صناعة السيارات في المغرب: أين وصلت؟ وما وزنها الاقتصادي والمالي؟ (مغرب التغيير – الدار البيضاء 26 غشت 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 26 غشت 2023
قد يتخيّل المرء أن صناعة السيارات بالمملكة المغربية تخضع لنوع من البروباكاندا يرمي إلى وضعها في مصاف الدول المتقدمة في هذا المضمار، كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وألمانيا واليابان والهند وكوريا الجنوبية، وكفرنسا التي تراجعت كثيراً… غير أننا بمراجعة يسيرة وسريعة للأرقام الرسمية المعلن عنها من لدن السلطة المختصة والمعنية، وهي إحصاءات خاضعة لمراقبة دولية صارمة، وعلى الخصوص من لدن البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، اللذان يتحدد على ضوء دراساتهما وتحرياتهما وتقاريرهما الموقع الفعلي لأي اقتصاد ولأيّ بلد فوق خريطة الاقتصاد العالمي، نجد أن واقع هذه الصناعة في غاية الحركية والتطوّر، ويؤكد فعلاً بأن المغرب يسير بخطا حثيثة نحو الاستئثار بأرقى المراتب في هذا المجال تحديداً، ولِمَ لا يطمح إلى إحدى المراتب الثلاث الأولى وقد صار قاب قوسين، أو أدنى، من تحصيلها بفضل عوامل بالغة الجلاء منها على الخصوص:

– التنامي المستمر لحجم الاستثمارات الأجنبية التي اختار أصحابُها المغربَ لأسباب كثيرة من بينها استقراره السياسي والاجتماعي، لأنّ رؤوس الأموال الاستثمارية لا تغامر بالاستيطان في بلدان لا تتوفر فيها أدنى شروط الاستقرار، زيادة على قانون الاستثمار المغربي، الذي يتضمن حوافز من شأنها أن تُسيلَ لُعاب أكثر المستثمرين شوفينيةً؛
– إقرار المغرب لخيار التصنيع بشرطيْه الأساسييْن: الجودة العالية، والكمّ العابر للآفاق، واعتماده في هذا القطاع الصناعي خُططاً واقعية تنتقل به تدريجياً من مجال “التصنيع” إلى فضاء “الصناعة” المتكاملة، إذ بعد أن كان المغرب مكتفياً بوظائف تركيب هياكل السيارات الأجنبية على محركاتها المستوردة بالكامل، صار يمتلك القدرة على صناعة المحركات محلياً، بحيث أصبح جل أنواع السيارات المنتَجَة فوق التراب المغربي تصل نسبة الإنجاز المغربي الصافي فيها إلى ما يفوق الثمانين بالمائة، بل صار بعضها يصل إنتاجه محلياً إلى مائة بالمائة، مكرِّساً بذلك صناعة وطنية من ألفها إلى يائها؛
– الانتقال التدريجي لصناعة السيارات بالمغرب إلى اقتراح نوعيْن مدنييْن على الأقل، مغربييْن تصميما وإنجازاً، كما هو الشأن بالنسبة للسيارة المغربية الكهربائية، التي تم إخراجها إلى العلن قبل شهور معدودة، وكذا السيارة الهيدروجينية، التي ظهرت في نفس الفترة، ونفس الموعد، فضلاً عن سيارة عسكرية مدرعة من صنع مغربي مائة في المائة، مما يجعل المغرب صانعاً للسيارات، وليس مجرد مركّب لأجزائها أو منتج لها فحسب؛

– إعطاء الانطلاقة لدعم واسع لصناعة قطع الغيار، التي أصبحت شركات إنتاج السيارات الأوروبية والعالمية تفضّل أن تقتنيها من المصانع المغربية، بينما شكّلتْ العاملَ الأهم في تسريع عجلة التطور في هذا الباب، جودةُ تكوين وتأهيل المهندسين والعمال الممارسين، وانخفاض حجم الأجور، وبالتالي انخفاض كلفة الإنتاج داخل التراب المغربي، مما يحقق قدرة تنافسية قيّمة للمنتجات المغربية في مجال قطع الغيار، المتميّز برحابته وتعدّد وتنوع “ماركاته” وتوسّع أسواقه بلا هوادة؛
– غياب أي تنافس قوي وشديد على المستويين العربي والإفريقي، وكذلك المتوسطي، وخاصة في السنين العشر الأخيرة، مما جعل صناعة السيارات في المغرب تتخطى بكل سهولة نظيرتيْها في كل من جمهورية جنوب إفريقيا وجمهورية مصر العربية، اللتان كانتا تستأثران بقصب السبق في هذا القطاع في أواخر القرن الماضي وبدايات القرن الراهن، في حين أن بلدان الاتحاد الأوروبي صارت تفضل اقتناء حاجياتها المتزايدة من هذه الصناعات لدى وحدات الإنتاج المغربية، بعد أن عقدت مع المغرب شراكات نقلت بموجبها مصانع كبريات شركاتها إلى هذا الأخير، كما هو الشأن بالنسبة لشركتيْ “رونو” و”بيجو” وغيرهما.
وبالرجوع للإحصائيات الرسمية المعلن عنها خلال السنتين الماضيتين (2021 و2022) يتبين للتتبع ما يلي:
فحسب وزارة الصناعة، بلغت صادرات صناعة السيارات بالمغرب في سنة 2021 ما مجموعه 83.78 مليار درهم (حوالي 8 مليارات دولار) وذلك بزيادة جد معتبَرة بنسبة 15% مقارنة بسنة 2020، فيما تخطت مداخيل هذه الصناعة عند نهاية سنة 2022 100 مليار درهم (حوالي 9 مليارات دولار) بنسبة زيادة مستقرة، فضلاً عن تمكّن هذا القطاع من توفير أزيد من 190 ألف منصب شغل قابل للتنامي باستمرار.