التعاون المغربي الهندي: الدوافع إلى تحرّك المغرب لتعزيز تعاونه العسكري مع الهند في هذه الظرفية بالذات (مغرب التغيير – الدار البيضاء 9 يناير 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 9 يناير 2024
شهدت السنوات الأخيرة نموا في العلاقات بين المغرب والهند. جاء ذلك في الوقت الذي يتبنى فيه المغرب سياسة تنويع مصادر الأسلحة .والمعدات العسكرية. وفي الوقت نفسه، يعكس اهتمام المغرب بتنويع شركائه الدوليين سعيَ المملكة إلى تحقيق مكاسب إستراتيجية. ولعل الأهم، هو أن المغرب يسعى للحصول على دعم الهند في قضية الصحراء الغربية وغيرها من الأمور التي تهم المملكة. ناهيك عن تطور العلاقات الاقتصادية للمغرب مع الهند ، التي تعتبر قوة عالمية صاعدة لها تأثير على مستوى النظام الدولي.

لماذا تحرك المغرب لتعزيز تعاونه العسكري مع الهند؟
في الآونة الأخيرة، ظهر عدد من المؤشرات على زيادة التعاون العسكري بين المغرب والهند، ويمكن وصف ذلك على النحو التالي:
- صفقات السلاح العديدة التي أبرمها المغرب مع الهند :
تحركت الدولة المغربية لعقد عدة صفقات أسلحة مع الهند. وفي يناير من العام الماضي، وافق المغرب على صفقة مع شركة الأسلحة الهندية Tata Advanced Systems للحصول على 92 شاحنة نقل عسكرية. تكتيكية LPTA-715.
ومن المقرر أن يستخدم المغرب الشاحنات القادمة من الهند لحمل ونقل الذخيرة وقطع الغيار وغيرها من المعدات التشغيلية. ويهدف هذا إلى تعزيز القدرات اللوجستية للقوات المسلحة المغربية في سياق سياسة لتحديث وتطوير منظومتَيْ الدفاع والهجوم.
وفي يونيو 2022، حصلت الرباط أيضًا على شاحنات نقل تكتيكية TATA LPTA 2038 من الهند استجابة لطلب من القوات المسلحة المغربية، وهذه الشاحنات مناسبة لمناخ المناطق الصحراوية المغربية.
ويأتي ذلك في إطار إستراتيجية المغرب للحصول على أسلحة متطورة تقنيًا من الهند عبر اتفاقيته مع الشركة الهندية المحدودة بهارات للإلكترونيات (BEL) والتي تهدف إلى توفير التكنولوجيا وتركيب الرادار عالي الأداء للمسح والتحكم في جميع المطارات المغربية.
- استحداث الرباط لملحق عسكري في الهند:
في يوليوز الماضي، استحدث المغرب منصب الملحق العسكري بالسفارة المغربية بالهند. وذلك لأن الهند تعتبر من أهم الأسواق الناشئة لتصنيع وإنتاج الأسلحة المتطورة للغاية والمعدات العسكرية التي تتميز بالتكنولوجيا المتقدمة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأسعار الهندية أقل من أسعار الأسلحة والمعدات العسكرية التي تصنعها المصادر التي يعتمد عليها المغرب عادة. وسيساعد إنشاء منصب الملحق العسكري في تسريع صفقات الأسلحة مع الجانب الهندي مقارنة بالطريقة التقليدية القائمة على سفر وفد حكومي إلى الهند للقاء السلطات العسكرية أو ممثلي شركات الأسلحة الهندية وإبرام مثل هذه الاتفاقيات. وسيوفر هذا الإجراء الوقتَ والجهدَ في الحصول على الأسلحة.
- عقد اتفاقيات لتعزيز التعاون العسكري الثنائي:
في عام 2020، تم توقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون العسكري وتبادل الخبرات العسكرية والدفاعية بين المغرب والهند. وكان الهدف بناء شراكة إستراتيجية وتطوير العلاقات بين الرباط ونيودلهي في مجال الدفاع.
وفي سبتمبر 2018، وقعت إدارة الدفاع الوطني المغربية مذكرتَي تفاهم مع وزارة الدفاع الهندية. وتناولت مذكرة التفاهم الأولى التعاون في مجال الأمن السيبراني بين إدارة الدفاع الوطني ونظيرتها الهندية. بيما تهدف مذكرة التفاهم الثانية إلى بناء تعاون في الأنشطة الفضائية بين منظمة أبحاث الفضاء الهندية من جهة والمركز الملكي للاستشعار عن بعد، والمركز الملكي لدراسات وأبحاث الفضاء، التابع لإدارة الدفاع الوطني المغربية من جهة أخرى.
وركزت مذكرة التفاهم هذه على علوم الفضاء، والتطبيق العملي لتقنيات الفضاء والتدريب وتبادل الخبرات. كما اشتملت اتفاقيات التعاون الثنائي على مجالات المشاريع الصغيرة والمتوسطة والدقيقة، وتطوير البنية الأساسية، والتمويل المشترك للمشاريع في التنمية والصناعة الدفاعية.
- إقامة تداريبات عسكرية مشتركة بين البلدين :
أجريت تدريبات للقوات البحرية الهندية والمغربية في يوليو الماضي قبالة سواحل الدار البيضاء. وجاء ذلك في إطار التعاون والتنسيق العسكري المشترك بين البلدين.
أهداف أخرى متنوعة:
تهدف جهود المغرب لتعزيز علاقاته العسكرية مع الهند إلى تحقيق مجموعة متنوعة من الأهداف. من أبرزها على الخصوص ما يلي:
* تحسين القدرات العسكرية للمغرب :
أبرم المغرب العديد من صفقات الأسلحة مع العديد من البلدان التي يتمتع بعلاقات قوية معها (مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا). وشاركت في العديد من التدريبات العسكرية المشتركة على مدار عام 2022.
ورغم ذلك، يحتل المغرب المرتبة 61 من أصل 145 دولة مصنفة في مؤشر 2023 لقوة النيران العالمية لأقوى الجيوش في العالم. وبحسب المؤشر، يحتل المغرب المرتبة السادسة عربيا والسابعة في إفريقيا. ويظهر الترتيب تراجعا عن عام 2022، عندما احتل المغرب المرتبة 55 على المؤشر العالمي.
التفسير المحتمل لهذا التراجع هو أنه في ميزانيته الجديدة المخصصة للدفاع، ركز المغرب على التصنيع الأمني والدفاعي، وهو ما لم يؤخذ في الاعتبار في تصنيفات Global Firepower.
هذا التراجع، دفع المغرب إلى عقد المزيد من صفقات السلاح من أجل تطوير قدراته العسكرية، لاسيما فيما يتعلق بتحديث أسطوله من المركبات وشاحنات النقل للاستخدام العسكري. وبالإضافة إلى ذلك، خصص المغرب ما يقرب من 12 مليار دولار لتطوير قواته المسلحة.
وفي مشروع قانون المالية لعام 2023، رفعت الحكومة المغربية ميزانية الدفاع إلى 17 مليار دولار، بزيادة قدرها 5 مليارات دولار عن العام السابق. وتضمنت هذه الميزانية الجديدة اقتناء الأسلحة من خلال حساب إنفاق لشراء وإصلاح المعدات العسكرية للقوات المسلحة للمملكة ودعم وتطوير التصنيع الدفاعي. وتمثل هذه الميزانية أكثر من 3.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
* تأمين المعابر الحدودية المشتركة مع دول الجوار:
صفقات السلاح مع الجانب الهندي هي جزء لا يتجزأ من تطوير الأسلحة والمعدات العسكرية لتأمين المعابر الحدودية التي يشترك فيها المغرب مع دول الجوار. ومن أبرز هذه المعابر معبر الكركرات، الذي شن فيه مسلحون من ميليشيات البوليساريو هجومًا سابقًا.
ولهذا المعبر أهمية اقتصادية تتمثل في تعزيز العلاقات التجارية مع موريتانيا. علاوة على ذلك، كانت للسيطرة على المعبر أهمية خاصة للقوات المسلحة المغربية منذ أن نجح المغرب في إبعاد قوات البوليساريو عن الموقع قبل عامين.
وكانت المؤشرات الأخيرة على أن جبهة البوليساريو ستشن هجومًا على السياج الأمني والمناطق المجاورة قد دفعت القوات المسلحة المغربية إلى تعزيز المراقبة الضرورية على المنطقة الحدودية.

* تعزيز الشراكة الإستراتيجية مع الهند:
ترتبط صفقات السلاح واتفاقيات التعاون العسكري بتعزيز العلاقات السياسية بين المغرب والهند نحو شراكة إستراتيجية ثنائية. وينعكس ذلك في تبادل الزيارات بين السلطات الحكومية في كلا البلدين.
وكان من المقرر أن يمضي وزير الصحة الهندي المسؤول عن المنتجات الكيماوية يومين في الرباط يومي 13 و 14 يناير. ومن المتوقع أن يوقع اتفاقيات جديدة لتوفير الأسمدة.
ويناقش أيضا إمكانية تصنيع ثنائي فوسفات الأمونيوم (DAP) ومصانع إنتاج سماد النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم (NKP) في المغرب، والتي أصبحت موردا هاما للهند. هذا من شأنه أن يعوض نقص المعروض من فوسفات ثنائي الأمونيوم من الصين نتيجة للحرب الأوكرانية.
* استقطاب التأييد الهندي في قضية الصحراء الغربية :
في عام 2000، نجحت الجهود الدبلوماسية المغربية في إقناع الهند بالتراجع عن اعترافها السابق بالجمهورية العربية الصحراوية. ومنذ ذلك الوقت، تغير الموقف الرسمي الهندي بشكل أساسي لدعم الاقتراح المغربي للحكم الذاتي الإقليمي للصحراء تحت السيادة المغربية.
* مواكبة سباق التسلح مع الجزائر :
يسعى المغرب باستمرار لصفقات أسلحة مع مصادر جديدة مثل الهند في محاولة لمواكبة الجزائر التي تحتل مكانة عالية في ترتيب أقوى الجيوش في العالم.
ووفقًا لمؤشر Global Firepower لعام 2023، تحتل الجزائر المرتبة 26 عالميًا، وتحتل المرتبة الأولى بين دول منطقة. المغرب العربي، والمرتبة الثالثة بين الدول العربية (بعد مصر والمملكة العربية السعودية). وهذا يدل على تفوق عسكري افتراضي للجزائر على المغرب، ويشكّل هذا المُعطى دافعاً قويّاً للرباط لتعزيز قدراتها العسكرية.
* تحركات الرباط لتنويع مصادر أسلحتها :
قد يكون تحرك المغرب لتعزيز علاقاته العسكرية مع بلد مثل الهند، التي تعتبر مصدرًا جديدًا للأسلحة بالمغرب، من أجل الضغط على الدول الصديقة، التي شكّلت المورد الرئيسي لتسليح الجيش المغربي التقليدي، وللحصول على المزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية المحدثة. وقد تجلى ذلك في قلق إسبانيا، أي من الصفقة التي أبرمها المغرب للحصول على شاحنات عسكرية هندية. والجدير بالذكر، أنه في بداية يناير، وافقت الحكومة الإسبانية على توفير سفينة قتالية أفانتي 1800 (سفينة كبيرة متخصصة في المراقبة) للقوات البحرية المغربية.
وجاء ذلك بعد أن لجأت الحكومة المغربية إلى بنك إسباني للحصول على قرض لتمويل صفقات أسلحة مخصصة للقوات البحرية المغربية. وقد مهد ذلك الطريقَ لصفقة بين الرباط (ممثلة بالوزير المنتدب لإدارة الدفاع الوطني) وشركة تصنيع السفن الحربية الإسبانية نافانتيا.
وتخشى مدريد من اعتماد الرباط على مصادر أسلحة غير إسبانية، خاصة في ظل التحسن الملحوظ في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعد اعتراف إسبانيا بالموقف الرسمي المغربي تجاه قضية الصحراء المغربية.
* زيادة المكاسب الاقتصادية المتبادلة :
ويلعب التعاون العسكري المعزز بين المغرب والهند دوراً في تحقيق مكاسب اقتصادية ملحوظة لكلا البلدين. و ستؤدي صفقات السلاح إلى زيادة أرباح الشركات الهندية العاملة في مجال تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية. وتتحول الهند إلى السوق المغربية كنقطة انطلاق لدخول الأسواق الأفريقية. ذلك أن الهند ترى القارة الأفريقية كسوق واعد لتنشيط الاقتصاد الهندي.، وفي الوقت ذاته تقرّ بأن المغرب يشكّل أفضل جسر يمكن أن يصلها بالقارة السمراء
في هذا السياق، شهدت الفترة من 2013 إلى 2019 ضخ استثمارات هندية بقيمة 998 مليون دولار في مشاريع اقتصادية كبيرة في المغرب. وشمل ذلك تصنيع السيارات والبلاستيك والصناعات الكيماوية والبرمجيات. وساعد TIS في خلق حوالي 8158 فرصة عمل للشباب المغربي.
ومع الدفء الناتج عن العلاقات المغربية الهندية، من المتوقع أن تزداد فرص الاستثمار الهندي في الاقتصاد المغربي. فالمغرب مجال واعد للاستثمار، وهناك فائض في الميزان التجاري الهندي المغربي لصالح المغرب. وبلغت الصادرات الهندية إلى المغرب نحو 650 مليون دولار في الفترة 2018-2019 ، فيما بلغت صادرات المغرب للهند قرابة 1.32 مليار دولار خلال نفس الفترة.
باختصار، تكشف صفقات السلاح المغربية مع الهند عن تحول جوهري في العلاقات الهندية المغربية. كما تظهر الاتفاقات تحرك الرباط لتنويع مصادر أسلحتها لقواتها المسلحة. ويهدف هذا إلى تحرير المغرب من ضغوط حلفائه التقليديين مثل فرنسا والولايات المتحدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: الموقع العربي للدفاع والتسليح https://defense-arab.com/news/70874