آراء ومواقف

إعدامات بلا محاكمات في “سوريا/الثورة”!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 17 دجنبر 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 17 دجنبر 2024        م.ع.و.

الآراء والأفكار المعبَّر عنها في هذا الباب لا تُلزِم هذه الجريدة

في مقال سابق، تطرقتُ إلى التركيبة السياسية والمذهبية للثوار السوريين المنقلبين على الدكتاتور بشار الأسد، فذكرتُ من أبرز المكوّنات جماعات سلفية متطرفة بعضُها ينتمي لداعش؛ وبعض ثانٍ منها للقاعدة؛ وبعض ثالث للنصرة، وآخر ينتمي للأكراد، والدروز، وغيرهم… وتبين أن هذه الانتماءات وغيرها تدين بالتبعية لقوى خارجية تهيمن عليها وتوجّه دِفّاتها… منها إيران، وتركيا، ودولة قطر، وروسيا، والولايات المتحدة وإسرائيل… فكان من اللازم أن تتم الإشارة إلى الصعوبات الجمة، التي ستنشأ عن هذه الفسيفساء غير المتجانسة، سواء على صعيد التنظير للفترة الانتقالية الضرورية، أو على مستوى إقرار دستور، ولو انتقالي، يتم الرجوع إليه من لدن جميع تلك المكونات، على طريق تثبيت مَواطئ قدم الثورة المظفرة، وتمكينها من وسائل الأمن والأمان والاستقرار، وتأكّد لنا أن ذلك سيكون صعبَ التحقّق والمنال إذا لم يتنازل كل مكوّن من تلك المكوّنات عن حدود ولو دنيا من قناعاته ومرتكزاته، من أجل تحقيق التوافق الضروري لأي إقلاع نحو المستقبل، حتى لا يقع للقطر السوري الشقيق مثل ما وقع لثورات أخرى، فاشلة بكل المعايير، في كل من اليمن والعراق وليبيا وتونس… وفي كل البلدان التي انفجرت فيها ثورات مماثلة على أنظمتها الاستبدادية، بدون أدنى تنظير وتخطيط مُسْبَقَيْن يستحيل الوصول بدونما بأي ثورة إلى مرفإ الأمان، ثم إلى برّ الاستقرار، الذي لابد من تحققه في ساحة الواقع لتأمين البقاء على الأقل!!

الذي دفعني إلى هذا الاستدراك، ما يصل إلينا بين اليوم والآخر من أخبار عن تنفيذ عمليات إعدام في حق بعض أقارب الرئيس المخلوع بشار الأسد، وبعض مساعديه الأقربين، وكذلك من بين ضباط جيشه سابقاً، بلا محاكمات، ولا مُساءلات تحترم حق الدفاع عن النفس، فبالأحرى أن يتم ذلك في نطاق ما يسمى عالمياً “محاكمات عادلة”، والتي يُفترَضُ أن لا تَصدُرَ قراراتُها وأحكامُها إلى بعد استيفاء كافةِ شروطِ القضاء العادل كما هو متعارف عليه دولياً!!

هناك، إذَنْ، مصيبة جديدة في طور التّشكُّل داخل دواليب سوريا/الثورة، تتمثل في انتهاج “سلوك داعشيّ بامتياز”، مَهما كانت غِطاءاتُه الأيديولوجيةُ ومبرراتُه، يقوم على التنفيذ الفعلي والعاجل لقرار صادر عن رجل واحد، أميراً كان أو خليفةً أو قائداً ميدانياً… وهو الوضع الذي يتمتع به الملقب بالجولاني، الذي كان داعشيا في بداياته الأولى، قبل أن يتراجع عن هذا الانتماء ويختار كبديل عنه إطار “الثائر الوطني”، ابن “الثورة الوطنية”، لولا أنه الآن، وبحكم الأخبار المبثوثة هذه الأيام حول عمليات الإعدام الجسدي المتوالية، يبدو كما لو أصابه لدغ الحنين إلى الفكر والسلوك الداعشيَيْن، ما دام يخرج إلى المحيطين به بين اليوم والآخر صارخاً في مساعديه وحوارييه: “امسكوا هذا الخائن واعدموه الآن شنقاً أمام الملأ”… وبطبيعة الواقع كما هو وكما يصل إلينا تِباعاً، يتم التنفيذ في لمحٍ من البصر!!

المصيبة الأكبر والأفظع، أنه يفعل ذلك دون أن يتوقع صدور أي معارضة أو مراجعة أو احتجاج من أيِّ كائنٍ كان، لأنه يعلم أنّ الجميع يخشونه كخشيتهم من ملك الموت، بينما الواقع أنّ الجميع بات متأكداً في قرارة نفسه، منذ الآن والثورة ما زالت في بداية أيامها ومُقتبَل عُمرها، بأنهم بامتياز، أمام مجرد إعادةٍ إنتاجٍ واستنساخٍ لبشار أسد آخر من نوع جديد، ولكنه من نفس المعدن القديم الذي كان عليه بشار الهارب، وكان عليه قبله بعقود، بل بقرون، استبداديون آخرون سابقون أمثال معاوية، وابنه اليزيد، والحجاج بن يوسف، وابن تيمية، وعبد الناصر، وكشك… واللائحة أطول من أن يحصيها هذا المقال العابر!!

من الذي استأثر بالسلطة المطلقة بعد فرار الأسد؟ إنه الجولاني!!

من الذي اختار أن يضع أحمد الشرع على رأس السلطة الانتقالية؟ إنه الجولاني!!

من الذي يخاطب الجميع داخل سوريا وخارجها جاعلا من نفسه المنظّرَ والقائدَ والوزيرَ والسفيرَ وصاحب الأمر والنهي، والحل والعقد؟ إنه أيضاً: الجولاني!!

ويأتي السؤال ثقيلا وشائكاً وحارقاً: مَن هم أصحاب هذه التخريجة الثورية التي يُعادُ إنتاجُها من جديد بكل إخفاقاتِها… السوريون بمختلِف مرجعياتهم؟ أم هو الجولاني وحده، كما كان قبله بشار الأسد وحده؟.. مع الاعتذار لمقولة الفرعون: “أنا ربكم الأعلى”!!

من يجيب على هذا السؤال بلا مراوغات ماكرة، وبلا محاكاة ببغائية؟!!

ـــــــــــــــــــــــــــــ

مصدر صورة الواجهة: النصر الإخباري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى