مختلفات
أخر الأخبار

يشيرون بأصابعهم إلى الفساد ويعجزون عن التصدي له رغم صلاحياتهم الواسعة !! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 14 أكتوبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 14 أكتوبر 2023

هناك فئات مختلفة من المفسدين لا نقول إنها “ينبغي عليها أن تلغي ذاتها”، بل نقول عن قصد إنها “ينبغي أن تنقرض بفعل فاعل”، والفرق واضح بين الصيغتيْن: 

ـ فالصيغة الأولى، توحي بوجود إرادة ذاتية في الاختفاء والانقراض، وهذه يستتبعها فعل تلقائي يهدف إلى تدمير ذاتي له مسوغاته ومبرراته، وهذا الفعل يُعتبَر في حكم المستحيل لأن مفسدينا لن يضعوا حدًا لفسادهم من تلقاء ذواتهم، إذْ هم عاجزون عن ذلك نظرًا لتغلغل الفساد في دمائهم وفي شرايينهم؛

ـ والصيغة الثانية، تومئ إلى فعل من خارج الذّوات الفاسدة، يرمي إلى تحطيم تلك العيّنات وإلغاء وجودها لأنه يهدد وجود الآخرين، ويقوّض أهمّ ما يجمع بينهم من القيم والنظم والعلاقات… وهذه بدورها في غاية الصعوبة والامتناع ما دام مسؤولونا الذين يمسكون بأيديهم وسائل الفعل وأدواته يجتهدون، فقط لا غير، في توصيف الفساد والإشارة إليه بالبنان كما يفعل عموم المواطنين، دون أن يستثمروا سلطهم وصلاحياتهم لمحاربته… وهذه هي المعضلة.

أصوات مغاربية

الأمر يتعلق، أيضًا، بالدعوة إلى ابتكار صيغ مناهِضة ومضادة لما يُرَوِّج له البعض من أفكار في غاية الانهزامية، أو تروم نشر الإحساس بالانهزام والاندحار أمام الفساد والاستبداد، وتبحث لذلك عن مسوّغات في منتهى العبث.

مثال ذلك: إطلاق بعض هؤلاء لمقولة إنّ المغاربة لا يزالون في حاجة إلى “الدكتاتورية والاستبداد العادليْن”، لأنهم جنس “كاموني” منفلِت، وخارج عن الطوع، وإنّ الوقت لم يحن بعد لتمتيعهم بهامش أوسع من الحرية ومن وصيفاتها الأخرى، من ديمقراطية وشفافية وحكامة جيدة… إلى آخر قائمة من القِيَم والمُثُل لم يعد ينادي بتكريسها مثقفو هذا الزمن الرديء.

ومَن يدري، فقد يكون تأبيد هذا الواقع الملتبِسِ بالذات، هو الكامن وراء ترك تعليمنا واهنًا، أو منحطًّا، أو ساقطًا كما وصفه وزير سابق للتربية الوطنية بعظمة لسانه (المرحوم الوفا)، ليُقال بعد ذلك إن المغاربة ناقصو وعي، وبالتالي ما زالوا محتاجين إلى “قوة استبدادية عادلة” تدير شؤونهم؟

و العجيب أن مروجي هذه المقولة ومثيلاتِها، نجدهم في كل مكان تقريبًا: في المقاهي والفضاءات العامة، في الأسواق، في الحمامات، في النوادي، في الملاعب الرياضية… ويجدهم المرء سالكين ذلك المنحى الدعائي على قدم وساق، وبهمة عالية، كما لو كانوا موظفين برواتب وأجور قارة للقيام بهذا “الواجب” الغريب !!

والأغرب، أن هؤلاء لا يكفِيهِمْ الترويج لمثل هذه الأطروحات العبثية، بل يجتهدون كثيرًا في تسويغها إزاء ضعاف النفوس والعقول عن طريق ربطها بمطلب الاستقرار جاعلين هذا المطلب ذريعة ومبررًا كافييْن لتبرير ما لا يزال يسكن بيننا في غرة الألفية الثالثة من مظاهر البَغْيِ والاحتقار إزاء عامة المواطنين.

هذه المظاهر، وإن كانت قد خفّت حدتها على مستوى أجهزة وآليات السلطات العمومية المركزية، نتيجة ضغط سياسي وحقوقي بعضه داخلي، وبعضه الآخر يأتي من خارج الوطن، فإنها تظل واقعًا لا يُرتفع عليه على مستوى عقليات متحفية ما زالت تتحكم في مناطق وجهات وأقاليم ودوائر ترابية غير قليلة، وما زالت تتيح كل الفرص الممكنة لأسر أخطبوطية ذات نفوذ وهيمنة كي تُحكِم قبضتها على مقدّرات البلاد والعباد في تلك المناطق، كتلك التي أشار إليها والي سابق بجهة كلميم السمارة في معرض كلامه، مميِّزًا إياها بكونها لا تحترم خطاب الملك، الذي كان جادًّا وصارمًا في القطع مع ثقافة الريع، مضيفًا بأن هؤلاء، حسب تعبيره، “غير كايدوز الخطاب الملكي كيرجعوا لفعالهم، مع أن الخطاب الملكي وتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كانا واضحيْن في ضرورة القطع مع منطق الريع”.

الأدهى من هذا كله، أن الوالي المذكور قال إن أحد أفراد تلك الأُسَر لا يتوقف عن القول: “ما كاينش اللي ما كيتشراش فالمغرب” (!!!) وهذا القول الصريح والفاضح وحده كان يستوجب مساءلة قائله في حينه، لأن هذا الشخص لا ريب أنه معروف كما توحي بذلك تلك الإشارة، ولأنه يعترف من تلقاء ذاته بالإرشاء والارتشاء أو بأحدهما. ولو أن الوالي نفسه تخطى “فعل الإخبار السلبي” هذا إلى “واجب البحث والتقصّي الإيجابييْن” بوسائله وسلطاته العمومية، في محيط القائل وبيئته الريعية، لوجد ما يثبت تورُّطَ ذلك الشخص فيما شهد به من تلقاء ذاته، ولألفى قرائن زاخرة بالأدلة الدامغة تُوَرِّطُهُ أو تُدينُ أسرته النافذة. ولو أن الوالي أراد إسداء هذه الخدمة النبيلة بالفعل لا بالقول فحسب، لاكتفى، على الأقلّ، بإحالة القائل على النيابة العامة للقيام بالمتعيّن.

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه في هذا الموقف بكل إلحاح، هو:

إذا كان المغاربة قاطبةً يعرفون مُسْبَقًا هذا الواقع، والذي يذكّر به بين الحين والآخر بعضُ وزراء الحكومات المتعاقبة والمسؤولون الدائرون في فلكها، وأنّ هؤلاء المسؤولين بالتالي لم يأتوا بأي جديد (إذ نجد على سبيل المثال اعتراف وزير سابق مكلف بالوظيفة العمومية بوجود آلاف مؤلَّفة من  الموظفين الأشباح، وإشارته إلى مواقع عدد كبير منهم)، فما الذي منعهم جميعُا، أو منع الشجعان الغيورين منهم، من ابتكار خطة لمحاربة ذلك الريع، ومن الانتقال من مجرد القول والإشارة بالأصابع إلى التنفيذ والتطبيق بما لديهم من صلاحيات واسعة بقوة الدستور وتحت غطاء القانون؟ ما الذي منعهم وما زال يمنعهم من ذلك؟ ذاك هو السؤال!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى