دستور المملكة من خلال عشرة محاور مختلفة* (مغرب التغيير – الدار البيضاء 8 أكتوبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 8 أكتوبر 2023
من بين أبرز معالم هذا الدستور، تنصيصه الصريح على الفصل التام بين السلط. ومن معالم هذا الفصل، تقسيم الفصل 19 في الدستور الحالي إلى فصلين، فصل مستقل يتعلق بالصلاحيات الدينية للملك كأمير للمؤمنين ورئيس للمجلس العلمي الأعلى، الذي تم الارتقاء به إلى مؤسسة دستورية، وفصل آخر يحدد مكانة الملك كرئيس للدولة بوصفه ممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة والضامن لدوام الدولة واستمرارها واستقلالها وسيادتها ووحدتها الترابية، والمؤتمن على الخيار الديمقراطي، وعلى حسن سير المؤسسات الدستورية. ويمارس الملك مهامه السيادية الواردة في هذا الفصل، استنادا إلى مقتضيات فصول أخرى، علما بأن التشريع يظل اختصاصا حصريا للبرلمان. ويمكن أن يُفرأ الدستور المغربي من خلال عشرة محاور رئيسية كالتالي:
المحور الأول: التكريس الدستوري للملكية المواطنة والملك المواطن وذلك من خلال النص على أن شخص الملك لا تنتهك حرمته، وعلى الاحترام والتوقير الواجب له كملك ورئيس للدولة. وتحديد بلوغ الملك سن الرشد في 18 سنة بدلا من 16 سنة، أسوة بكافة المغاربة. وتخويل رئاسة مجلس الوصاية لرئيس المحكمة الدستورية، باعتبارها مسؤولة عن احترام الدستور. وكذا جعل تشكيلته تضم كافة السلطات الدستورية، وذلك بإضافة عضوية كل من رئيس الحكومة والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فضلا عن الارتقاء بتمثيلية العلماء من خلال عضوية الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى؛
المحور الثاني: التنصيص على أن الأمازيغية لغة رسمية للدولة، إلى جانب اللغة العربية؛
المحور الثالث: التنصيص دستوريا على حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميا، بكل آليات حمايتها وضمان ممارستها؛
المحور الرابع: يتعلق بالسلطة التنفيذية، حيث يتم الارتقاء بالمكانة الدستورية للوزير الأول إلى رئيس للحكومة وللجهاز التنفيذي الذي يتم تعيينه من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، تجسيدا لانبثاق الحكومة عن الاقتراع العام المباشر؛
المحور الخامس: تكريس سمو مكانة مجلس النواب، بتخويله الكلمة الفصل في المصادقة على النصوص التشريعية وتعزيز اختصاصاته في مراقبة الحكومة لاسيما بتكريس المسؤولية الحصرية للحكومة أمام المجلس. ويحتكر البرلمان سلطة التشريع وسن القوانين وتوسيع مجال القانون ليرتفع من 30 مجالا في السابق، إلى أكثر من 60 مجالاً. وينص على منع الترحال البرلماني (الانتقال من حزب إلى آخر أثناء الفترات التشريعية) وحصر الحصانة البرلمانية في التعبير عن الرأي فقط، وعدم شمولها لجنح وجرائم الحق العام. كما تم التنصيص على حذف المحكمة العليا الخاصة بالوزراء، تكريسا لمساواتهم مع المواطنين أمام القانون والقضاء.
أما بالنسبة لمجلس المستشارين (الغرفة الثانية) فإن الدستور ينص على أن يتراوح عدد أعضائه بين 90 و120 عضوا، وينص المشروع على تمثيلية نقابية مناسبة، وكذا للهيئات المهنية الأكثر تمثيلية. وبشأن المغاربة في الخارج أعلِن عن تخويلهم تمثيلية برلمانية متى نضجت الصيغة الديمقراطية لذلك، علما بأنهم يتمتعون بحق الانتخاب في غرفتَي البرلمان؛
المحور السادس: تخويل المعارضة البرلمانية نظاما خاصا وآليات ناجعة تعزيزا لدورها ومكانتها في إثراء العمل البرلماني تشريعا ومراقبة، حيث تم تمكينها من حق التمثيل النسبي في كافة أجهزة البرلمان، وتقرر أن يقدم رئيس الحكومة عرض مرحلي حول العمل الحكومي وإجابته على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، وكذا تخفيض النصاب القانوني لتقديم سحب الثقة وتكوين لجان التقصي وإحالة مشاريع القوانين على المحكمة الدستورية، وكذا منح اللجان البرلمانية صلاحية مساءلة المسؤولين عن الإدارات والمؤسسات العمومية تحت مسؤولية الوزراء المعنيين؛
المحور السابع: ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية تكريسا لاستقلال القضاء الذي يضمنه الملك، وذلك بالنص صراحة في مشروع الدستور، على أن النطق بالحكم حتى وإن كان يتم باسم الملك، فإنه يتعين أن يصدر بناء على القانون. وصيانة لحرمة القضاء، فقد تم تجريم كل تدخل للسلطة أو المال أو أي شكل من أشكال التأثير في شؤون القضاء.
فضلا عن ذلك، اكتملت آليات الاستقلالية بإنشاء “المجلس الأعلى للسلطة القضائية” كمؤسسة دستورية يترأسها الملك، لتحل محل المجلس الأعلى للقضاء، وتمكينها من الاستقلال الإداري والمالي وتخويل رئيس محكمة النقض مهام رئيسها المنتدب، بدلا من وزير العدل سابقاً، تجسيدا للفصل التام للسلط.
وبالنسبة للمجلس الدستوري سابقاً، تم الارتقاء به إلى “محكمة دستورية” ذات اختصاصات واسعة تشمل علاوة على الصلاحيات السابقة، مراقبة دستورية الاتفاقيات الدولية، والبت في المنازعات بين الدولة والجهات، وتخويل هذه المحكمة صلاحية البت في دفع المتقاضين بعدم دستورية قانون تبين للقضاء أن من شأنه المساس بالحقوق والحريات الدستورية؛
المحور الثامن: منح الصفة الدستورية لبعض المؤسسات الأساسية، مع ترك المجال مفتوحا لإنشاء هيئات وآليات أخرى لتعزيز المشاركة الديمقراطية بنصوص تشريعية أو تنظيمية، وهذه المؤسسات هي: “المجلس الوطني لحقوق الإنسان”، و”مؤسسة الوسيط”، و”مجلس الجالية المغربية بالخارج”، و”الهيئة العليا للاتصال المرئي والمسموع”، و”المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي”، وتوسيع اختصاصات “المجلس الاقتصادي والاجتماعي” لتشمل القضايا البيئية. كما تم تعزيز المكانة الدستورية للأحزاب السياسية والهيئات النقابية والمهنية، ومنظمات المجتمع المدني بتخصيص عدة فصول لكل منها. كما تم إنشاء “مجلس للشباب” يكون دوره استشاريا؛
المحور التاسع: تعزيز آليات الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد، وذلك من خلال تعزيز دور المجلس الأعلى والمجالس الإقليمية للحسابات في مراقبة المال العام، وفي ترسيخ مبادئ الشفافية والمسؤولية والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وإضفاء صبغة دستورية على “مجلس المنافسة” و”الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها”.
وإنشاء مؤسسية استشارية (مجلس أعلى للأمن) يتولى الملك رئاستها وتضم في عضويتها رؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والوزراء والمسؤولين، والشخصيات المعنية، كما تختص بمعالجة القضايا الأمنية الإستراتيجية الداخلية والخارجية، الهيكلية والطارئة، وتكون بمثابة مؤسسة للتقييم وتقديم اقتراحات لترسيخ الحكامة الأمنية الجيدة في البلاد؛
المحور العاشر: التكريس الدستوري للجهوية المتقدمة أو الحكم اللامركزي، ويعتمد على لا مركزية واسعة ذات جوهر ديمقراطي في خدمة التنمية المندمجة، البشرية، والمستدامة، في نطاق وحدة الدولة والوطن ومبادئ التوازن والتضامن الوطني والجهوي، حيث تم تخصيص باب للجماعات الترابية، وللجهوية المتقدمة على أن يتولى قانون تنظيمي تحديد اختصاصات الدولة والجهات وموارد وآليات وتنظيم الجهوية. وليس من قبيل الصدف، أن كون الجهوية المتقدمة بمثابة توطئة مُثلى لجعل مشروع الحكم الذاتي للأقاليم المغربية الجنوبية موضع التنفيذ، نظراً للتقارب الشديد بين هذين التنظيمين الإداريين.
كان هذا بمثابة الوجه التنظيري للدستور من جهة، وللمؤسسات الدستورية المنبثقة منه من جهة ثانية… تُرى، ما هو الوجه العملي التطبيقي لهذه الآلية التنظيرية، وما هي تجلياتها في الحياة العملية، وعلى صعيد مختلف المؤسسات المذكورة وذات الصلة؟.. ذاك هو السؤال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- أرشيف “مغرب التغيير”.