آراء ومواقف
أخر الأخبار

أبرز أولويات الإصلاحات التعليمية المطلوبة والمنتظرة: “الطفل أوَّلاً” (مغرب التغيير – الدار البيضاء 9 يوليوز 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 9 يوليوز 2024     ع.ح.ي.

الآراء والأفكار المعبَّر عنها في هذا الباب لا تُلزِم هذه الجريدة

الطفل رجل المستقبل… الطفل وَقود المستقبل… الطفل أَمل المستقبل… صِيَغٌ كلامية متعدِّدة ومتنوِّعة تذهب إلى نفس المبتغى: التأكيد على أن الطفل كان ولا يزال وسيظلُّ اللبنة الأساس في بناء مستقبل الدولة والأُمَّة.

بيْدَ أن الواقع لديْه رأيٌ آخر يختلف تمام الاختلاف عن هذه “الفكرة/المبدأ”، فكيف ذلك؟

بدايةً،  لن نذهب بهذا القول إلى تجريم المسؤولين عن الشأن التعليمي كيفما كانت رُتَبُهم ودرجات مسؤولياتهم، ولن نقول إنهم يكرهون الطفل أو يتجاهلونه أو يرفضون إحاطتَه بالعناية اللازمة عن قصد، أبدًا، لأننا نعلم جميعًا بأنّ هذه الوضعية تتكالب عليها عواملُ كثيرةٌ لا يُشكِّل هؤلاء المسؤولون إلاّ بعضًا يسيرًا منها، باستثناء بعض العقليات المتحجِّرة، والتي ليس هذا مجالاً للحديث عنها.

إننا، بعبارة أخرى، لا ندري حقيقةً حجم الضرر الذي نُلحِقُهُ بأطفالنا، ولا نَفْطِنُ فِعلاً إلى العوائق التي نضعُها في طريق تربيتهم وتكوينهم، التربيةَ والتكوينَ الضرورييْن، واللازميْنِ لخوض غمار الحياة مؤهَّلين وأقوياءَ وقادرين على رفع مختلِفِ التحدِّيات.

إننا نرهِقُهم بزُحْمَةِ الفصلِ الدراسيِّ، الناتجةِ عن تعميمٍ للتمدرُس لا يتحقَّق في أحسن الظروف؛ ونُتْعِبُهُم بثُقلِ المقرَّرِ السنويِّ الذي يكون استكمالُ تدريسِهِ عند نهاية الموسم الدراسي بعيدَ المنال؛ ونُثْقِلُ عليهم بزمنٍ تربويٍّ وتعليميٍّ طويلٍ أكثر من اللاّزم؛ ونُرْبِكُهم بطُرُقٍ للامتحان والتقييم ليستْ غيرَ مناسِبةٍ لهشاشة عقلهم وبساطةِ قِوامِهِم النفسيِّ فحسْب، بل هي تتخطّى ذلك إلى الإيقاع بهم في مِطَبّاتٍ ومَزَالِقَ تكاد تقول إننا نسعى إلى إرباكِهِم فعلاً، وإجبارهم على الاستسلام للإخفاقات المتوالية.

والنتيجة؟ مزيدٌ من الهدر المدرسي، ومن الانقطاع عن الدراسة؛ ومزيدٌ من الأمية المُسْتَرْسِلَةِ في صفوف أطفال في سن الابتدائي، لأننا نُخَرّج في كل موسم دراسي حوالي نصف مليون من المنقطعين الجدد.

والنتيجة أيضًا؟ حالاتٌ يندى لها جبين الوطن نذكر بعضها أدناه على سبيل الاستئناس:

أكثر من 73 % من الأطفال المشغَّلين يشرعون في الشغل قبل سن 15، وهؤلاء يعانون من سكن غير لائق، وتغذية غير صحية، ولا يعرفون معنى للعب والترفيه. [1]كما أن غير المتمدرسين منهم (61 %) لا يمارسون أيَّ نشاط، مما يعرضُهم لعدة مخاطرَ مثل التعاطي للمخدرات، وامتهان السرقة والتسول، والسقوط في حَبَائِلِ الدعارة والاستغلال الجنسي…[2]

ينتمي 84 % من الأطفال المُشَغَّلين في المغرب، إلى الوسط القروي، ويبلغ عدد هؤلاء 600 ألف طفل.[3]

الاعتداءات الجنسية على أطفال المغرب ارتفعت خلال سنة 2008 بنسبة 536%، موزعةً على 56 منطقةً من مناطق المغرب، مقارنةً مع سنتَيْ 2006 (20 حالة)، و2007 (50 حالة).[4]

خَلُصَتْ نتائجُ البحث الذي أجراه مركز حرية الإعلام سنة 2006، ضمن تقريره عن القاصرين وجرائم الإنترنت بالمغرب، إلى أن ثلثي القاصرين، الذين تم استجوابهم، أو أكثر، صَرَّحوا بتلقيهم لعروض للسفر، وهدايا، وعروض للزواج عبر الانترنيت (الشات أو الدردشة) من طرف أشخاص غرباء. كما كشف البحث أن أزيد من ربع العيِّنة المستجوَبة تلج إلى مقاهي الإنترنت رغم معارضة أولياء الأمر أو في غفلة منهم. كما أن ثلث المستجوَبين أو أكثر، لم يسبق  لهم أن سمعوا عن جرائم الإنترنت، لأنهم لم يستفيدوا من أيِّ تعبئةٍ أو توعية أو تحسيس للوقاية من هذه الآفة العصرية .[5]

سجلت سنة 2003 متابعة 14.183 حدث أمام القضاء، وعرفت سنة 2004 متابعة 19.022 حدث (نلاحظ الزيادة المُهْوِلة في ظرف سنة واحدة). وعرفت جرائم الضرب والجرح والسرقة أعلى النسب، واتخذت في مواجهة هذا النوع من الجنوح 14.224 تدبير، منها 4.463 إجراء يتعلق بالتسليم للعائلة؛ و2.603 توبيخ؛ و2.155 تدبير للإيواء في مؤسسات تربوية؛ إضافة إلى إخضاع 1.702 حدث للحرية المحروسة، و305 حالة إيداع بالمؤسسة السجنية، واتخاذ 385 تدبير آخر. كما تم اتخاذ 2.087 حكم بالبراءة و216 غرامة نافذة،[6] وكل هذا بإزاء أطفال ويافعين في سنّ التمدرُس، ومعظمهم من ضحايا الهدر المدرسي والانقطاع عن الدراسة.[7]

يتضح من هذه المقتطفات، المُسْتَقاةِ من واقعنا اليوميّ، أن الطفل واليافع، والقاصر عمومًا، ليسوا على الحالة التي توحي بها الشعارات التي بدأنا بها هذه المقالة، ولا يبدو أنّ أعدادًا منهم ستشكِّل فعلاً وَقُودَ المستقبل الزاهر الذي تبشِّر به تلك الشعارات. بل يبدو كما لو كانت تلك الجحافلُ من الصغار على موعد مع مستقبَل آخر لا يُمتُّ لمستقبلنا بأيِّ صِلة، أو بالأحرى، كما لو كانت تريد أن تسيرَ بنا نحو مستقبَلٍ غير الذي نحلُم به، لكنِ هل فعلاً هي التي تريد ذلك؟!

إنَّ الكثير من أطفالنا، إلى إشعارٍ آخر، يمتدُّ أمامهم مستقبلٌ مجهولُ القَسَمات، حتى لا نقول إنه غيرُ آمنٍ ولا زاهر. والعُهْدَةُ في هذا القول، ليست علينا نحنُ، بل العُهْدَةُ على الواقع الذي لا يُمكن الارتفاعُ عليه إلاّ إذا بذلْنا جهودًا حقيقيّةً، وتضحياتٍ وازنةً، باتجاه إعادة النظر في تعامُلِنا مع هذا الطفل، منذ أولى خطواته صَوْبَ الرَّوضة، وصَوْبَ المدرسة. وإنّ هذا، في الواقع، هو عين القناعة التي خرجنا بها دائمًا في دراساتنا، وأدرجناها في ديباجات خططنا الإصلاحية السابقة، دون القدرة على ترجمتها إلى الفعل الملموس.

من أجل الخروج من هذا الواقع غير السليم، ينبغي علينا جميعا تقليبَه ومناقشة أبرز جوانبه، من خلال الوقوف عند ثلاثة موضوعات رئيسية تتداخل فيما بينها، وتشكّل حجر الزاوية في أي مناقشة جادة وهادفة، وتُعبِّر عنها العناوينُ الثلاثة التالية:

1 . «موقع الطفل من العملية التربوية»، ونُريدُ به المكانةَ التي نوليها للطفل في ظل التجربة الراهنة؛

2 . «الطفل أوّلاً»، ونقصِدُ به منظورَنا الجديد، والذي نشير من خلاله إلى الموقع الذي ينبغي أن يحتله الطفل في أي تجربة إصلاحية؛

3 . «مربط الفرس: وهو الطفل أيضاً»، أو ما يمكن اعتبارُهُ، في آن واحد، خلاصةً للمضمون العام لأي مناقشة يمكن أن تجري حول هذا الموضوع على أساس أن يشارك فيها جميع الأطراف والشركاء والدارسين والمهتمين، وعلى أساس أن تُفضي إلى أفكار واقتراحات يُفترَضُ أن تساعدنا على تحقيق ما ينبغي أن يكون هدفًا أساسيًا لكل إصلاح، في قطاع التربية الوطنية، ألاَ وهو “جَعْلُ الطفل في أول الأمر ونهايته هدفًا ووسيلةً لتحقيق القفزة النوعية المنشودة”…

متى يتحقق هذا المُبتغى الحيوي والمصيري؟.. ذاك هو السؤال!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصدر المقال: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير. مصدر صورة الواجهة: nippon.com.

 1  دراسة حكومية مغربية، بمبادرة من منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف)  ومنظمة العمل الدولية والبنك الدولي، عن الفترة 2002/2006.

[2]   نفس المصدر.

[3]   نفس المصدر.

[4]   تقرير لجمعية “ما تقيش ولدي” برسم سنة 2008.   http://www.maghress.com 

[5]   http://www.jeunessearabe.info/article.php3

[6]   أرشيف: شؤون قانونية، http://www.startimes.com

[7]   نفس المصدر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى