لماذا نقدس ما لم يرد فيه نص يوجب التقديس؟!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 1 فبراير 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 1 فبراير 2024 ع.ح.ي.
كثر الحديث هذه الأيام.. في وسائل التواصل الاجتماعي التي ابتُلينا بها بسبب استعمالها من لدن كل من هب ودب.. عن اعتزام السلطات السعودية بأمر من ولي العهد ابن سلمان.. أو أي مسؤول غيره.. إزاحة جبلِ أحد.. أو جزءٍ منه.. لإقامة مشاريع تراها تلك السلطات أكثر نفعا لمواطنيها.. ولزوارهم ضيوف الرحمن.. الذين تتضاعف أعدادهم مع توالي السنين…

المتدخّلون في هذا الموضوع.. والمعقّبون عليه.. يتباكون بشكل يثير السخرية كما لو كان المقصود بالهدم بناء الكعبة او الحرم الشريف أو جبل عرفة.. أو طرفا الصفا والمروة.. التي تشكّل بلا جدال مواقع مقدسة.. وفضاءات لأداء الشعائر وتعظيمها.. للناس كافة.. وليس للمسلمين دون غيرهم.. وبالتالي لا يجوز المساس بها تحت أي مبرر…
القائلون في هذا.. وما أكثرهم.. اعتبروا هذا الإجراء السعودي “هدماً لشعائر الله”.. وبعضهم رآه “بداية لهدم الدين برمته”.. وكأن تلك الشعائر ومعها دين الله يستطيع بشر أو جان أن يطالها بأيّ سوء.. وما سمّيت بشعائر الله وبيوته إلا لكونها محفوظة بقدرته ومشيئته.. والمحفوظ.. للتوضيح.. هو جوهرها الباطني وليس ظاهرها… إذ أنّ هذه الأماكن لو أراد الله أن يقع المساس بظاهرِها أو أن تَنْدَرِسَ ويذهب رسمُها لما أعجزه ذلك.. ولكان قد وقع لحكمة يعلمها هو.. كما حدث عند ضرب الكعبة على أيدي قادة مسلمين كالحجاج بن يوسف الثقفي.. وكما فعل القرامطة بالحجر الأسود حين اختطفوه فلبث بين أيديهم عدداً من السنين… ويكفي أن نعلم ان الكعبة.. بالذات.. وقع هدمُها وإعادةُ بنائها مرّاتٍ متكررة.. لنفهم أن الأماكن والحجارة في ظاهرها ليست مقدسة.. ولم تكن أبداً كذلك.. وإنما التقديس لما ترمز إليه من القِيَم الدينية التعَبُّدية!!!
في مواقع التواصل الاجتماعي.. أيضاً.. استعرض بعضهم شجرة قال إن النبي كان يَستظِل تحتها.. فظهرت الشجرة في الصورة وقد أحاطوها بسياح يمنع الوصول إليها أو لمسها أو الاحتكاك بها.. وبدت بذلك شيئاً مقدّساً هي الأخرى.. وبدت من خلال ما كتبه المهووسون وقالوه عنها كأنها موطنٌ لقوى إعجازية.. يمكنها أن تشفي أمراضاً.. أو تُداوي عُقماً.. أو تَجلُبَ مَنافِعَ وخيراتٍ… وهَلُمَّ تَخَلُّفاً وعبَثاً!!!

نفس هذه المفاهيم نجدها حول ما حفِظَهُ وانغلَقَ عليه متحفُ تركيا الشهير من أشياء قيل إنها خاصّةُ النبي.. منها سيفه.. ومِكحلته.. وعباءته.. ونِعالُه وخصلاتُ شعرِه.. وأشياءُ أخرى يستحيل أن تكون لها الآن.. في زماننا هذا.. أدنى صلة بشخصه الكريم.. الجدير بالتقدير والتبجيل والمحبة بلا أدنى مُغالاة!!!
السؤال الذي يطرح نفسه في مثل هذه المواقف وبإلحاح شديد.. هو:
“لماذا نحن متخلفون إلى هذه الدرجة الخرافية والتي ليس لها نظيرٌ في مُختلِفِ الحضارات والثقافات”؟!!
ويأتي الجواب في صورة أحكام يصدرها شيوخ الضلالة من السلفيين وأمثالهم.. بالزندقة والمروق والكفر… في حق كل من تسوّل له نفسه الاعتراض على هذا الإفراط غير المنطقي وغير المعقول في العبث بعقول البسطاء.. لأن هذا من المنطق أن لا يستقيمَ وقوعُه وتَفَشّيه في زمن التكنولوجيا.. والعلوم الحديثة.. والرقميات.. والذكاء الصناعي… زمن تتجلى فيه أكثر من أي وقتٍ مضى.. قدرةُ الإنسان والعقل على الخلق.. ليتأكد أنهما قادرَيْن فعلا على الخلق.. مصداقا لقول الله عز وجل: “فتبارك الله أحسن الخالقين”.. هكذا بالجمع… فهل من الجائز لعقل قادر على الخلق أن يُغرِق في تقديس أشياءٍ ليست إلاّ مَحضَ أشياء!!!
ونعود إلى جبل أحُد.. وغيره من المآثر التاريخية التي استمدت قيمتَها من فكر الإنسان.. وليس من ميزة اختصّت بها دون باقي الأماكن والمواقع والمآثر…. لنجد أن المُتباكين على زوالها أو المساس بها لا يمكن وصفُهم إلاّ بالماضَويين إلى درجة الهوَس.. والوثنيين بلا وعي.. من الذين تركوا دينهم.. وجوهرَه المتجلي بصريح الكَلِمِ وبَليغِه في الكتاب الحكيم.. وتمسّكوا.. تَمسُّكَ الغريق بقشور ومظاهر ورسومٍ ليست لها في حد ذاتها أدنى قيمة.. إلا ما تُسبِغه عليها عقول ثنائية الأبعاد.. لا ترى ولا تفهم إلا ثنائيات الأبعاد الشبيهة بها.. دون إدراك منها لأي بُعد آخر يمكن أن يتشكّل منه عمقُ الأشياء وجوهرُها غير المنظور… عقولٌ ليست فيها بصائر.. ولذلك ترى وتفهم وتحكم بما تلتقطه الأعين وتطاله الحواس من المظاهر والملموسات وليس أكثر أو أعمق!!!
نهايتُه.. إنّ جبل أحُد استمد قيمته الاعتبارية من الوجود الفعلي والسابق للنبي الكريم فوق أديمه.. في زمانه ووقته تحديداً.. ولذلك اهتم القرآن بذكر الحدث الذي شهده ذلك الجبل (معركة أحُد) وليس أكثر من ذلك ولا أعمقَ.. مما يمكن أن يجعلَ له وزناً كالذي اكتسبته الكعبةُ مثلاً.. والحرمُ الشريفُ والصفا والمروةُ وعرَفة… فكفى تقديساً لأوثانٍ ما أنزل الله بها من سلطان…
لماذا يتنافس البعض على تقديس ما لم يرد فيه نص يوجب التقديس… باستثناء أماكن أداء الشعائر والمناسك؟ غريب!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير.