نظرة المنتظم الدولي إلى المستهلك في مواجهته لأخطار التجارة الإلكترونية (مغرب التغيير – الدار البيضاء 12 أبريل 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 12 أبريل 2024
يُعتبَر تحوُّل النمط الاقتصادي التقليدي المعمول به، إلى نظام اقتصاد السوق الحر، من أهم الركائز الأساسية للدفع بعجلة التنمية والرفع من مستوى الإنتاج في مختلِف القطاعات الصناعية في الدولة الحديثة. وحتى يكون هذا التحول محقِّقًا لأهدافه الإنمائية ينبغي النظر إلى مختلِف أركانه وجوانبه الأساسية واستيفائها حقها من الفحص والسبر. ويأتي في مقدمة ذلك، وضع سياسات ملائمة لتحقيق انضباط السوق واستقراره، وهذا لا يتأتى إلا بتسخير كافة آليات الحماية لجميع أطرافه الفاعلة، وخاصة منها الطرف المستهلك باعتباره الحلقة الأضعف، عن طريق حمايته من تقلبات السوق، ومن احتكار بعض الفئات للأسعار والسلع والمضاربة بها في غفلة من الرقيب، وكذا من تقلب مؤشرات الإنتاج وتأثيرها على المستوى المحلي. وهذا ما سعت هيأة الأمم المتحدة إلى ترسيخه من خلال ما نصّت عليه ضمن مبادئها المعروفة بـ“مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية لحماية المستهلك“.

إنّ هذه المبادئ، التي سعت الأمم المتحدة من خلالها إلى مراعاة مصالح واحتياجات المستهلكين في جميع البلدان ولاسيما في البلدان النامية، شكّلت مصدر إلهام لعدد كبير من المشرِّعين في مختلف الدول.[1]
وقد جاء في الفقرة 21 من هذه المبادئ أنه “ينبغي حماية المستهلكين من التجاوزات التعاقدية، مثل العقود النمطية التي تكون في صالح جانب واحد، واستبعاد الحقوق الأساسية في العقود، والمغالاة في شروط الائتمان من جانب البائعين“.[2]
من هذا المنطلق، يتضح مدى الأهمية التي يختص بها موضوع حماية المستهلك عامة، وبالأخص إذا تعلق الأمر بشروط الائتمان سالفة الإشارة، ويزداد هذا أهمية مع مرور الوقت وتطوّر هذه المعاملات، وبالتالي يمكن أن نلمسه من خلال تتبعنا للقواعد الصادرة في هذا الصدد منذ أول ظهور لمصطلح المستهلك وإلى غاية الفترة الراهنة، إذ أن هذا الأخير بحاجة ماسة وبصفة دائمة إلى الحماية بوصفه الحلقة الأضعف اقتصاديًا، أيّاً كان النظام الاقتصادي الذي يعيش في ظلّه.
وتعتبر حماية حقوق المستهلكين جزأً لا يتجزأ من منظومة حماية حقوق الإنسان الاقتصادية بصفة عامة، حيث يتعين العمل على توفير ضمانات تكفل للإنسان الحق في الحصول على معاملة كريمة في جميع الأماكن التي يقصدها، والحفاظ على صحته وسلامته، دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو المستوى الاجتماعي، وأن تُقَدَّم له الخدمة أو السلعة الجيدة بالسعر المناسب والجودة المطلوبة، دون أي شروط ترمي إلى إنقاص أو استبعاد أيّ حقّ من حقوقه الأساسية. فسواءً كان النظام الاقتصادي الذي يعيش فيه المستهلك اقتصادا موجهاً قائماً على التدخل والسيطرة الاقتصادية للدولة، أو كان اقتصاداً للسوق.[3]
بيد أنه أمام التطور الحثيث الذي عرفه القطاع التجاري في كافة بلدان المعمور، بانتقاله من النمط التقليدي الواقعي، إلى فضاءات التعامل والتعاقد الإلكترونييْن والرقمييْن الافتراضيَيْن، فيما يسمى حالياً بالتجارة الإلكترونية والرقمية، كان من الضروري توفير ترسانة قانونية تؤمّن الحماية اللازمة لمختلف أطراف هذه العلاقات التعاقدية العابرة للحدود، وخاصة منها الطرف المستهلك، نظرا لحاجته الماسة أكثر من غيره إلى ضمانات قانونية تُبعد عنه خطر التطاول غير المشروع على حقوقه ومصالحه. وهذطا بالذات، هو الذي نقل مركز ثقل الاهتمام بالمستهلك من دائرة الاقتصاديين والباحثين في مجالات المال والأعمال، إلى دائرة العدالة والقضاء وفقهاء القانون، الذين أخذوا يُدلون بدلائهم في هذا المجال مواكبة مع التوصيات الأممية الصادرة في الموضوع ذاته، سواء على الصعيد العام لهيأة الأمم المتحدة، أو على المستوى الخاصّ، لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، المعروف اختصاراً بالـ UNCTAD.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] _ أنظر: مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية لحماية المستهلك بصيغتها الموسعة في عام 1999 ، الفقرة “ب” (كانت هذه المبادئ التوجيهية قد أعدها في الأساس اﻟﻤﺠلس الاقتصادي والاجتماعي واعتمدﺗﻬا الجمعية العامة في عام 1998 ثم قام اﻟﻤﺠلس الاقتصادي والاجتماعي بتوسيع نطاقها في عام 1999). أنظر : التقرير التنفيذي المرفق بهذه المبادئ، مرفوع على الرابط الالكتروني التالي : http://unctad.org/en/PublicationsLibrary/UN-DESA_GCP1999_ar.pdf
_18 :38_24/03/ 2015
[2]_ أنظر : التقرير التنفيذي المرفق بهذه المبادئ، مرفوع على الرابط الالكتروني التالي :
http://unctad.org/en/PublicationsLibrary/UN-DESA_GCP1999_ar.pdf
[3] مذكرة مقدمة من أمانة الأونكتاد unctad في 29 أبريل 2013، تتضمن التقرير التنفيذي المتعلق بمبادئ الأمم المتحدة التوجيهية لحماية المستهلك ، الصادر عن لجنة التجارة والتنمية في أطار مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ,خلال الدورة الثالثة عشرة المنعقدة في جنيف،من 7 إلى 12/ 03/ 2013 ، ص 2 و 3 أنظر أيضاً الرابط الالكتروني التالي 2015http://unctad.org/meetings/en/SessionalDocuments/ciclpd23_ar.