علم الإنسان أو الأنثروبولوجيا أو السَّلاقة: التعريف والنشأة (مغرب التغيير – الدار البيضاء 15 مارس 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 15 مارس 2024
يقال له بالإنجليزية Anthropology من أصل يوناني، حيث “Anthropos” تعني إنسانًا، و”Logos” تعني علمًا. فيكون هذا العلم مختصًّا بدراسة الإنسان. ويتفرّع علم الإنسان إلى كل من علم الإنسان الاجتماعي، الذي يدرس تصرفات البشر المعاصرين؛ وعلم الإنسان الثقافي، الذي يدرس بناء الثقافات البشرية وأداءها ووظائفها في كل زمان ومكان؛ وعلم الأنثروبولوجيا اللغوية الذي يدرس تأثير اللغة على الحياة الاجتماعية؛ وعلم الإنسان الحيوي الذي يدرس تطور الإنسان بيولوجيًّا. أما علم الآثار الذي يدرس ثقافات البشر القديمة بالتحقيق في الأدلة المادية، فيعد في الولايات المتحدة الأمريكية فرعًا من علم الإنسان، بينما يُنظر إليه في أوروبا كعلم منفصل بذاته، أو علم أقرب إلى التاريخ منه إلى الأنثروبولوجيا.

التعريف:
يُعرَّف “علم الإنسان العام” بكونه جامعاً بين المجالات العلمية التالية:
– علمُ الإنسان الفرد وأعماله وسلوكه؛ – علمُ الإنسان الجماعي وسلوكه وإنتاجه؛ – علمُ الإنسان الكائن الطبيعي الاجتماعي الحضاري؛ – علمُ الحضارات والمجتمعات البشرية. وهذا يعني أن علم الإنسان هو علم الإنسان طبيعيًّا واجتماعيًّا وحضاريًّا.
أصل الكلمة:
ظهر الاسم المجرد” أنثروبولوجيا” للمرة الأولى في معرض الإشارة إلى التاريخ. وظهر استخدامه الحالي للمرة الأولى في النهضة الألمانية في أعمال ماغنوس هوندت وأوتو كاسمان. وظهرت صيغته الوصفية في أعمال أرسطو، وبدأ استخدامه في اللغة الإنجليزية، ربما عبر كلمة أنثروبولوجي الفرنسية، في بداية القرن الثامن عشر.
تاريخه:
في عام 1647، عرّف آل بارتولين، مؤسسو جامعة كوبنهاغن، الأنثروبولوجي كما يلي:
“إن الأنثروبولوجيا، ويعني ذلك العلم الذي يتناول الإنسان، مقسم بصورة عادية ومنطقية إلى: التشريح، الذي يدرس الجسد والأعضاء، وعلم النفس، الذي يتكلم عن الروح”.
وحدث استخدام متقطع للمصطلح من أجل بعض موضوعات البحث لاحقًا، مثل استخدام إتيان سيريس في عام 1839 لوصف التاريخ الطبيعي، أو علم الأحياء القديمة، للبشر، بناء على التشريح المقارن، ووضع كرسي للأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا في المتحف الوطني الفرنسي للتاريخ الطبيعي على يد جان لوي آرمان دو كاترفاج دو بريو. وكان العديد من منظمات علماء الأنثروبولوجيا قصيرة الأجل قد تشكلت بالفعل. وتشكلت الجمعية الإثنولوجية الباريسية، وهي أولى من استخدموا مصطلح إثنولوجيا، في عام 1839. وكان أعضاؤها ناشطين مناهضين للعبودية بصورة رئيسة. وبمجرد إبطال العبودية في فرنسا في عام 1848، هُجرت الجمعية.
في هذه الأثناء، أُسست الجمعية الإثنولوجية النيويوركية، وتعرف حاليًا بالجمعية الإثنولوجية الأمريكية، بناءًعلى نموذجها في عام 1842، كما هو شأن الجمعية الإثنولوجية اللندنية في عام 1843، وهي مجموعة منشقة عن جمعية حماية السكان الأصليين.و كان علماء الأنثروبولوجيا أولاء في ذلك الحين ناشطين ليبراليين ومناهضين للعبودية ومدافعين عن حقوق الإنسان.
إنّ الأنثروبولوجيا هي النتاج الفكري للطرق المقارنة التي طُوِّرت في أوائل القرن التاسع عشر. كان المنظرون في مجالات متنوعة مثل التشريح واللسانيات والإثنولوجيا، قد بدؤوا في الشك في أن أوجه التشابه بين الحيوانات واللغات والتقاليد كانت نتيجة عمليات أو قوانين غير معروفة لديهم في ذلك الحين. وبالنسبة لهم، كان نشر تشارلز داروين لأصل الأنواع تجلٍ لكل ما بدؤوا يشكون به. وقد وصل داروين نفسه لاستنتاجاته عبر مقارنة الأنواع التي رآها في علم الزراعة وفي البرية.
وكشف داروين ووالاس عن “نظرية التطور” في نهاية خمسينيات القرن التاسع عشر. وحدث اندفاع فوري لإدخالها إلى العلوم الاجتماعية. وكان بول بروكا في باريس في طريقه للانشقاق عن الجمعية البيولوجية لتشكيل أولى الجمعيات الأنثروبولوية الصريحة، “جمعية الأنثروبولوجيا الباريسية”، التي اجتمعت لأول مرة في باريس 1859.
كان بروكا ما قد يُسمى الآن جراح أعصاب، وقد اهتم بعلم أمراض النطق واللغة، وأراد تحديد مكمن الاختلاف بين الإنسان والحيوانات الأخرى، والذي بدا أنه يكمن في الكلام. واكتشف مركز الكلام في الدماغ البشري، ويسمى اليوم منطقة بروكا تيمنًا به. وكان اهتمامه منصبًا بصورة رئيسة على الأنثروبولوجيا البيولوجية، لكن فيسلوفًا ألمانيًا متخصصاً في علم النفس اسمه تيودور فايتز تناول موضوع الأنثروبولوجيا العامة والاجتماعية في مؤلفه المكون من ستة مجلدات، والذي عنونه بـ”أنثروبولوجيا الشعوب البدائية”. ونُشر المجلدان الأخيران بعد وفاته.

وعرّف فايتز الأنثروبولوجيا بأنها: “علم طبيعة الإنسان”، وسيراً على خطى بروكا، أوضح فايتز أن الأنثروبولوجيا مجال جديد من شأنه أن يجمع المواد من المجالات الأخرى، لكنه يختلف عنها في استخدام التشريح المقارن والفيزيولوجيا وعلم النفس لتمييز الإنسان عن “الحيوانات الأقرب إليه”. وشدد على أن بيانات المقارنة يجب أن تكون تجريبية وأن تُجمع عبر الاختبارات، وأنه يجب إدخال تاريخ الحضارة بالإضافة إلى الإثنولوجيا، في المقارنة. وأنه يجب أن نفترض أساسًا أن النوع، أي الإنسان، وحدة، وأن “قوانين الفكر ذاتها تنطبق على جميع البشر”.
وكان فايتز مؤثرًا بين علماء الإثنولوجيا البريطانيين. وفي عام 1863، انفصل المستكشف ريتشارد فرانسيس بيرتون وأخصّائي النطق جيمس هانت عن “الجمعية الإثنولوجية اللندنية” ليشكلا “الجمعية الأنثروبولوجية اللندنية”، والتي تبعت من ذاك الحين فصاعدًا مسار الأنثروبولوجيا الجديدة بدلًا من الإثنولوجيا فقط. وكان ذلك بمثابة المجتمع الثاني المكرس للأنثروبولوجيا العامة في الوجود. وحضر ممثلون من الجمعية الفرنسية، وإن لم يكن بروكا بينهم. وأكد هانت في خطابه الرئيسي، الذي طُبع في العدد الأول من منشوره الجديد، “المراجعة الأنثروبولوجية”، على أعمال فايتز، متبنيًا تعريفه كمعيار.و من بين الزملاء الأوائل كان الشاب إدوارد بيرنيت تايلور، مخترع الأنثروبولوجيا الثقافية، وأخوه ألفريد تايلور، وهو عالم جيولوجيا. وكان إدوارد يشير إلى نفسه بصفته عالم إثنولوجيا، ولاحقًا عالم أنثروبولوجيا.
ولم تلبث أن ظهرت منظمات مماثلة في دول أخرى: “جمعية الأنثروبولجية المدريدية” (1865)، و”الاتحاد الأمريكي للأنثروبولوجيا” في 1902، و”الجميعة الأنثروبولوجية في فيينا” (1870)، و”الجمعية الإيطالية للأنثروبولوجيا والإثنولوجيا” (1871) وظهر الكثير غيرها في أوقات لاحقة، وكانت غالبيتها من أنصار نظرية التطور. وكانت من الاستثناءات البارزة “جمعية برلين للأنثروبولوجيا والإثنولوجيا وما قبل التاريخ” (1869) التي أسسها رودولف فيكرو، والمعروف بهجماته اللاذعة على أنصار نظرية التطور. ولم يكن متدينًا، وقد أصر على أن استنتاجات داروين تفتقر إلى الأساس التجريبي.
في خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن التاسع عشر، تزايد انتشار الجمعيات والاتحادات الأنثروبولوجية، ومعظمها مستقل، ونشر معظمها مجلاته الخاصة. وينتمي المنظرون الكبار إلى هذه المنظمات، ودعموا النضوح التدريجي لمناهج الأنثروبولوجيا في المؤسسات الرئيسة للتعليم العالي. وبحلول عام 1898، كانت 48 منظمة تربوية في 13 دولة تمتلك منهجًا ما في الأنثروبولوجيا. دون أن يكون أي عضو من أعضاء هيأة التدريس، البالغ عددهم 75 نفراً، خاضعًا لقسم يحمل اسم “الأنثروبولوجيا”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- المعجم الموحد لمصطلحات علم الأحياء، قائمة إصدارات سلسلة المعاجم الموحدة (8) (بالعربية والإنجليزية والفرنسية)، تونس العاصمة: مكتب تنسيق التعريب، 1993، ص. 30، OCLC:929544775، QID:Q114972534
- ^إدوار غالب (1988). الموسوعة في علوم الطبيعة (بالعربية واللاتينية والألمانية والفرنسية والإنجليزية) (ط. 2). بيروت: دار المشرق. ج. 2. ص. 798. ISBN:978-2-7214-2148-7. OCLC:44585590. OL:12529883M. QID:Q113297966. وهي علم طبائع الإنسان
- ^Nicholson, 1968, P.1
- ^مدخل إلى علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) – دراسة – د. عيسى الشمّاس – منشورات اتحاد الكتّاب العرب/دمشق 2004 – صفحة:8