مهاجرو الساحل والصحراء غير الشرعيين: “ركام من المتاعب الزائدة”ᴉᴉ (مغرب التغيير – الدار البيضاء 27 شتنبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 27 شتنبر 2023
ويعود موضوع المهاجرين غير الشرعيين في المغرب، ككل سنة، وككل مرة، ليطفو على السطح من جديد، بعد إعلان المغرب عن خطط متوالية لتسوية أوضاع الأجانب الذين يقيمون في البلد بدون وضع قانوني في خطوة استثنائية، الظاهر أنها سيستمر العمل بها إلى ما لا نهاية، رغم أن السلطات المغربية المعنية سبق لها أن حددت مواعيد عدّة لوقف هذا الإجراء الاستثنائي، الذي صار محرجاً للغاية، سواء بالنسبة للسلطات ذاتها، أو لفئات اجتماعية مغربية يقع لها تماسّ يومي يسفر أحيانا عن حالات شجار وصدامات دامية كتلك التي تقع بين الحين والآخر بين فرّاشين مغاربة ونظرائهم الأفارقة.

كانت تلك الخطوة في بدايتها تستهدف المهاجرين الذين يقيمون في البلاد بصورة غير شرعية، والذين كانت تقديرات أولية لوزارة الداخلية تفيد بأن عددهم يتراوح بين 25 ألفا و40 ألفَ شخص، وربما هم الآن أكثر من ذلك بكثير، معظمهم من دول أفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى، اضطروا إلى البقاء في المملكة بعد فشلهم في الوصول إلى أوروبا.
الوزير المكلف بشؤون الهجرة، في حكومة سابقة، كان قد ذكر في حوار له مع الصحافة أن المبادرة القائمة تشكل تحولا حاسما في مجال التعامل مع إشكالية الهجرة، ليس على المستوى الإقليمي فقط، بل أيضًا على المستوى الدولي، وأكّد أن المغرب يعتمد الآن مقاربة جديدة للجوء والهجرة أثنى عليها المجتمع الدولي بقوّة.
والحال أنّ إعلان المغرب عن بدء تنفيذ خطة غير مسبوقة لتقنين أوضاع اللاجئين غير الشرعيين للبلاد، تلقاها بعض المهاجرين الأفارقة بحذر، فيما علق عليها بعض المنظمات الحقوقية بوصفها “غير كافية”.
من جهة أخرى، أدلى بعض المهاجرين المعنيين بتصريحات للصحافة، هنا وهناك، تنم عن شعورهم بنوع من “الحكرة” من جراء المعاملة السيّئة التي يلقونها من بعض المواطنين المغاربة، وخاصة من لدن المتسكعين والفرّاشة، الذين يرون أن الوافدين الأفارقة لا يفعلون منذ مجيئهم سوى أنهم يزاحمونهم فوق إسفلت الشارع العام، بما يفرشونه هم الآخرون من بضائع يستطيع بعضها أن ينافس ما يَعرِضه “أولاد البلاد”، ومن هنا تنفجر نزاعات وشجارات تخلف وراءها في غالب الأحيان جرحى ومكلومين من الجانبيْن… وبصراحة، يقول أحد الفراشة المغاربة بباب الأحد بعاصمة المملكة: “حنا ما ناقصين هذا الصداع الجديد اللي جا وتسلط علينا هكذا على غفلة”!!
أحد الفراشة الأفارقة، علق بدوره قائلاً: “إنهم يعاملوننا بطرق أقرب إلى الهمجية منها إلى أي سلوك آخر… فكأننا في نظرهم حيوانات”… مشيرًا بذلك على الخصوص، إلى معاملة الفرّاشة المغاربة بالتحديد للمهاجرين الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء، والتي لا تليق بسمعة الكرم المغربي، وتحرم الوافد الإفريقي من الإحساس بالأمان، فضلاً عن الإجهاز في بعض الحالات على بضاعته المتميّزة في غالب الأحيان بالبساطة والأثمنة الزهيدة.

للإشارة، فقد حملت قصاصات الأخبار في وقت سابق مقتل مهاجر سنغالي على يد مواطن مغربي بادر إلى طعنه على إثر شجار له مع امرأة مغربية نعتته بأقذع الأوصاف، فضلاً عن نبأ اغتصاب مهاجرة شابة من دولة إفريقية أخرى على أيدي شباب مغاربة طائشين وغاضبين، وهناك أحداث مماثلة تزيد أو تقل خطورة يتم تسجيلها بين الحين والآخر، وخاصة في المواقع التي يكثر فيها عدد الأفارقة النازحين، كغابات الضواحي بالشمال، والمساحات المحيطة بمحطة أولاد زيان بالبيضاء، وأماكن أخرى في وسط وجنوب البلاد.
على الصعيد الرسمي، هناك رغبة في معالجة مسألة إقامة هؤلاء بنوع من المرونة ومن التفهّم، غير أن الأمر على المستوى المدني يطرح الكثير من الأسئلة، مما عبر عنه أحد الظرفاء بقوله: “زيد الهمّ على الهمّ“، مشيرًا بذلك إلى هموم المجتمع المغربي القائمة والوازنة، والتي تنضاف إليها الآن هموم لاجئين لا يمكن أن يرضوا بغير المعاملة المتكافئة مع “وليدات البلاد”… ويبقى السؤال هو: إذا كانت الدولة المغربية تكابد من أجل حل مشاكل أبنائها، فكيف لها والحالة هذه أن تجد الحلول المناسبة لمشاكل الوافدين عليها من دول ومجتمعات أجنبية، يتخذون المغرب في البداية كنقطة عبور، ثم لا يلبثون أن يستوطنوا فيه خارج القانون والعُرف والعادة؟
صحيح أن بعض هؤلاء النازحين استطاع الاندماج في التربة والبيئة المغربيتيْن الاجتماعيتيْن، بلا كبير وجع، ولكن البعض الأكبر منهم صار مصدر متاعب لا حصر لها، حتى أن من هؤلاء مَن يواجه تهماً ثقيلة كالتحرش الجنسي، والسرقة، والعنف الجسدي، واحتلال أبنية بغير وجه حق… فضلاً عن انتشارهم اليومي بين السيارات والمركبات العابرة في عمليات تسوّل هي أقرب إلى الاسترزاق تحت التهديد، وفضلا عن كل هذا الصداع، الذي نحن في غنى عنه الآن وأكثر من أي وقت مضى، ما زلنا نذكر الأحداث الدامية التي تسببت فيها جحافل هؤلاء الأفارقة عند محاولتها اختراق السياج الفاصل بين التراب المغربي ومدينة مليلية المحتلة، مما أدى إلى وفيات قامت لها الدنيا آنئذ ولم تقعد، حتى حاول جيران السوء من جهة الشرق المغربي الركوب عليها وتحويلها إلى مرثية إنسانية!!!
والآن، ألا تستحق هذه الظاهرة مساهمة فعالة للمجتمع المدني، بمختلف مؤسساته وهيئاته، وفي طليعتها أحزابه، النائمة على جنبها الأيمن، بوصفها قوة اقتراحية وازنة، لعلها تقدم بذلك دعماً ولو معنويا لإدارات معنية ومختصّة يبدو أنها مغلوبة على أمرها أمام هذا “الهمّ الزائد”؟!!