إضاءات قانونية
أخر الأخبار

علم الجريمة أو “الكريمينولوجيا”: التعريف الاصطلاحي والقانوني والاجتماعي للجريمة (مغرب التغيير – الدار البيضاء 15 غشت 2023)

 مغرب التغيير – الدار البيضاء 15 غشت 2023

التعريف الاصطلاحي:

هناك تعار يف عديدة لعلم الجريمة تقاربت وتباعدت أحياناً، والسبب في ذلك يعود إلى انتماء باحثي علم الجريمة إلى العديد من التخصصات العلمية مثل علم النفس، وعلم الاجتماع، وفقه القانون، وعلم الأمراض العقلية… الخ.

وقد عُرّف علم الجريمة Criminology بأنه ذلك الفرع من العلوم الجنائية الذي يبحث في “الجريمة” بوصفها ظاهرة في حياة الفرد والمجتمع، لتحديد العوامل والملابسات التي أدت إلى ارتكابها.

وعُرّف أيضاً بأنه “العلم الذي يحدد ويفصل بين مختلف عناصر الشخصية التي تميز بين المجرم وغير المجرم، ويهتم في جميع فروعه وتخصصاته بالفئة الأولى، مقارناً إياها على الدوام بالفئة الثانية، محاولاً فهم العوامل والظروف عامة، والاجتماعية منها خاصة، التي تؤدي أو تساعد على قيام الاختلاف بين الفئتين.

كذلك عرّف بأنه “دراسة الجريمة بوصفها ظاهرة فردية واجتماعية، ودراسة أسبابها والوقاية منها”.

وهناك تعريف يشير إلى أن علم الجريمة كعلم يتناول بالتحليل والدراسة، الظاهرة الإجرامية بوصفها ترافق المجتمع الإنساني، والعوامل التي تهيئ الإنسان أو تدفعه نحو الجريمة، بغية إيجاد سبل العلاج والوقاية اللازمة للحيلولة دون إقدام الإنسان على الإضرار بالمجتمع من خلال السلوك الإجرامي الانحرافي.

م. هنداوي

وقال البعض: إن علم الجريمة هو”الدراسة العلمية للجريمة والمجرم، فيدرس ظاهرة الجريمة والظواهر المرتبطة بها، كما يدرس طبيعة المجرمين وخصائصهم وأوجه نشاطهم وبيئتهم.”

وعرّفه آخرون بأنه”العلم الذي يبحث في تفسير السلوك العدواني الضار بالمجتمع وفي مقاومته عن طريق إرجاعه إلى عوامله الحقيقية” أو هو “العلم الذي يشمل جميع الأبحاث والدراسات المتعلقة بالجريمة والمجرم والبيئة وأسباب الإجرام والوقاية منها وقمعها”.

وقد أُدرج موضوع “تعريف علم الجريمة” في جدول أعمال المؤتمر الثاني للإجرام المنعقد في باريس سنة “1950” وصادق على تعريف مفاده “أن علم الجريمة هو الدراسة العلمية  لظاهرة الجريمة.. وأن موضوعه دراسة الظاهرة الإجرامية وسبل علاجها”.

يتضح من التعاريف السابقة أن علم الجريمة يبحث في الجريمة بكونها “ظاهرة اجتماعية” لها وجودها الحتمي في كل مجتمع وفي كل زمان ومكان، سعياً إلى تفسيرها، وتحديد العوامل التي أدت إلى ارتكابها، سواء كانت عوامل فردية كامنة في شخصية المجرم بجوانبها الجسمية أو النفسية أو العقلية، أم عوامل بيئية اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية متعلقة بالمحيط الذي يعيش فيه الفرد، أو عوامل تجمع بين العوامل الفردية والبيئية فتتظافر فيما بينها بدرجات متفاوتة وتؤدي إلى ارتكاب السلوك الإجرامي. وفي جميع الأحوال، فإن ذلك يقودنا إلى البحث في تحديد معنى الجريمة والمجرم  لتكتمل الصورة الحقيقية لعلم الجريمة.

التعريف القانوني للجريمة:

لم يجمع الفقهاء الجنائيون على تعريف موحد للجريمة بمفهومها القانوني، بل هناك تعريفات متعددة: فقد عرفها”سذرلاند” Sutherland بأنها “السلوك الذي يخرق قانون العقوبات”.

وعرفها البعض بأنها “الواقعة المنطبقة على أحد نصوص التجريم، إذا أحدثها إنسان أهلٌ للمسؤولية الجنائية”. أو هي “سلوك يجرمه القانون ويرد عليه بعقوبة جزائية أو تدبير”.

وحددت الجريمة قانوناً أيضاً بأنها “ارتكاب فعل، أو الامتناع عن القيام بواجب منصوص عليه قانوناً، ومعاقب عليه بمقتضى هذا القانون”. أو هي “عبارة عن نوع من التعدي المتعّمد على القانون الجنائي، يحدث بلا دافع أو مبرر وتعاقب عليه الدولة”.

ويعرف”ماكسويل” الجريمة بأنها “كل عمل معاقب عليه في مجتمع سياسي معين بموجب القوانين المكتوبة أو القوانين غير المكتوبة والمتعارف عليها”. ويؤكد أن الجرائم أفعال نسبية غير قابلة للتعريف العام أو المطلق، وكل من يحاول إعطاءها صفة العمومية أو الصفة المطلقة سينتهي إلى الغموض والتناقض لاستحالة جمع عناصر ثابتة وشاملة للمجرم.

نيل وفرات

ويتبين من التعريفات القانونية للجريمة، أنها تتضمن عدة عناصر أو أركان يمكن وضعها كما يلي:

1- النص على تجريم الفعل بشكل دقيق لا لبس فيه،بمعنى أن هناك أفعالاً محددة قانوناً توصف على أنها جرائم إذا تم ارتكابها من قبل أي شخص، وفي جميع الظروف والأحوال، وعلى اختلاف الأزمنة والأمكنة.

2- حصول الفعل أو الترك من قبل شخص أو أشخاص بذاتهم، وإثبات الجريمة ضد الجاني أو الجناة أمام محكمة تشرف عليها هيئة قضائية شرعية مستقلة قبل إصدار أي حكم بالإدانة. ومن هنا فإن التفكير في الجريمة أو التخطيط لها لا يعد جريمة لأن الفعل لم يحصل بعد. أمّا الامتناع أو الترك فإنه يشكل جريمة وفق التعريفات السابقة، مثل التقصير في إنقاذ حياة شخص كان بالإمكان إنقاذه، أو التقصير في إسعاف شخص متضرر، أو الهروب من الخدمة العسكرية، أو عدم التبليغ عن… الخ.

3- النص على عقوبة؛ من الأمور المهمة أن ينص القانون على عقوبة طالما أنه نص على تجريم بعض الأفعال وفرض القيام بواجبات أو التزامات، ذلك أن عدم النص على عقوبة من شأنه أن يؤدي إلى صدور أحكام عشوائية بناءً على الاختلاف في التفسيرات للنصوص القانونية، كذلك عدم النص على عقوبة محددة إزاء كل فعل إجرامي تجعل القانون نوعاً من التوجيه والنصح والإرشاد وهنا فإن الأفراد أحرار في الأخذ بهذه النصائح والتوجيهات أو تركها وفقاً لقناعاتهم الشخصية.

وإذا وصفنا الجريمة على أنها فعل يجرّمه القانون ويعاقب عليه أمكن إدراك أن الدول تختلف فيما بينها في تقييم الأفعال الإجرامية، بل إن الدولة الواحدة قد يختلف فيها التصنيف القانوني للجريمة من فترة إلى أخرى. وجديرٌ بالذكر أن أنواع السلوك المضادة للنظام الاجتماعي والأخلاقي ليس من الضروري أن تدخل ضمن نطاق الجريمة، ومع ذلك حاول بعض علماء الإجرام توسيع نطاق تعريف الجريمة، بإدخال أنواع السلوك الانحرافي ذات الأهمية الاجتماعية، وإن كانت لا تشكل من الناحية القانونية جرائم.

وبناءً على ما تقدم، يمكن القول إن التعريفات القانونية للجريمة تشتمل على كثير من الثغرات، وحتى لوتم تعريف الجريمة وتحديد معناها نظرياً فإن التطبيق العملي قد يشير إلى غير ذلك. وهنا قد يثار العديد من التساؤلات منها: هل أن مخالفة النصوص القانونية في جميع الأحوال والظروف تشكل جرائم يعاقب عليها القانون؟ وهل أن مخالفة النصوص القانونية من قبل غير المميزين مثل مسلوبي الإرادة أو الأحداث أو كبار السن أو النساء الخاضعات للضغط والإكراه مثلها مثل مخالفة الراشد المميز المدرك لمخالفته؟ وهل أن المخالفات اللوائح والقرارات تعد جرائم أيضاً؟

ووفقاً للتعريفات والتساؤلات السابقة يمكننا القول إن التعريفات القانونية تمثل تعريفات مجردة قابلة للعديد من التفسيرات التي تختلف وتتباين عند التطبيق. ومع ذلك، فالجريمة وفقاً لهذا التحديد تتسم بثبات نسبي يكون كافياً لجعلها موضوعاً لعلم الجريمة.

المرسال

التعريف الاجتماعي للجريمة:

تُحدد الجريمة اجتماعياً بأنها “السلوك المخالف لما ترتضيه الجماعة، أو هي نوعٌ من الخروج على قواعد السلوك التي يضعها المجتمع لأفراده، فالمجتمع هو الذي يحدد ماهيّة السلوك العادي وماهيّة السلوك المنحرف أو الإجرامي وفقاً لقيمه ومعاييره”، أو هي “كل سلوك مضاد للمجتمع، أوكل فعل يتنافى مع روح المجتمع ومبادئه الاجتماعية” أو هي “كل فعل أو امتناع يتعارض مع القيم والأفكار التي استقرت في وجدان الجماعة”. وهناك من يقول إنها “تلك التي تتعارض مع المقتضيات الأساسية الخاصة بحفظ المجتمع وبقائه”.

وهناك اتفاق بين علماء الاجتماع على أن الجريمة ظاهرة اجتماعية، وأن التجريم حكم قيمي تصدره الجماعة ضد أفرادها الذين تتعارض تصرفاتهم مع قيمها أو أفكارها سواء عاقب القانون على هذه التصرفات أم لا.

إذن، لكل مجتمع أو جماعة نوعان من أنماط السلوك، الأول: إيجابي أو مرغوب فيه؛ والثاني: سلبي أو غير مرغوب فيه. والجريمة هي إتيان الفعل المخالف لمعايير وقواعد المجتمع الذي لا تقبله غالبية إفراد الجماعة والمجتمع بما يشمل الجرائم بتحديدها القانوني وغير القانوني، والسبب في وجود هذه الظاهرة لدى أي مجتمع من المجتمعات هو أن العادات والتقاليد والأعراف والقيم الأخلاقية غير المرغوب فيها من قبل الغالبية، قد يزداد الاهتمام بالبعض منها بحيث ترقى إلى مستوى القانون ويبقى البعض الآخر فيما دون ذلك. وهذا ما أكده العالم الأمريكي “وليم غراهام سمنر” Sumner W.G (1840 -1910) في كتابه الشهير”الطرق الشعبية”Folkways  حيث يرى أن العادات الشعبية ترتقي إلى مستوى “الأعراف”، وللأعراف أهمية بالغة لأنها تخلق النظم والقوانين.

انطلاقا من هذا العرض السريع لتعريفات الجريمة القانونية والاجتماعية يمكن استخلاص ما يأتي:

*  يستخدم لفظ الجريمة من الناحية الفنية فقط بالنسبة للأفعال المجّرمة قانوناً.

*  إذا تم إثبات السلوك الإجرامي فإنه يشكل جريمة سواء أدى ذلك إلى إدانة أمام محكمة جنائية، أو إذا تم الفصل فيه عن طريق إداري أو مدني، أو حتى إذا لم يفصل فيه على الإطلاق.

* إنّ التعريف الاجتماعي للجريمة، واستخدام التعريف في إجراء البحوث والدراسات العلمية، لا يعد مقيداً بالتعريف القانوني، كما أنه ليس بالضرورة أن تحدد تعريفاته هذه بأي زمان أو مكان.

* إنّ الجريمة حصيلة عوامل فردية واجتماعية متداخلة فيما بينها إلى درجة كبيرة، تتضمن عوامل  بيولوجية ونفسية واجتماعية، وعليه، فإن الاتجاه السليم في دراسة الجريمة يتمثل في إتباع المنهج التكاملي الشامل لهذه العوامل.

* إنّ استخدام المنهج التكاملي في دراسة الجريمة لا يعني دراسة عوامل الجريمة وأسبابها مجتمعة فحسب، بل يمكن دراسة كل عامل على حدة، واستخلاص النتائج لاتخاذها أساساً للمقارنة مع ما تسفر عنه دراسة العامِليْن الآخريْن من نتائج.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: https://uomustansiriyah.edu.iq 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى