آراء ومواقف
أخر الأخبار

من متاعب المنظومة التعليمية: مناهج وبرامج فوق طاقة الطفل!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 10 يوليوز 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 10 يوليوز 2024        ع.ح.ي.

الآراء والأفكار المعبَّر عنها في هذا الباب لا تُلزِم هذه الجريدة

في نفس سياق المقال السابق، عندما ننظر إلى أحوال أطفالنا وهم في طريقهم إلى مدارسهم، نستلهم من مشهدهم، الذي لا شك أنه قد لَفَتَ منذ الوهلة الأولى، نظرَ الآباء والعابرين وبالأحرى الدارسين والمتتبعين للشأن التعليمي، إلى تلك العلاقة غير المتوازنة وغير المنسجمة بيْن قامة الأطفال الهَشَّة، وحجم المحفظات “الجاثمة” فوق ظهورهم الصغيرة، حتى أن محفظات أطفالنا صارت لها عجلات، وصارت مجرورةً، فبدت بذلك أشَدَّ ثُقلاً وأكثرَ مَبْعَثًا للتعب والمُعاناة.

جريدة النصر

صحيح أن العبرة ليست بحجم المحفظةِ وكُتْلَتِها أو وزنِها، ولكن الصورة بالرغم من ذلك، تقدم لنا فكرة رمزية، عن الموضوع الذي نودّ عرضه ومناقشته في هذا المقال.

خلال التجربة الإصلاحية السابقة، أطلقت وزارة التربية الوطنية جملةً من المبادرات كانت تهدف إلى تأهيل أساليب التدريس ووسائله، وإلى تنمية قدرات التلاميذ والرفع من كفاياتهم التعليمية. بيد أن هذه المبادرات لم تحقِّقْ أهدافها تلك، لأن أطر الإدارة التربوية والتدريس لم يكونوا مواكِبين للبرنامج ذاته من حيثُ تكويناتُهم الأساسية، وكذا تكويناتُهم المستمرّة، وهذا موضوعٌ آخر يمكن أن نناقشه على انفراد. كما أن البرامج الدراسية شكّلت سبباً رئيسيًا في عدم إفضاء تلك التجربة إلى نهاياتها المسطَّرة، وهنا مربِطُ الفَرَس.

إن الغلاف الزمني للتدريس، وللتّعلّم، يتخطّى في بلادنا سقف 1100 ساعة في الثانوي، وحوالي مثل ذلك في الابتدائي، حيث يتلقى الأطفال تعليمهم في هذا الأخير خلال 30 إلى 34 ساعة أسبوعيًا، أي ما مجموعه نحو 120 إلى 136 ساعة في الشهر الواحد، وحوالي 1080 إلى 1224 في السنة الدراسية الكاملة. وهذا يتعدّى بكثيرٍ ما هو معمول به في المنظومات التعليمية العالمية الناجحة، وينتج عنه، بالرغم من ضخامة الوقت الدراسي، أنّ المقرَّر السنوي نادرًا ما يتمّ استكمالُه قبل فترة امتحانات نهايات السنوات الدراسية، لأنه بدوره من أطول المقرّرات وأضخمها عالميًا. وهذا يؤدّي بالتالي إلى تفاوت مستويات التحصيل بين التلاميذ، فضلاً عن نشوء رُكام من المعارف بعضُها لا يكون الطفل في حاجة إليه في بدايات عمره المدرسي، من قبيل شحن دماغه الطّريّ بمعلومات عن المعنى المجرد لكلمة من الكلمات ومعناها الدلالي، وكأنه بصدد التكوين في مجال النقد الأدبي أو نحوه!!

والحال أن هذا الإفراط في حشو أدمغة الأطفال بمعارف زائدة عن اللزوم، وطوال فترات شاسعة من السنة، يعود منشأُهُ إلى خلل كبير في تخمين المناهج الدراسية انطلاقاً من السؤال البديهي، والذي ينبغي أن يسبق دائمًا أيَّ عمليةٍ للمنهجة أو البرمجة: «ما هي مواصفات الطفل أو المواطن الذي نرغب في إنتاجه بهذه الوسيلة، وما الدور الذي نريده أن يلعبه في التنمية؟».

أنفاس بريس

والواقع أن هذا السؤال يبقى غائبًا، أو يتم طرحه بصورة غير صائبة أو مغلوطة، فينتج عنه كلُّ ذلك الزخمِ الهائلِ من الموادّ الدراسية، ومن المعارف الزائدة، وهو ما ترمز إليه، بل تكرِّسُه تلك المحفظة الحافلة والثقيلة، التي ينوء الطفل المسكين تحت ثقلها بدنيًا وعقليًا ونفسيًا بالرغم من تحويلها إلى ما يشبه العربة المجرورة، والتي صارت ظاهرة مغربية بامتياز، فضلاً عن تأكيدها، هي الأخرى، بأن هذا الطفل أبعد ما يكون عن تلك الأولوية وذلك الانشغال المِحْوَريّ اللذيْن يومئ إليهما شعارُ “الطفل أوّلاً”، الذي يتغنى به بعض القيمين على الشأن التربوي بين الحين والآخر.

ويبقى السؤال: “متى يُنظَر إلى الطفل بوصفه طفلاً طريّ الجسد والنفس والقِوام العقلي وهو بَعدُ في أولى سنواته الدراسية؟.. ذاك مرة أخرى هو السؤال!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير / صورة الواجهة: هسبريس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى