
مغرب التغيير 26 يونيو 2023
تتصدر ملفات الفساد بين الحين والآخر واجهة المشهد السياسي في المغرب مع توالي المواقف، وخاصة بعد إيداع الوزير السابق ورئيس بلدية الفقيه بنصالح محمد مبدع، السجن في سياق تحقيقات حول شبهات “اختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير والرشوة والغدر واستغلال النفوذ وغيرها، والمشاركة في ذلك” (أنظر مراسلة سابقة).

والواقع أن قرار قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، إيداع الوزير السابق السجن، كان غير متوقع لدى كثير من المتتبعين للشأن العام، بعد أن تأجلت متابعته قضائياً لزمن غير يسير ولأسباب غير معروفة، منذ تقديم فرع “الجمعية المغربية لحماية المال العام” بجهة الدار البيضاء في 28 يناير/ كانون الثاني 2020، شكوى ضده، قبل أن تسرعها عودته إلى الأضواء بعد انتخابه بتارخ 17 إبريل الماضي رئيساً للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، وهو المنصب قدم استقالته منه بمجرد تقديمه للنيابة العامة.
والحال أن كثير من الملاحظين بدأوا، قبل هذه الواقعة، في طرح السؤال حول مدى جدية السلطات وقدرتها على فتح ملفات الفساد، والقطع مع الإفلات من العقاب، وإخضاع المسؤولين للمساءلة مهما كانت مواقعهم من المسؤولية.
وتقدّر الجمعيات العاملة في مجال حماية المال العام كلفة الفساد في المغرب بنحو 50 مليار درهم سنوياً، وهو ما يعادل حوالي 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
وزارة الداخلية كانت قد قدمت تقريراً برسم سنة 2022، في نوفمبر الماضي، ذكرت فيه أن عدد المنتخبين المحليين المتابعين أمام القضاء إلى غاية سبتمبر وصل إلى 39 منتخباً، من بينهم 17 رئيس بلدية و6 نواب للرئيس و7 أعضاء و9 رؤساء سابقين.

ويمكن القول إن تعامل السلطات المغربية مع مكافحة الفساد داخل الجماعات الترابية ظل متذبذبا بين تسريع تحريك المتابعة القضائية في حق بعض رؤساء البلديات في بعض الأحيان، وإبقائها حبيسة الأدراج في أحيان أخرى.
في السياق ذاته، رأى عزيز غالي، رئيس “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” في حديث مع “العربي الجديد”، أن اعتقال البرلماني محمد مبدع غير كافٍ للقول بوجود توجه لمحاربة الفساد، لافتاً النظر إلى أن المغرب بحاجة إلى مؤشرات أكثر قوة لتأكيد ذلك.
واعتبر غالي أن “اعتقال البرلماني لا يمكن إلا أن نعتبره خطوة إيجابية، لكن المسار الذي سيأخذه الملف هو الذي سيحدد الكثير من الأشياء.”
وأضاف أن “الإشارة القوية التي ستؤكد التوجه نحو محاربة الفساد، هي فتح مجموعة من الملفات التي يتورط فيها عدد من البرلمانيين والمسؤولين السياسيين، الذين كانوا موضوع شكايات متعددة حول نهب المال العام والفساد”، وأنه “إذا كانت هناك فعلاً إرادة سياسية لمحاربة الفساد، فهناك مجموعة من الملفات التي يجب فتحها، وأن يتقدم فيها التحقيق إلى نهايته، وليس الاكتفاء فقط بممارسات معزولة.”
من جهة أخرى وفي السياق ذاته، أعربت الباحثة في العلوم السياسية ذة. “شريفة لموير” عن اعتقادها بأنه قد آن الأوان لقطع “التطبيع مع الفساد” في المغرب واستعادة المواطن لثقته في مؤسسات البلاد. واعتبرت أن “القضاء يجب أن يكون فوق المصالح السياسية التي تطمس استقلاليته وتفرض ضغوطات من أجل مصلحتها داخل المجالس الترابية.”
ويبقى السؤال كبيراً ومحرجاً حول مسؤولية الأحزاب السياسية في تعميق أزمة الفساد في المغرب، وخاصة على صعيد المجالس المنتخبة، لأن الأحزاب تشكّل المشتل الذي يتخرج منه آلاف المترشحين لمختلف الاستحقاقات، ليتضح في خضم مساراتهم المهنية أن معظمهم لا تتوفر فيه شروط النزاهة والضمير المهني وتفضيل المصلحة العامة على المصالح الذاتية… وفضائح الكثيرين منهم تسير بذكرها الركبان، رغم عدم تعرّض سوادهم الأعظم للأضواء الكاشفة، وللمتابعة القضائية التي دائما ما ينتظرها الرأي العام على أحرّ من الجمر؟!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد من التفاصيل انظر “العربي الجديد”.