أفكار مبدئية حول الإسلام.. كما هو لا كما يعتقده بعض المتشددين!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 6 غشت 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 6 غشت 2024 م.ع.و.
الآراء والأفكار المعبَّر عنها في هذا الباب لا تُلزِم هذه الجريدة
إن الفطرة التي فطر الله سبحانه عليها كافة الكائنات – وكذلك جميع الأكوان والعوالم- تشكل قوام الدين، بالمفهوم الذي يجعل الدين “تسليماً لله تعالى وإسلاماً للوجه له سبحانه”. وهذا المعنى الرابط بين الإسلام والفطرة هو عين ما نقصد إليه بالقول بوجوب “الحفاظ على فطرة النفس الإنسانية وفطرة الأشياء بلا استثناء”.
إن هذا بدوره عين المعنى المراد بالنهي عن “الإفساد في الأرض بعد إصلاحها”، أي عن تبديل فطرة الأشياء والكائنات الأرضية (برّاً وبحراً وجوّاً وفضاءً خارجياً) بما يمكن أن يصيبها من ظلم الإنسان وعَنتِه، بعد أن كانت في خِلقتها الأولى صالحة نقيّة حافظة للتوازن الطبيعي والنوعي والبيولوجي من مختلف جوانبه.
إن الإسلام تسبيح مزدوج، له شق لا إرادي، وهو الشق الملتزم بفطرة الخِلقة في بنيتها الأساس: تسبيح التنفّس، تسبيح النبض والدورة الدموية، تسبيح استيعاب المنافع ولفظ الفضلات… وهذا التسبيح اللاّإرادي يكرس خضوع المخلوق للخالق سبحانه خارج وعي الأوّل ورغم أنفه.
ثم هناك شق إرادي واختياري، وهو مناط التكليف وجوهر الأمانة التي حملها الإنسان بعد أن أشفقت منها الأكوان وأبيْنَ حملها، والتي تلزم الإنسان بالاختيار الصائب بين النجديْن: نجْدُ النور والخير؛ ونَجْدُ الظلمات والشر، بناءً على نوعين من المعرفة:
- معرفة قبلية، نعبّر عنها بالقول بوجود حاجة فطرية وكامنة فينا إلى الله تعالى، وهي الحاجة التي تقودنا إلى معرفته والتعرّف على صفاته وأفعاله سبحانه من خلال آثار تلك الصفات والأفعال (الخَلْق وتعدّده وتنوّعُه، الجمال، الكرم والجود والرحمة… الخ) وهي عين المعرفة المتبقية من الميثاق الأوّل، الذي أخِذ علينا في الأزل قبل النزول إلى الأرض والتحوّل إلى دريّة متناسلة؛
- معرفة بَعدية، نسير إليها من خلال القراءة في الكون وفي أنفسنا، امتثالاً لأول أمر موحى به، وهو “القراءة، والكلمة، والقلم”… وهو الأمر بالتعلّم والتفقه وبالسير في الأرض من أجل الرصد والملاحظة والبحث والتحليل، ومن أجل الانتهاء إلى نهايات هذه المعرفة وخلاصاتها، واستنتاج ما يمكن استنتاجه من المعطيات ومن القوانين، أو استنباط ما يمكن استنباطه من القواعد والأحكام، وكل ذلك، لحفظ العلاقة دائمة وإيجابية بين ما نحن عليه من جهة، وبين خلقتنا الأولى التي كانت في “أحسن تقويم” من جهة ثانية. ولذلك كانت هذه المعرفة ضرورية لاستيفاء شروط أداء الأمانة حق الأداء.
إنّ الإسلام هو الدين عند الله ولكن، ليس بالمعنى الضيّق، والشوفينيّ، والنرجسيّ، الذي يقصر الإسلام على النبوءة والرسالة المحمديتين دون غيرهما، وإنّما بالمعنى الذي جاء في كتاب الله عزّ وجلّ، في تنصيصه على كون نبيه إبراهيم حنيفاً مسلماً، وعلى كونه سمّانا مسلمين من قبل، وكذلك سُمّي كل من جاء بعده من معتنقي الملل والعقائد المنتمية بالنبوّة إلى ملّته الحنيفية.
صحيح أنّ نبوة محمد (ص) ورسالته كَمُلَ بهما الدين وتمت بهما نعمة رب العالمين. ولكن الذي ينبغي أن نعيَهُ ولا نُخلط فيه ولا نُلْبِس، هو أنّ هناك درجات ومراتب شتّى من الإسلام، تبدأ بالحدّ الأدنى، وهو الإيمان بالله الواحد الأحد وباليوم الآخر وتوخي صالح الأعمال، وتنتهي في كمالها وتمامها إلى التصديق بالنبوءة والرسالة المحمديتين والتصديق معهما بجميع الأنبياء والرسل دون تفريقٍ بين أحدٍ منهم، والسير فضلاً عن ذلك على هَدْي السيرة المحمدية “فكراً” و “قولاً” و”عملاً” على السواء.
وحين نقول “فكراً” فإننا لا نعني بذلك، مطلقاً، التقيّد بذات الفكر حرفياً، فيما يتعلق بـ”قضايا المجتمع المسلم”، وإنما بأسلوبه في القراءة والتحليل واستنباط الأحكام، وبقوّة حجّته، وبصدق ما وراءه من النية والسريرة الطاهرتيْن. ذلك أن الفكر قابل للتبدّل والتطوّر والتحوّل تبعاً لتبدّل وتحوّل ما يدور حوله التفكير من المسائل والأشياء والظواهر والقضايا.
وَإننا حين نقول “قولاً” فإننا لا نريد بذلك، مجرد التقيّد الأعمى بنصوص الحديث الشريف فحسب، والذي نعلم أنه وصل إلينا بروايات تختلف في منطوقها عما نطق به الصادق الأمين، ولكن نريد به، أيضا، ًالنسج على نفس المنوال من الفصاحة والحصافة والتبسيط والتيسير، ومن الصدق والحكمة وبعد النظر.
ثم إنّنا حين نقول “عملاً”، فإننا لا ندعو بهذا القول إلى تقليد أفعال الرسول (ص) المحكومة بزمانها وفضائها، كالاكتحال والاستياك مثلاً ونحوهما، وإنما ندعو به إلى توخي مقاصد تلك الأفعال، كالحفاظ على العين والبصر وحمايتهما من الأمراض والآفات، والحفاظ على الأسنان واللثة وباقي الفم من مختلف الأضرار، بحيث ينبغي علينا لزوماً أن نستعمل ما انتهى إليه العلم الحديث بفعل اجتهادات العقل من وسائل حديثة من شأنها أن تحقق لنا نفس الغاية من الأفعال النبوية السالف ذكرها. وهذا ينطبق على جميع الأفكار والأقوال والأفعال بلا استثناء. فالمطلوب هو المقاصد والغايات وليس الوسائل والأدوات التي تتبدل وتتطور.
وإنّ هذا الأمر ليسري أيضاً على كل ما يمكن أن نسمّيه التزاماً بالسّنة وبأخبار الصحابة وآثار السلف الصالح، بما في ذلك، الحرص على تجديد قراءة النص وتحفيز العقل على فهمه فهماً متجدّداً على الدوام، وعلى اتخاذه منطلقاً ثابتاً لفهوم متعدّدة ومختلفة تستدعي بدورها استنباط أحكام وقواعد بنفس ميزتي التعدّد والتنوّع والتطوّر، أزاء نص منزّل ثابت لا يتبدّل ولا يتغيّر لأنه من عند الحكيم الخبير جلّ وعَلاَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: “الإسلام كما هو”، قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير / مصدر صورة الواجهة: MAP express.