قضية الوزير السابق والبرلماني محمد مبديع (مغرب التغيير ـ 2023/05/31)

قضية الوزير السابق
والبرلماني محمد مبديع
مغرب التغيير – الدار البيضاء في 31 مايو 2023
البداية:
ولد “السي محمد” سنة 1954 بمدينة الفقيه بن صالح، ودون أن يحصل على شهادة الباكالوريا، انتخب نائبا برلمانياً، ثم عيّن وزيراً مكلفا بالشؤون الإدارية وتحديث الإدارة العمومية، ليس لكفاءاته المشهودة، وإنما لكونه عضواً في المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية، الذي رشحه لذلك المنصب، ولتلك القفزة النوعية التي ما كان ليحلم بها قبل أن تصير واقعاً مثيراً للانتباه.
يترأس جماعة الفقيه بن صالح لفترة تفوق 23 سنة، ليجد نفسه، من هذا الموقع بالذات، نزيلاً بسجن عكاشة بالدار البيضاء بقرار من قاضي التحقيق بتهم ثقيلة تتمثّل في “اختلاس وتبديد أموال عمومية، والتزوير، والرشوة، والغدر، واستغلال النفوذ… وغيرها، والمشاركة في ذلك.
وقد اتجه التحقيق فضلاً عن ذلك صوب شواهد طبية صورية ظلّ محمد مبديع يدلي بها إلى الشرطة القضائية للتنصل من المتابعة (أنظر: “سجن عكاشة يستقبل البرلماني مبديع” هسبريس 27 /4/2023. وأيضاً: “إحالة ملف وزير سابق على النيابة العامة” assabah.maمارس 2020 مؤرشف من الأصل في 7/4/2020. وأيضاً: “شكاية ضد مبديع تتهمه بتبديد أموال عمومية والاغتناء غير المشروع” مؤرشف من الأصل في 2021-02-23. وأيضاً: “الفرقة الوطنية تستمع لحماة المال العام”… “النيران تحاصر الوزير السابق مبديع” مؤرشف من الأصل في 2020-05-23).
كانت البداية إِذَنْ، برصد المفتشية العامة بوزارة الداخلية لخروقات كثيرة في تدبير عدد من الصفقات العمومية بمدينة الفقيه بن صالح، التي يرأس جماعتها السيد محمد مبديع، الأمر الذي وقف عليه قضاة المجلس الأعلى للحسابات بدورهم، والذين سجلوا في شأنه تقريراً أسود عن تسيير الجماعة المذكورة، كما قام الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات، برفع ملف اختلالات الوزير السابق محمد مبديع، إلى النائب العام بمحكمة النقض (“مطالب بالتحقيق في “اختلالات” ببلدية الفقيه بنصالح“. Hespress. مؤرشف من الأصل في 5 مارس 2020) وذلك بعد تقديم الجمعية المغربية لحماية المال العام، لشكاية ضد محمد مبديع حول تبديد أموال عمومية، والاغتناء غير المشروع، وخرق قانون الصفقات العمومية، وعدد آخر من الاختلالات المالية، والقانونية، والتدبيرية في بلدية الفقيه بن صالح، التي يسيرها محمد مبديع كما سبق القول منذ 23 سنة.
القضية في الساعة الراهنة:
السيد محمد مبديع موجود الآن في حالة اعتقال، على ذمّة التحقيق، والأمر يتعلق بقضايا فساد وتبديد للمال العام واستغلال للنفوذ. والحال ان هذا الحدث جاء في توقيتٍ يطرح أكثر من علامة استفهام. فالرجل، زيادة عن كونه قيادياً في حزب الحركة الشعبية اليميني، المنتمي حالياً إلى المعارضة البرلمانية، ورئيساً للمجلس الجماعي لمدينة الفقيه بن صالح، كان، كما سبقت الإشارة، وزيراً منتدباً مكلفاً بالوظيفة العمومية، وزيادة على ذلك، انتُخب مؤخَّراً رئيساً للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب، الشيء الذي شكّل وحده مفارقةً في غاية الغرابة!!
إن إحالة مبديع على التحقيق، في هذه الظرفية بالذات، من شأنها أن تدفع المتتبعين إلى طرح أسئلة كثيرة من بينها على الخصوص:
– هل أخطأت قيادة حزب الحركة الشعبية التصرف بجعله يترشّح لرئاسة اللجنة النيابية المذكورة، والتي ليست أيَّ لجنة، بل يمكن اعتبارها سيّدة اللجان وأقواها وأثقلها بلا مغالاة؟
– هل كان انتخابُه ذاك على رأس تلك اللجنة هو الذي عجّل بتوجيه الكاشفات الضوئية والكاميرات تجاه شخصه وبالتالي التسريع باعتقاله؟
– هل سبّب هذا الانتخاب، بالذات، حرجاً سياسياً للسلطة في لحظة تتقاطع فيها حساباتُها المتعلقة ببسط السيادة على الحقل السياسي بغرض إعادة تشكيله وهيكلته؟
– هل لذلك علاقة بالظرفية المغربية الراهنة، والتي تلت هزيمة الإسلاميين في انتخابات 2021 مما شكّل صدمة مزدوجة أراحت البعض إلى حد الإحساس بالنصر، وأتعبت البعض الآخر إلى حدّ الشعور بالإنهاك والمَهانة؟
– أم أنّ السياق الإقليمي الذي صار يطرح تحدّياتٍ كبرى على الدولة المغربية هو السبب في هذا التحوّل، ولاسيما في ظل تتالي وتتابع التقارير الخارجية والدولية التي يجوز اعتبارُها معاديةً للمغرب، كالقرار الذي تبنّاه البرلمان الأوروبي بشأن الحقوق والحرّيات في بلادنا، في مطلع السنة الجارية؟
– وهل أصبح فساد النخب المحلية التي تُدير مجالس الجهات والعمالات والأقاليم عبئاً على السلطة، التي وجدت نفسها في ورطةٍ في ظلّ الصعوبات التي تواجهها على صعيد التنزيل المعقلن لمقتضيات ”الجهوية المتقدّمة” على أرض الواقع؟
– وأخيراً وليس آخراً، هل أصبحت الحساسية المتزايدة للرأي العام، أو الشارع العام المغربي تجاه الفساد، بالقوة الكافية لجعل السلطة تُقْدِمُ على مثل هذا النوع من المحاسبة، المبنية على تقارير المفتشية العامة لوزارة الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات، فضلاً عن المتابعات اليومية واللصيقة لوسائل الإعلام، وبصورة خاصة، لوسائل التواصل الاجتماعي، التي صارت بحق، “قوةً اقتراحيةً” يصعب تَجَاهُلُها؟
كل هذه الأسئلة إذَنْ، وغيرها، تأتي لتُلقي بظلالها على قضية محمد مبديع، التي قد تنتهي جلساتها الماراثونية بإدانته وسجنه، وبفتح المجال بالتالي على مصراعيْه أمام حقبة سياسية جديدة تبصم على تعاطي السلطة مع النخب الإدارية والجماعية والبرلمانية الغارقِ بعضُها في الفساد، والمتردّدة فضائحُها على ألسنة الخاص والعام في مختلف جهات المملكة.
فهل ستشكّل هذه القضية رسالة صريحةً إلى الطبقة السياسية التقليدية بضرورة تجديد نخبها الجهوية والإقليمية والمحلية، والانفتاح على شرائح اجتماعية جديدة، ولِمَ لا شرائح شابة تجر وراءها ملفات نقية وخالية من مثل هذه الشوائب؟
ذاك هو السؤال… في انتظار ما ستنتهي إليه ماجريات هذا الملف، المثير للكثير من المداد، واللغَط، في ساحة سياسية مضى عليها زمانٌ لم تشهد فيه مثل هذا الغليان والإثارة!!