المحكمة الدستورية ودورها في كفالة دستورية القوانين وتراتبيتها 2/2 (مغرب التغيير – الدار البيضاء 2 أكتوبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 2 أكتوبر 2023 (تابع)
بالرغم من نص الفقرة 3 من الفصل 6 من الدستور علي أنه “تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها… مبادئ ملزمة”، وذلك ضمن الأحكام العامة التي نص عليها الدستور في بابه الأول. إلا أن المحكمة الدستورية- ومن قبل الغرفة الدستورية والمجلس الدستوري- لا تمارس اختصاصها حتى لكفالة المبدأ الدستوري الملزم المكرس لدستورية القواعد القانونية وتراتيبها إلا في حدود “الإختصاصات المسندة إليها بفصول الدستور، وبأحكام القوانين التنظيمية عملا بالفصل 132 من الدستور”. أما خارجها فإن “الملك …يسهر على احترام الدستور”عملا بالفصل 42 منه، والذي أسند إليه فضلا عن ذلك، السهر على “ّ… حسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة”. دون بيان كيفية اللجوء إلى الملك للسهر على احترام الدستور خارج اختصاص المحكمة الدستورية.
الفصل الثاني:
المراقبة البعدية للمحكمة الدستورية لكفالة دستورية القوانين وتراتبيتها
المراقبة البعدية للقضاء الدستوري لكفالة دستورية القوانين وتراتبيتها لم تفتح – في الدساتير المغربية المتعاقبة وكرسها دستور 2011.7.1 – إلا بخصوص مكنة تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم بعد موافقة القضاء الدستوري المغربي (الغرفة الدستورية – المجلس الدستوري – المحكمة الدستورية) إذا كان مضمونها يدخل في مجال السلطة التنظيمية التي تمارسها الحكومة (السلطة التنفيذية). وبجانب هذه المكنة التي كرسها دستور 1/7/2011 في الفصل 73 منه؛ فتح هذا الدستور مكنة أخرى جديدة تضمنها الفصل 133 منه بالنص على أن: “تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور”.
أولا- مكنة تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل
بمرسوم – بعد موافقة المحكمة الدستورية- إذا كان مضمونها
يدخل في مجال السلطة التنظيمية:
بالرغم من قدم التمييز بين المجال الخاص للقانون (التشريع) بالمفهوم الحصري المعقلن. ومجال الضوابط التنظيمية العامة بمراسيم أو مقررات إدارية عامة حيث يرمز – عند الإصدار والنشر- للمجال الأول برقم (1) وللمجال الثاني برقم (2)، بجانب سنة وضع مشروعه، ورقمه. فلأسباب مختلفة جعلت عدة منظومات قانونية تتضمن قواعد من المجال الخاص للقانون “التشريع” وبجانبها قواعد ضبط تنظيمية عامة ضمن منظومة قانونية واحدة. كما أن الدساتير – ومن قبل التقاليد الدستورية – كانت تسمح للسلطة المختصة بالتشريع بممارسة سلطة التنظيم بمثل ما تفوض السلطة التنظيمية بتشريع في مجال أو وقت معين. وإذا كان دستور 1/7/2011 قد حد من ذلك. فان المنظومات القانونية النافذة تطفح بقواعد من مجال التشريع بجانب قواعد من مجال الضبط التنظيمية. لذلك نصت الدساتير المتعاقبة على مكنة تعديل القواعد القانونية الواردة في شكل نصوص تشريعية من حيث الشكل بمرسوم تنظيمي؛ إذا كان مضمونها لا يدخل في مجال التشريع وإنما في مجال سلطة الضبط التنظيمية. وذلك بمباركة من القضاء الدستوري (الغرفة الدستورية ثم المجلس الدستوري ثم المحكمة الدستورية).
وبالرغم من عقلنة الدساتير المتعاقبة للمجال التشريعي (القانون بالمفهوم الضيق) بشكل حصري مع اطراد توسع مجاله وإسناد اختصاص وضعه -أساسا- للبرلمان (السلطة التشريعية). فان مكنه التفويض في بعض مجالاته للحكومة )السلطة التنفيذية التنظيمية) تبقى قائمة. بجانب مجالات خاصة بظهائر ملكية بمثل ما احتفظ للملك بإصدار ظهائر ملكية توقع بالعطف من طرف رئيس الحكومة )الفقرة 4 من الفصل 42 من الدستور تقضي بأن “توقع الظهائر بالعطف من قبل رئيس الحكومة.ماعدا تلك المنصوص عليها في الفصول 41 و 44/2 و 47/1/6 و 51/5 و 59 و 130/1 و 174 “). بمعنى أن الظهائر التي لا توقع بالعطف من طرف رئيس الحكومة تسمو على القانون، و تسمو على مقررات المجال التنظيمي التي تصدر أساسا من طرف رئيس الحكومة (أو أعضائها) أو توقع بالعطف من طرفه.
وضرورة تكريس مكنة تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم – بعد موافقة المحكمة الدستورية – إذا كان مضمونها يدخل في مجال السلطة التنظيمية: لئن كانت تمليه ما تطفح به مدونات قانونية من نصوص تهم المجال التنظيمي، وتهدف إلى فرز المقتضيات التنظيمية عن المقتضيات التشريعية من المدونات القانونية. وهي حالة مستمرة باستمرار تواجد هذه الظاهرة. فان الحكومة – وهي تعتمد على أغلبية برلمانية – قد تتعمد استصدار نصوص تدخل في المجال التنظيمي، مدمجة بنصوص تدخل في المجال التشريعي؛ لأغراض عديدة في مقدمتها ضمان تحصينها من دعوى الإلغاء أمام القضاء الإداري؛ فيما لو صدرت عن السلطة الحكومية المسند إليها المجال التنظيمي (إدارة المرافق العمومية). وهكذا فإنه في الأحوال التي تصدر عن البرلمان نصوص تأخذ اسم قانون؛ لرئيس الحكومة – بعد ذلك – أن يستصدر من المحكمة الدستورية قرارا بأن مضمون تلك النصوص يدخل باعتبار طبيعتها التنظيمية من اختصاص السلطة التنظيمية التي تمارسها الحكومة. ليتأتى له تعديلها بمرسوم.
ثانيا- نظر المحكمة الدستورية في دفع متقاض
بعدم دستورية قانون سيطبق في نزاع منشور أمام القضاء:
من مستحدثات دستور 1/7/2011 ما نص عليه الفصل 133 منه أن:”تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون.أثير أثناء النظر في قضية . وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في نزاع يمس بالحقوق أو بالحريات التي يضمنها الدستور” و “يحدد قانون تنظيمي شروط و إجراءات تطبيق هذا الفصل “.والى أن يصدر القانون التنظيمي المحدد لشروط و لإجراءات تطبيق هذا الفصل، بقصد تفعيله؛ ينبغي إثارة ما يلي :
-حصر اختصاص المحكمة الدستورية للنظر في دفع متقاض بعدم دستورية قانون سيطبق في نزاع منشور أمام قضاء غير إداري وغير زجري.
-تقدير جدية الدفع المثار من متقاض بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بحق أو حرية يكفلها الدستور .
-مراعاة مسطرة قضائية شبيهة بالمسطرة المرعية في فحص الشرعية أمام القضاء الإداري.
أ-حول حصر اختصاص المحكمة الدستورية للنظر في دفع متقاض بعدم دستورية قانون سيطبق في نزاع منشور أمام قضاء غير إداري وغير زجري:
إن السند في تقييد اختصاص المحكمة الدستورية للنظر في دفع متقاض بعدم دستورية قانون سيطبق في نزاع منشور أمام القضاء غير الإداري و غير الزجري يستحضر مما يلي:
1- بخصوص القضاء الإداري:
من أولى وظائف القضاء الإداري مراقبة شرعية المقررات الإدارية : سواء المقررات العامة التنظيمية، أو المقررات الخاصة الفردية.و ذلك عن طريق ما أصطلح عليه بدعوى الإلغاء. (المواد 8 و 9 و 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية ) أو عن طريق ما أصطلح عليه بدعوى فحص الشرعية ( المادتان 8 و 44 من نفس القانون ). وتكون المقررات الإدارية معرضة للإلغاء أو للتصريح بعدم شرعيتها : إذا صدرت من جهة غير مختصة، أو معيبة شكلا، أو لغاية غير المصلحة العامة (الانحراف في استعمال السلطة )، أو مخالفة للقانون الموضوعي ( المادة 20 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية).
وبخصوص عيب مخالفة القانون يتجسد هذا العيب في محل أو موضوع المقرر الإداري. ويقصد به عدم احترام القواعد القانونية الموضوعية. ولا يقصد بالقانون هنا معناه الضيق (التشريع)؛ وإنما يراد به معناه الواسع المرادف لمبدأ المشروعية وما ينطوي عليه ذلك المبدأ من قواعد قانونية مختلفة ومتدرجة في قوتها : فيشمل القواعد الدستورية، و القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية،
والمراسيم بقوانين، ومختلف المعاهدات المصادق عليها النافذة، و قوة الشيء المقضى به، والقواعد الضبطية العامة (المقررات الإدارية التنظيمية ) الصادرة عن السلطة التنظيمية ( الحكومة )، والمبادئ العامة التي تحكم المرافق العامة، و الأعراف الإدارية المضطردة.
ومن تطبيقات القضاء بالإلغاء للمساس بحق أو حرية يكفلها الدستور : قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى 127 الصادر في 11 يوليوز 1985 المتضمن : ” بناء على الفصل 9 من الدستور لسنة 1972 الذي نص على حرية التجول و على أنه لا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحرية إلا بمقتضى القانون .
و حيث إن أمر الحصول على بطاقة جواز سفر، هو حق ممنوح لكل مواطن ولا يمكن أن يحرم من ذلك إلا عند وجود نص قانوني يمنع ذلك . وحيث إن عامل إقليم طنجة عندما رفض طلب الطاعن الرامي إلى تجديد جواز السفر أو تسليمه جوازا جديدا، بالرغم من عدم وجود مانع قانوني يحول دون ذلك، يكون حينئذ قد اشتط في سلطته، وبالتالي فإن قراره المطعون فيه مستوجب الإلغاء” = المجلة المغربية للقانون.عدد 4. سنة 1986.ص 222=. وقد كرس القضاء الإداري ذلك في عدة أحكام و قرارات : منها؛ قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى 373 الصادر في 12 دجنبر 1991 في الملف 1211 .90. و حكم المحكمة الإدارية بالرباط 99 الصادر في 13 أبريل 1995 = المحاماة .عدد 39. سنة 1996 . ص 138 = و حكمها 266 الصادر في 28شتنبر 1995 = م .م. إ. م .ت. عدد 17 سنة 1996 ص 133 = و حكمها 533 الصادر في 17 يونيو 1997 بالملف 51 .97 غ . و حكم المحكمة الإدارية بمكناس 43الصادر في 26 شتنبر 1966= م.م.إ.م.ت. عدد 18 سنة 1997 ص 207 = وحكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء 253 الصادر في مايو 2001 = مجلة المحاكم المغربية.عدد 98 ص 225= و حكم المحكمة الإدارية بأكادير 969 الصادر في 20 يونيو 1996 المتضمن ” أن استيلاء الدولة و المؤسسات العمومية على أملاك الغير دون احترامها لمقتضيات القانون 81/7 يتناقض مع حق الملكية المضمون و المحمي دستوريا و الذي لا يمكن الحد من مداه و استعماله إلا بمقتضى القانون ” = م .م .إ.م.ت. عدد 17. سنة 1996 ص. 165 =.
– واختصاص القضاء الإداري في البت في طلبات إلغاء المقررات الإدارية لعدم شرعيتها مسند ابتدائيا و انتهائيا للغرفة الإدارية لدى محكمة النقض ( المجلس الأعلى سابقا) بخصوص طلبات الإلغاء المتعلقة بالمقررات التنظيمية. و كذا الفر دية الصادرة عن رئيس الحكومة؛ وبمقررات السلطات الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية ( عملا بالمادة 9 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية ). ومسند ابتدائيا للمحاكم الإدارية – مع إمكانية الطعن في أحكامها لدى محكمة الاستئناف الإدارية – فيما عدا ذلك ( بمقتضى المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية بخصوص الاختصاص الابتدائي للمحاكم الإدارية. و بمقتضى المادة 9 من القانون المحدث لمحاكم استئناف إدارية بخصوص الاستئناف).
– و اختصاص القضاء الإداري في النظر في شرعية المقررات الإدارية – سواء كدعوى أصلية أو كدفع عارض – تنظمه أحكام المادتين 8 و 44 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية . فبعدما تقرر المادة 8 كمبدأ عام “اختصاص القضاء الإداري بفحص شرعية المقررات” موزعا بين الغرفة الإدارية و المحاكم الإدارية.تقيد ذلك” بالشروط المنصوص عليها في المادة 44 من نفس القانون” و بمقتضاها : “إذا كان الحكم في قضية معروضة على محكمة عادية – غير زجرية – متوقف على تقدير شرعية مقرر إداري وكان النزاع في شرعية المقرر جديا يجب على المحكمة المثار أمامها أن تؤجل الحكم في القضية و تحيل تقدير شرعية المقرر الإداري لحل النزاع على المحكمة الإدارية أو المجلس الأعلى (محكمة النقض) بحسب اختصاص كل من هاتين الجهتين القضائيتين كما هو محدد في المادتين 8 و 9 أعلاه ويترتب على الإحالة رفع المسألة العارضة بقوة القانون إلى الجهة القضائية المحال إليها البت فيها”.
ويستشف من ذلك أن اختصاص القضاء الإداري في النظر في شرعية المقررات الإدارية – سواء كدعوى أصلية أو كدفع – موزع – كما هو الشأن بالنسبة لاختصاص القضاء الإداري في طلبات إلغاء المقررات الإدارية لعدم شرعيتها – بين الغرفة الإدارية لمحكمة النقض ( المجلس الأعلى سابقا) عندما يتعلق الامر بمقرر لرئيس الحكومة أو بمقرر إداري يتعدى نطاق تنفيذه دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية . وبين المحاكم الإدارية فيما عدا ذلك .
2- بخصوص القضاء الجنائي
-قبل إحداث المحاكم الإدارية قررت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (محكمة النقض) في قرارها الصادر في 21 نونبر 1969 بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية و مدير جريدة LE PETIT MAROC أن ” تقدير شرعية القرارات الإدارية لا تكون ممكنة إلا في إطار الفقرة 11 من الفصل 608 من القانون الجنائي التي تنص على أنه : ( يتعرض للعقاب كل من خالف مرسوما أو قرارا صدر عن السلطة الإدارية بصفة قانونية). و ليس للقاضي الزجري أن يتولى تقدير مشروعية مراسيم و قرارات اتخذت بشان مواد خارجة عن نطاق المخالفات و لا تدخل في مشمولات الفصل 609 في بنده 11 من القانون الجنائي . وأن الوثيقة التي تقدم بها (إيف ماص) الى المحكمة مقرر إداري يتضمن تدبيرا فرديا لا يدخل ضمن المراسيم و المقررات التي نص عليها الفصل المشار إليه. فإن قضاة الإستيناف بتوليهم تقدير مشروعيته قد تجاوزوا حدود سلطتهم وعرضوا بذلك حكمهم للنقض”.
وهذا التوجه هو ما ذهبت إليه من قبل محكمة التنازع الفرنسية في قرارها الصادر في 5/7/1951 عندما اعتبرت ” أن القاضي الجنائي لا يملك الولاية العامة في الاختصاص إلا إزاء المقررات التنظيمية وحدها و ليس له أي اختصاص فيما يتعلق بالمقررات الفردية”.
لكن القانون الجنائي الفرنسي النافذ في فبراير 1994 نص في الفقرة 5 من الفصل 111 منه على أن : ” المحاكم الزجرية مختصة بتفسير المقررات الإدارية التنظيمية و الفردية وتقدير شرعيتها عندما يكون البت في الخصومة الجنائية المعروضة عليها رهين بهذا الفحص”
– وبعد إحداث المحاكم الإدارية بالمغرب أعطت الفقرة الثانية من الفصل 44 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية : ” للجهات القضائية الزجرية كامل الولاية لتقدير شرعية أي مقرر إداري وقع التمسك به أمامها باعتباره أساس المتابعة أو وسيلة من وسائل الدفاع”.
ويبرر موريس بورجول هذا التوجه بالقول : “إن قبول فحص شرعية المقررات الإدارية التنظيمية من طرف القاضي الزجري يكمن في مصلحة المجتمع التي تستوجب سرعة البت، و مصلحة المتهم التي تستوجب أن لا يتم الحكم عليه بمقتضى نص غير مشروع “. و هو نفسه ما ذهب إليه مونكستاني بقوله :” إذا أعطينا لمبدأ فصل السلط معناه الحقيقي؛ الذي يجب أن يعطى له كمبدأ لتوزيع الاختصاص؛ فإن منح المحكمة القضائية تلك الصلاحية المرتبطة تشكل اعتداء على ذلك المبدأ. خاصة إذا نظر لا للمصلحة المرتبط بها المتقاضى من خلال سرعة البت في القضايا و الإلمام بالأسباب الممكنة للحكم “=انور الشقروني. دراسة جامعية=.
ومن تطبيقات ذلك: حكم المحكمة الابتدائية بالرباط في 16 مايو 2001 في الملف 7334/01 تضمن : متابعة أضناء بتهمة تنظيم مظاهرة في الطريق العام غير مرخص بها وبالإخلال بالأمن العمومي. وأثار دفاع المتهمين عدم شرعية قرار والي الرباط برفض تنظيم مظاهرة رغم المطالبة بالترخيص بها طبقا للقانون. لكن المحكمة قضت بشرعية القرار أساس المتابعة. و أدانت المتابعين بتنظيم مظاهرة غير مرخص بها. تأسيسا على الفصل 146 من القانون الجنائي.
ب-حول تقدير جدية الدفع المثار من أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق أو بالحريات التي يضمنها الدستور:
قياسا على ما تشترطه الفقرة 1 من المادة 44 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية لتوقف النزاع المعروض على محكمة عادية -غير زجرية- على تقدير شرعية مقرر إداري على جدية النزاع في شرعية المقرر للإحالة على القضاء الإداري ( المحكمة الإدارية أو الغرفة الإدارية لمحكمة النقض ). و توقيف الحكم في القضية المعروضة على المحكمة الإدارية .يتعين عندما يثار أثناء النظر في قضية أمام المحكمة العادية -غير الإدارية و غير الزجرية- دفع من أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق أو بالحريات التي يضمنها الدستور؛ أن تتأكد المحكمة العادية (غير الإدارية و غير الزجرية) قبل تقرير الإحالة على المحكمة الدستورية، و إرجاء البت في القضية. أن النزاع المعروض عليها متوقف البت فيه على البت في دستورية قانون، وان المنازعة في عدم دستورية ذلك القانون جدية. أما إذا كانت القضية المعروضة على المحكمة العادية لا يتوقف البت فيها على النص القانوني المنازع في دستوريته عن طريق الدفع بعدم دستوريته. أو كانت هذه المنازعة غير جدية : كما لو سبق للمحكمة الدستورية أن أخضعته لرقابتها القبلية وصرحت بدستوريته، أو انصبت المنازعة على المجال المعياري لا على الحقوق أو الحريات التي يكفلها الدستور. فان المحكمة العادية تصرف النظر على هذا الدفع و تفصل في الموضوع . ويستحسن أن يكون قرار المحكمة العادية بإيقاف البت في القضية وبإحالة الدفع بعدم دستورية قانون مثارا أمامها. وصرف النظر عن هذا الدفع غير قابل لأي طعن على وجه الانفراد. وإنما لمثيره تجديد إثارته بمناسبة الطعن في الحكم الفاصل في موضوع القضية. حتى لا يتخذ من مكنة الدفع بعدم دستورية قانون وسيلة للمماطلة والتأخير.
ج- حول مراعاة مسطرة قضائية شبيهة بالمسطرة المرعية في فحص الشرعية أمام القضاء الإداري:
لئن كانت مراجعة المحكمة الدستورية – على غرار مراجعة المجلس الدستوري بفرنسا و في حدوده – سادتها الأصول السرية : »الصمت هو القاعدة الذهبية وواجب مسلك حكماء المجلس الدستوري،لا شيء ينضح إلى الخارج، السرية فيما يتعلق باسم المقرر، السرية حول معنى التقرير، السرية بما يتعلق بسير المناقشات، السرية أخيرا حول توزع الأصوات” = بذلك لخص دومبينيك روسو وضعية المجلس الدستوري الفرنسي= وأن اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان كانت قد اعتبرت في رأى لها سنة 1979: أن علنية الجلسات أو بشكل أدق تطبيق الفقرة الأخيرة من المادة السادسة من إتفاقية حقوق الإنسان المكرسة لمبدأ التواجهية غير ملزم للمجالس الدستورية!
لكن التقرير الذي وضعته اللجنة الأوربية في 24 يناير 1992، و القرار الصادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 23 يونيو 1993 يبينان إلى حد كبير حصر قابلية تطبيق مبدأ التواجهية على الأصول الإجرائية بشأن الدفع الذي يثيره متقاض – كدفع أولى- بعدم دستورية قانون سيطبق في نزاع معروض على القضاء بدعوى تعارضه مع مقتضى دستوري متعلق بالحقوق الأساسية.
لذلك فانه بخصوص نظر المحكمة الدستورية في دفع متقاض بعدم دستورية قانون سيطبق في نزاع معروض على القضاء العادي -غير الإداري و غير الزجري- ينبغي أن يكون في مسطرة تواجهية. على غرار نظر الغرفة الإدارية في فحص مشروعية مقرر إداري صادر عن رئيس الحكومة أو يستدعي نطاق تنفيذه دائرة محكمة إدارية متوقف على البت فيه نزاع معروض أمام القضاء العادي (غير الزجري) أو القضاء الإداري الشامل. و على غرار التحقيق في الطعون في صحة انتخاب أعضاء البرلمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: أرشيف “مغرب التغيير”.