عقلك حمار… اِربطه وحذار أن تأخذْه معك!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 17 أكتوبر 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 17 أكتوبر 2024 ع.ح.ي.
الآراء والأفكار المعبَّر عنها في هذا الباب لا تُلزِم هذه الجريدة
هذا الشيخ البادي في الصورة يُعتبَر أحد الوُعّاظ الملسَّنين، الذين يجتمع حولهم آلاف المتتبعين والمتلقين من بسطاء العقول والسرائر، من أهل الفطرة، فيأخذون عنهم ما يَعْوَجُّ به إسلامُهم، ويَنحرِفُ به دينُهم، ويبتعدون به عن المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلاّ الهالكون… وكم منهم مِن هالِكٍ على أيدي أمثال هذا الشيخ/الظاهرة!!
هذا الخطيب، يقول في خطبة من خُطَبِه للمُلْتَفّين حول مَجلسه ومِنبره متحدثاً عن العقل الإنساني الذي كرّمه الله وحضّ على استعماله:
“هذا العقل عبد.. هذا العقل حمار.. فلا يليق بك استعمالُه إلا في فهم الحدود (يقصد العقوبات الشرعية) ولو أنك ذهبت بهذا الحمار إلى الحاكم فسيكون عليك أن تربطه بالخارج بمجرد وصولك إلى مجلسه، لأنك إذا أدخلته معك إلى مجلس الحاكم فستُعرِّض نفسَك للطرد، أنت وحمارك ذاك”!!
إن الرجل هنا يدعو مستمعيه إلى اجتناب تشغيل عقولهم إلا في فهم “الحدود” التي أخرجها الشيوخ، وفسرها الشيوخ، وقال بها الشيوخ فحرَّموا بواسطتها وأحَلّوا، ثم عرضوها على القُطعان من أجل التقيّد بها واجتناب عواقبها… مِثْلُ ماذا؟
* مِثْلُ “حد الرجم”، الذي ما أنزل الله به من سلطان، إذِ الرجم في القرآن يُفيد الطرد والنفي خارج القرية أو المدينة ولا يُفيد مطلقاً “قتل النفس رمياً بالحجارة”؛
* مِثْلُ “حد قتل تارك الصلاة”، الذي قال به ابن تيمية، ونقله عنه الشيخ الشعراوي بكل زهو وأريحية، حتى لو كان تارك الصلاة مؤمناً بالله الواحد الأحد والبعث وفاعلاً لصالح الأعمال؛
* مِثْلُ “حد قتل المرتد”، الذي جاء في الكتاب الحكيم أنّ مَصيرَه بعد كُفْره ثمّ إيمانِه ثمّ كُفْرِه لا يؤول إلاّ إلى ربه الذي يفعل به ما يشاء، تفعيلاً للمبدإ الربّاني: “لا إكراه في الدين قد تبيّن الرُّشدُ من الغَيّ”…
أما ولي الأمر وكهنته، فلا يجوز استعمال العقلِ في التعاملِ معهم ومخاطبتِهم، وفي تَلقّي الأوامر الموجِبةِ للطاعة من لدنهم، لأنك إن استعملت عقلك في التعامل معهم فسيتم طردك شر طردةٍ أنت “وعقلك/حمارك” ومَن على شاكلتك!!
ما الذي يمكن أن نطمع في الحصول عليه لدى مثل هذا الشيخ الداعي إلى شل حركة العقل، وما أكثر أمثاله وأنداده في عصر صار فيه كل مَن يُمسك هاتفا ذكياً، أو يطلّ من شاشة تلفاز أو موقع إلكترونيٍّ، لا يجد أدنى حرج في التطاول والترامي على آليات الوعظ والإرشاد والإفتاء، وبالتالي الإضلال، بعلم وبغير علم؟!!
إنّ الواحد من هؤلاء الملتحين المتفوِّهين يستطيع أن يجذب إليه آلافاً، بل مئاتِ آلافٍ من البسطاء المأخوذين بمظهره الخادع: بلحيته المَهيبة، بعباءته المطرّزة، بطرحته الشبيهة بطرحة العرائس، وبفصاحته المسطّحة والكاذبة… بل إنه يسعه من منبره الإلكتروني أن يحرّك حشوداً من المتشدّدين المتطرّفين على منوال ما فعله المنظّرون للفكر الداعشي، أمثال ابن تيمية، وكشك، والألباني، والقرضاوي، والحويني… ولائحة هؤلاء في غاية الطول والامتلاء، ولا ريب أنّ هذا الشيخَ عينَه من بين نَوابِغِها الأكابر؟!!
إن أكثر ما يكرهه أمثال هذا الشيخ المضروب في عقله، هو أن يروا شباب هذا العصر المتنوّرين يستعملون عقولهم، فيسألون ويستفسرون، ويبحثون عن الحقيقة، وعن مصادر المعلومات التي تصل إليهم متسربلةً بأردية الشرع والهداية والإرشاد… والأدهى من هذا عند هؤلاء الشيوخ، أنْ يُشكّك المثقفون المتنوّرون في صدقية تراث “السلف الصالح” ومصداقيته، بعد أن يتبيّن لهم زيف المصادر، وتهافت الناقلين بغير عقل، وتتعرى أمام عقولهم اليَقِظة حقيقة التراث في سَواده الأعظم، فيتيقنون من كونِه – في معظمه – نتاجَ فهمِ وتفكيرِ أُناسٍ محسوبين على الإسلام وما هم بآخذين بأهمّ قواعد الإسلام وثوابته، لأنهم هجروا القرآن وهو الأساس الوحيد المتّسم بالثبات، وألقوه وراء ظهورهم، واستبدلوه بنصوص ظنّية صادرة عن آلهة أخرى مِن طينتهم، منها: “الصحاح”، الحبلى بالكثير من الأكاذيب؛ و”أمهات الكتب”، التي لا تصلح حتى “كأحفاد” للكتب العلمية الجادة والمعقولة؛ و”مدوَّنات الحُفّاظ” الذين لا يتميزون في تقليدهم لسابقيهم عن الببغاءات إلا بالرسوم والأبدان، أما جواهرهم فمِلْؤُها الحفظُ والنقلُ بلا أدنى ذرّةٍ من عقل!!
ما الذي يمكن أن يفيد المؤمنين في مثل قول هذا الشيخ الملتحي وفهمه وكلامه المُهين للعقل والمستهزِئ به، والمتردِّي به إلى أسفل سافلين، واصفاً إياه بصريح القول بكونه دابّةً وجب لجمها، وحماراً ينبغي تركُه جانباً وعدمُ امتطائه إلا للضرورة وللتعرف على الحدود والعقوبات، زيادةً في الترهيب والإرهاب، وعدم استعماله في مخاطبة أولي الأمر والشيوخ الكهنة على الخصوص، تَحَسُّباً واجتناباً للطرد من رحمتهم؟!!
أليس من معجزات هذا الزمان العجيب أن يظل موجوداً بيننا، في عصرنا هذا، أمثال هذه الطفيليات البشرية المتغذية على فقاعات الفكر والفهم الآبائيَيْن السقيمَيْن والمتردّيَيْن، المشرعِنة لاستبداد المشايخ الأموات، من المستندين على الفتاوي الداعية إلى الخنوع والرضا بكل أشكال الظلم والبغي، تحت شعار يردده هؤلاء على مسامع القطعان الملتفة حولهم: “إذا أصاب الفقيه فعليكم الشكر، وإذا أخطأ فعليكم الصبر”!!
أليست هذه المعادلة نقيضاً لمبدأ “الائتمار بالمعروف فيما بين المسلمين والانتهاء فيما بينهم عن المنكر” امتثالاً لأمر الله الوارد بصريح العبارة في مُحكم آياته؟!!
معذرة إذَنْ لهذا الشيخ “الجليل” عن استعمالي العقلَ في التعقيب على تحقيره للعقل، ذلك التحقير الذي لا أشك أن آلافاً مؤلفةً من المحيطين به من البسطاء سيجدون فيه مبرراً لترك عقولهم “خارج التغطية”، أو ربطها كما تُربَط الحمير والبغال إلى إحدى سَواري الجهالة وأعمدتها التضليلية، كتعبير عن الخنوع لعقلٍ حِماريِّ الطبيعة يستمد طاقاته المُضِلَّة من زريبة عقول سلف “صالح” في مثل “صلاح” ابن تيمية، وكشك، والقرضاوي، والشعراوي، والحويني… وأمثالُهم في هذا الغَمّ كُثْر… للهِ على بَلْوَاهُ الحمدُ والشكر!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر صورة الواجهة: يوتيوب، “دماغك دي عبد”.