أي منفعة يمكن أن يحققها المغرب بانضمامه لمجموعة البريكس؟ (مغرب التغيير – الدار البيضاء 24 غشت 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 24 غشت 2023
تداولت الأوساط السياسية والاقتصادية المهتمة أخباراً متضاربة حول نوايا المملكة المغربية في الانضمام لمجموعة البريكس، دون أن يصدر عن المغرب أي موقف رسمي أو شبه رسمي ينفي أو يؤكد هذه الأخبار، مما يوحي بأن هناك طروحات مغربية حول هذا الموضوع، ربما يميل بعضها للقبول بهذه الخطوة، التي ستكون جرّيئة بكل المعايير، لولا أنّ ما ينفي نفعيتها، أكثر بكثير مما يؤيد قدرتها على الإتيان بأي قيمة مضافة لاقتصاد مغربي متنوّع الشركاء، ومتحوّل بخطا وئيدة ولكنها قوية وثابتة، نحو الانتماء لخانة الاقتصادات الصاعدة.

لا يختلف اثنان، على أنّ الأساس الفكري، أو بالأحرى الإيديولوجي رغم ما يقال عن “موت الإيديولوجيا”، الذي تأسّست على ضوئه مجموعة أو منظمة البريكس هذه، متشكّلةً في بداية نشأتها من كل من الصين وروسيا الاتحادية والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، إنما هو إحلال نوع من التوازن في النظام الاقتصادي العالمي الجديد، الذي مال كل الميل لجهة المعسكر الغربي منذ سقوط جدار برلين ومعه الاتحاد السوفياتي، والذي ترى هذه المجموعة أن الأوان قد حان لمواجهته بقوى اقتصادية متكتلة، شرقية، تقلل من هيمنة الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي على الأسواق العالمية، وتضع حدا لسيطرتهما شبه الكلية على بورصات القِيَم العالمية، وهو ما يتناغم مع الجدلية السياسية الجديدة، التي أنتجت قوة اقتراحية دولية جديدة تحل محل الاتحاد السوفياتي، غير المأسوف على رحيله، تتشكّل أساساً من روسيا والصين والهند وكوريا الشمالية، مع البرازيل وجنوب إفريقيا الأقل وزناً، وربما انضمت إليها إيران في مرحلة قادمة، مكوِّنةً بذلك، مركزَ الثِّقَل المقابل والمضاد، في المعادلة الجدلية الجديدة: “شرق/غرب”، كما كان عليه الأمر بين الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية وحلف وارسو من جهة، وأمريكا وأوروبا الغربية وحلف الشمال الأطلسي في الجهة المقابلة، وبذلك يتحقق انبعاث “الجدلية التاريخية” من جديد، بعد أن حكم عليها المفكر الياباني فوكوياما بالانقراض، فإذا هي تنبعث من رمادها كما يفعل طائر الفينيق، أو العنقاء، في الميثولوجيا اليونانية.
لكن ما علاقة هذا كله أو بعضه بفكرة التحاق المغرب بالبريكس، تذكيراً بما سبق قوله عن غلبة الدوافع السلبية على نظيرتها الإيجابية بخصوص هذه الفكرة؟
أوّلاً: إن المغرب شريك بالغ التميّز للمعسكر الغربي، في صيغتيْه القديمة والجديدة، ويتمتع بحظوة شديدة الخصوصية لدى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الشمال الأطلسي (الناتو) من جهة، ولدى الاتحاد الأوروبي، المنتمي إلى نفس الحلف الإستراتيجي العسكري من جهة ثانية، وبالتالي فمن الصعوبة بمكان أن يغامر المغرب بفقدان هذه المكانة بعد أن فاز بها عن جدارة واستحقاق، وحقق فعلاً بفضلها مكاسب كثيرة لا يُنكرها إلاّ جاهلٌ أو متحامل؛
ثانياً: إن المغرب تربطه بدول هذا الحلف اتفاقيات للشراكة والتعاون تتفوّق وزناً وقيمةً على الاتفاقيات المماثلة التي تربطه ببعض دول الخندق الشرقي، وخاصة روسيا والصين والهند، وبالتالي فأي مقارنة يمكن إجراؤها بين هذين الارتباطيْن لا يمكن أن تكون إلاّ في صالح الجانب الأمريكي والأوروبي الغربي؛

ثالثاً: إن المغرب يعاني عناءً جسيماً من صفاقة وعدوانية جارته الشرقية، الجزائر، وهذا يشكّل في الظرفية العالمية الراهنة حالةً منقطعة النظير، لأنها نابعة من سكيزوفرينيا نظام عسكري جزائري لم يستطع أحد من كل حكام ومفكري ومنظري العالم أن يفهم دوافعه ولا حتى أهدافه، بكل بساطة، لأنه هو ذاته لا يفهم ذلك ولا يجد له أيَّ تفسير منطقي أو معقول يمكن أن يُقنِع به غيرَه من المتتبّعين والملاحظين!!!
وهذه الحالة بالذات، دفعت المغرب أكثر فأكثر إلى توخّي الحذر الشديد من الحركات المتشنّجة والعشوائية للنظام الجزائري المريض، الذي أوغل في الإضرار بذاته وبمواطنيه أكثر من إضراره بغيره، أو بالمغرب تحديداً، وصار يترنح قاذفاً شرارات عدوانيته ذات اليمين وذات الشِّمال، فلم يكن هناك من خيار صائب وحكيم سوى عقد شراكات غير مسبوقة للتسليح، وللدفاع المشترك، وكذا لتبادل الخبرات والمعلومات والتكنولوجيات الأمنية والعسكرية الدفاعية، ولِمَ لا أيضاً الهجومية، تحسُّباً لكل طارئ مفاجئ قد تأتي به تشنجات ذلك النظام؛
رابعاً: إن هذا التوجّه التوقّعي والوقائي عمّق أيضاً أواصر التعاون والشراكة على أصعدة الاقتصاد والتجارة والثقافة بين المغرب وأمريكا وإسرائيل، وبينه والاتحاد الأوروبي ككتلة أوروبية موحدة، فضلاً عن علاقاته الثنائية مع كل بلد من بلدان هذا الاتحاد، والقائمة على مبدأ “رابح/رابح”، الذي اتخذه المغرب شعاراً فعّالاً في علاقاته بمختلف بلاد المعمور بلا استثناء، وهو الشعار الذي يمنح كل الأولوية لخدمة مصالح الوطن والمواطنين، لدى المغرب ولدى شركائه، ويضع قصب السبق في سلّة هذه المصالح قبل غيرها بلا أدنى استثناء.
كل هذه الحيثيات، تجعل المغرب يفكر دهراً قبل أن يتخذ موقفاً يُرشّحه للانضمام إلى مجموعة البريكس، بالرغم من تمتعه بسيادته الكاملة على قراراته وخياراته، وبالرغم من شراكات مُهْوِلة من حيث حجمها المالي والاستراتيجي تربطه بروسيا الاتحادية، وبالصين، وكذا بالهند الصاعدة، وبغيرها من الدول المحتمَل انضامها لتلك المجموعة، ومن بينها، كما جاءت بذلك آخر الأخبار، دولتان من الخليج العربي تربطهما بالمغرب صلات وثيقة وحميمية، هما المملكة العربية السعودية واتحاد الإمارات العربية، فضلاً عن جمهورية مصر العربية.
إنّ المغرب متمتع بلا أدنى ريب بكامل حريته وسيادته في اتخاذه ما يخدم مصالحه من القرارات والاختيارات، ولذلك لم يُبدِ سواء في الأمد القريب، ولا حتى المتوسط، أي رغبة في الانضمام إلى مجموعة قد تنوّع شراكته أكثر، وقد تحقق له فوائد مادية ومالية أوفر، ولكنها لا تنتمي راهناً إلى دائرة أولوياته، بل قد استبعدتها تصريحات بعض مسؤوليه مؤخَّراً.
يبدو أن المغرب قد وضع لنفسه مساراً آخرَ مختلِفاً ومدروساً بعناية، وهو الآن منشغل تمام الانشغال بالسير فيه إلى نهاياته المسطَّرة والمتوقَّعة… والعبرة بما سيأتي مستقبلاً.