في النظام العالمي، سياسياً واقتصادياً، إلى التخلي عن عنترياتها القديمة، والحديث هنا عن إيران تحديداً، وعن بعض كبريات دول أمريكا اللاتينية، كالبرازيل والأرجنتين والبيرو والمكسيك، لتجد الجزائر نفسها معزولة كما لم تكن أبداً من قبل، ولتفقد حتى قدراتها “الإرشائية” التي كانت إلى وقت قريب تؤمن لها ولاء بعض “الرؤساء الكراكيز” في تلك المناطق من جنوب القارة الأمريكية، ومن إفريقيا. ولعل أبرز ظاهرة في هذا التراجع القاتل في المعسكر الجزائري، اتفاق الصلح الأخير بين السعودية وإيران، والذي من شأنه أن يكسر الشوكة الإيرانية الداعمة لنظام حكم المُراديا، فضلاً عن كسر شوكة النظام السوري بدوره، بجعله على استعداد للعودة إلى مائدة الجامعة العربية ولكن، من البوابة السعودية، بعد أن حرمت المملكةُ السعوديةُ النظامَ الجزائريَّ من تحقيق أي مبادرةٍ أو سَبْقٍ في هذا الاتجاه.
السبب الخامس: العزلة المتنامية للنظام الجزائري على كل الأصعدة بلا استثناء، اللهم إلاّ في مواقع تجمعه بأنظمة عديمة الوزن والقوة والذمة، مثل نظام جنوب إفريقيا، الذي نقل عن النظام الجزائري غدره للمغرب رغم ما قدمه للنظامين معا من الأموال والأسلحة والدعم اللوجستيكي أيام كفاحهما على التوالي ضد الأبرتهايد، وضد الإدارة الفرنسية، التي أنهت مغامرتها الشمال إفريقية بإصدار “مرسوم تأسيس” دولة لقيطة اسمها الجزائر، ما زالت تحمل ثقل أختام الجمهورية الخامسة وتركع بين الحين والآخر لسكان الإليزي حتى أن العالَم استلقى قبل أشهر على قفاه من الضحك وهو يرى وزيرا فرنسياً مغموراً يُلبس الفريق رئيس أركان الجيش الجزائري والحاكم الفعلي لبلاد الجزائر، السعيد شنقريحة، خوذة حارس أمن الجمهورية، ويا لها من إهانة لم يفطن إليها ذلك الجنرال الدموي، أو ربما فطن إليها ولكن سطوة سيده الفرنسي أخرسته ولجمت لسانه فأسلم رأسه الغليظ للوزير الفرنسي كي يضع عليه تلك الإهانة!!

والسبب السادس: ونشكّ أنه الأخير، لكون التوازن العسكري بالمنطقة، وبإفريقيا، وبالبحر الأبيض المتوسط، انقلبت مراكزُ الثِّقَل فيه لصالح القوات المسلحة المغربية، بمجرد دخول بنود اتفاق أبراهام الثلاثي بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حيّز التنفيذ، وتوارد إمدادات الدعم العسكري واللوجستيكي والتكنولوجي والأمني على الجيوش المغربية بوتيرة قياسية لم تلبث أن أثارت قلق وذعر إسبانيا نفسها، التي بدأت تلمس بالواضح ميل الولايات المتحدة إلى كفة المغرب باعتباره أفضل موقعاً من إسبانيا، لكونه يجمع مع موقعه الجيوإستراتيجي المتوسطي بُعداً إقريقياً لا تتمتع به المملكة الإيبيرية، والجميع يعلم في الظرفية الراهنة أن إفريقيا، شمالها وجنوبها وشرقها وغربها، هي مفتاح الأمن والأمان المستقبلييْن، لما تزخر به من الموارد الطبيعية والثروات المعدنية الباطنة والظاهرة، ومن ممكنات زراعية لا تتوفر في أي قارة أخرى من المعمور.
المسألة الآن مسألة وقت فقط، قبل أن يرضخ النظام الجزائري للأمر الواقع، إما بتحوّل السلطة فيه إلى ثلة جديدة تستطيع استدراك الأخطاء القاتلة السابقة والتي بدأت مع الرئيس الانقلابي بوخروبة، وإما بحراك شعبي يقلب النظام العسكري رأسا على عقب، في ظل “ربيع جزائري” طال انتظاره، ليس على صعيد البلد الجار الشرقي وحده، بل طال انتظاره على الصعيد المغاربي برمته، لأن انبعاث مشروع اتحاد المغرب الكبير لن يتأتّى إلا بذهاب تلك الطغمة من العساكر العجزة، الذين خرقوا كل بنود ذلك الاتحاد فأصابوه بالشلل، والذين تسير بذكر عجزهم وبلادتهم الركبان… والأيام بيننا!!!