المغرب والجزائر في الميزان: أي فوارق؟ وأي خصائص ومميِّزات؟ وهل تصح المقارنة أصلاً؟!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 25 غشت 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 25 غشت 2023
إن العلاقات المغربية الجزائرية، المتوترة من الجانب الجزائري دون سواه، ومحاولة النظام الجزائري وكل مؤسساته الصورية، وإعلامه المرتزق، إقحام نفسه في مقارنات عبثية وغير معقولة مع جاره المغربي على أكثر من صعيد، ودون إغفاله أي مجال من مجالات حياة الدولة والأمّة، كل هذا، يفرض على المرء أن يقف هنيهةً لطرح سؤال منطقي يفرض نفسه بإلحاح:
هل هناك فعلاً ما يمكن إخضاعه للمقارنة بين البلدبن الجارين، والدولتيْن، والشعبيْن، وهل هناك ما يمكن الخروج به من معطيات، أو بالأحرى من الدروس والعِبَر، في هذا النوع غير المتكافئ من المقارنات؟

يقول المناطقة “إن الشيءَ بالشيءِ يُذكَر”، ويقولون “لا مقارنة مع وجود الفارق”، كما يقولون “إن نافلة القول لا يليق بالعقل السديد أن يُعيد قولَها ما دامت مجردَ نافلةٍ لا تقدّم ولا تؤخِّر”!!
وبالرغم من هذه المقولات المنطقية، العقلانية، التي لا يختلف حولها اثنان، يجد المرء نفسه أحياناً مضطراً إلى إجراء نزرٍ يسيرٍ من المقارنة بين الجاريْن، الأخويْن اللذوذيْن، للنظر إلى أي حدّ يتجنّى الجزائريون، والمقصود نظامُهم وإعلامُهم بالتحديد، على منطق الأشياء في محاولاتهم المستميتة للربط بين أحوالهم وأحوال المغاربة، دولةً وأمّةً، ليس للتعرف على مَواطن ضعفهم وقوة جارهم الغربي، لأنهم مدركون تمام الإدراك لتلك المَواطن، وإنما في بحثهم الدائب عن إلباس إخفاقاتهم أردية المظلومية، وتعليقها على مشاجب المؤامرة، وتوجيه أصابع الاتهام للمغرب والمغاربة حتّى وهم يستقبلون جحافل الجراد في مطلع الموسم الفلاحي السابق، فيقول إعلامهم بلا أدنى ذرة حياء إنه جراد قادم من المغرب، وإنه من المحتمل أن يكون سلاحاً بيولوجيا موجَّهاً من لدن المغاربة عن قصدٍ، للإضرار بالمحاصيل الزراعية الجزائرية… وكأنّ الجزائر تتوفر فعلا على محاصيل زراعية من شأنها أن تثير غيرةَ المغاربة وحَسَدِهم، وهم الذين يعلمون حق العلم ما آلت إليه أحوال الزراعة في الجزائر منذ المسيرة “الكحلة”، التي طرد بومدين فيها أكثر من 350.000 مغربي ومغربية معظمهم من المزارعين، الذين كانوا هم أنفسهم مفخرة القطاع الفلاحي في جزائرَ لم يبق في أسواقها كمنتوجات زراعية محلية غير الزرودية (الجزر)، والقرنون (القوق والخرشوف)، والقارس (الليمون الحامض)… أمّا الباقي، كالبطاطس والبطاطا الحلوة والطماطم وغيرها، فهي عبارة عن سلع مهرّبة من الأراضي المغربية تحديداً، أو محوَّلة من المغرب إلى الجزائر عن طريق فرنسا ووسطائها الجَشِعين، ليتم بعد ذلك بيعها للمواطنين الجزائريين خلف الستائر، وبعد الالتفات يَمْنَةً ويَسْرَةً، وبأثمنة يشيب لها الوِلدان!!!
وبالعودة إلى مقارنتنا العجيبة، والعبثية هذه، ما الذي يمكن أن نسجّله غير ما سيلي؟:

– تستأثر الجزائر بقصب السبق في إنتاج الغاز وكميات مهمة من النفط، مغاربياً وإفريقيا، ولكنها عربيا مسبوقة ببلدان الخليج، التي استطاعت أن تطوّر بنياتها الأساسية وتتحول بفعل ثرواتها النفطية إلى قوة اقتراحية عالمية يُحسَب لها حسابُها في كل الأوساط بلا استثناء. بينما لا يتوفر المغرب إلى حدود الفترة الزمنية الراهنة والمحدودة، على نفس الوزن الجزائري في هذا الجانب، ولكنه يتوقّع أن يبِزَّ المرتبة التي ظلت الجزائر تستأثر بها طوال العقود الخمسة الماضية، بل أن يسحقها سحقاً بالنظر للتقديرات التي كشفت عنها شركات النفط البريطانية والأمريكية والهولندية والإسرائيلية، والتي أكّدت دراساتها بأن المغرب يطفو ترابه الوطني فوق آبار من الغاز والبترول تقدر احتياطاتها الدنيا بملايير الأمتار المكعبة، مقابل نفادٍ متوقَّعٍ للمخزون الجزائري في حدود السنين العشر المقبلة إن لم يتم اكتشاف احتياطيات جديدة. بل يتوقع الخبراء أن تتوقف الجزائر في حدود السنوات الخمس المقبلة عن تصدير إنتاجها من الغاز بسبب تزايد الطلب المحلي عليه، ولأنه بالكاد سيكفي لتغطية احتياجاتها الوطنية المتنامية إلى غاية نهاية العقود الثلاثة القادمة.
– لا تتوفر الجزائر على أي بنيات أساسية خارج ما تركته فرنسا وراءها منذ بدايات ستينات القرن الماضي، بمعنى أن النظام العسكري المستحوذ على السلطة بالجزائر، والذي اختطف الثورة الجزائرية منذ بداية الاستقلال، لم يفعل شيئا ولم يشيّد غير المزيد من القواعد العسكرية والثكنات، وكذلك السجون والمعتقلات، ولم يفعل سوى المزيد من تركيز الوجود الثقيل للأحذية العسكرية في كل دواليب السلطة ومؤسسات الدولة المُعَسْكَرَة، حتى إنّ المرء ليجد عسكرياً برتبة عقيد خلف كل مدير مسؤول عن مؤسسة تربوية وتعليمية، أو إعلامية، أو صحفية، أو إنتاجية في مختلف مجالات الإنتاج، الضئيل أصلاً، وكل ذلك، لكي لا يفكّر أحد في الدعوة لوقف عسكرة الدولة، وفي إعطاء الشعب كامل حقوقه المدنية وتمكينه لأول مرة في تاريخه من اختيار من يحكمه ويدبر شؤونه، موازاةً مع إعادة العساكر إلى ثكناتهم، وإقصار مهامهم على حماية الحدود، وصيانة حرمة المؤسسات المدنية عند الضرورة القصوى… كما تفعل الدول الراشدة في كافة بقاع العالم.
مقابل هذا الواقع الأسود، أمكن للمغرب أن يشيد السدود، والقناطر، وأن يُقيم المصانع الكبرى ذات الصيت العالمي، كوحدات إنتاج السيارات، التي تربعت على كرسي الريادة عربيا وإفريقيا، واحتلت مرتبة مميَّزةً بين الخمس الأوائل عالميا، والظاهر أنها على وشك الاستئثار بأولى المراتب رغم وجود أمريكا وروسيا والصين واليابان ضمن الكوكبة الأولى… ودخل المغرب من الباب الواسع عالم صناعة الطائرات وكذلك مجال الصناعات العسكرية والحربية…
والأعظم من ذلك، أن المغرب استأثر بتفوّق غير مسبوق على صعيد جلب أموال الاستثمارات الأجنبية، بما فيها الخليجية، المعتبَرَة عالمياً، وتدبير تقدّم وتطوُّر مستمريْن لقطاعه السياحي، فضلاً عن سيره الحثيث في كسب الريادة عالمياً في مجال الصناعات التكنولوجية الدقيقة والمستقبلية، من قَبيل إنتاج رقائق الهواتف الذكية، وبطاريات الأجهزة العلمية الأكثر تعقيداً، كالمستعملة في التطبيب والعلاج، وفي ميادين الأبحاث الفضائية والفيزيائية والبيولولوجية، وكل هذه صناعات مغربية مائة في المائة… وهذه المجالات لا نصيب للجزائر فيها من قريب ولا من بعيد… فأي مقارنة هذه؟!!
نكتفي بهذا القدر اليسير، لأن الاستمرار في هذه المقارنة سيكون أشبه بعملية جلدٍ لن تكون ضحيتها إلا الجزائر دولةً، ومؤسساتٍ، وشعباً يبدو، بشهادة أبنائه من المعارضين الأحرار، أنه وقع اغتصابه فكرياً منذ أولى سنوات التربية والتعليم، بواسطة مناهج دراسية تحوّل المغرب والمغاربة في لا وعيه إلى العدو التاريخي، الكلاسيكي، الذي تجبُ محاربتُه بكل الوسائل الممكنة والمحتملة، وحتى بدون أدنى وسائل معقولة، كما يفعل النظام العسكري الجزائري منذ خمسين سنة ونيّف، دون أن يحقق من ذلك أي نتيجة تستحق الإشارة!!!