آراء ومواقف
أخر الأخبار

عندما يفقد المسلم القدرة على الدفاع عن فهمه للدين بسبب جهله!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 17 فبراير 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 17 فبراير 2024           ع.ح.ي.
من أغرب ما صادفتُه.. بغير ميعاد.. حلقة في قناة على شبكة التيكتوك.. عَنْوَنَها ناشرُها على هذا النحو: “فلانة تدق المسمار في نعش الإسلام”.. إشارة إلى “دكتورة” باحثة انفجرت في وجه أحد السلفيين.. دون أن يجد هذا الأخير الشجاعة ولا الجرأة لتحريك لسانه طيلة زمن ذلك الفيديو !!
كانت المتكلمة تتحدى السلفي أن يأتي لها بدليل واحد في الإسلام ينفي عن القرآن أنه يأمر بالقتل والسبي والاغتنام.. وينفي عن النبي أنه قتل وعذب وسَبَى وغَنِمَ.. وأنه غزا مجتمعات غير مسلمة.. بمعنى انه ذهب إليها مقاتلا مهاجما ومعتديا وليس دفاعا عن النفس… واستدلت على صحة قولها باستحضار “آيات السيف” التي فهمها السلفيون فهما لا يمت للحق بأي صلة.. وسارت هي على منوالهم فانتقدت الإسلام كلية باعتباره كما قالت يُحرّض على القتل والسبي واقتناص الغنائم… إلى آخر قائمة من موبقات السياسة والدبلوماسيا وتمثُّلات السلم والحرب كما قدمها مؤرخون نقلوا هم الآخرون عن السلف بلا أدنى استعمال لمَلَكاتهم العقلية!!
لم أجد شخصيا ما أردّ به على تلك المرأة الهائجة سوى تذكيري لها بأنها تنتقد إسلاماً غير الذي جاء به الرسول محمد عليه السلام مُكَمِّلاً للدين ومُتِمِّاً لنعمة رب العالمين.. وبأنها هي الأخرى ضحية الفهم الباطل لمفسري السلف.. الذين فهموا آيات القتل في القرآن بكونها تدعو إلى إزهاق الأرواح.
وبما أنهم يدمنون على النقل بلا عقل.. فإنهم لم ينتبهوا من جراء عَمَى قلوبهم إلى أن القتل في كتاب الله لا علاقة له بإزهاق الأنفس إلا في الآيات التي جاءت في سياق يدل على ذلك بصريح العبارة.
الدليل على هذا.. أن الآية التي نسبها السلفيون إلى “السيف”.. والتي استباحوا تحت شعارها أرواح الأبرياء.. أمرت المؤمنين بقتال المشركين بمجرد انقضاء الأشهر الحرم.. حيثما وجدهم المؤمنون.. ثم أمرتهم بعد ذلك بإخلاء سبيلهم إذا كفوا عن العدوان أو تابوا.. مع التأكيد على أن العفو خير مما دونه.
تقول الآية.. وهي الخامسة من سورة التوبة:
﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
فهل يعقل أن يأمر الله سبحانه المؤمنين بقتل المشركين بضرب رقابهم.. ثم يأمرهم بإخلاء سبيلهم إن تابوا؟!
وفي آية أخرى جاء ضرب الرقاب ثم تلاه شد الوثاق.. تقول الآية وهي الرابعة من سورة محمد:
“فإذَا لَقِيتُم الذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبُ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ”….
فهل يُعقل أن يأمر الله المؤمنين بضرب رقاب الكافرين.. بمعنى فصل رؤوسهم.. ثم يأمرهم بعد ذلك يإحكام الوثاق حول أطرافهم كأسرى.. والعفو عنهم او افتدائهم..
هل يعقل ذلك؟!
إن آيات القتل في القرآن الكريم جاءت كلها لتدل على “ضرب الحصار” أو بالإحرى “شل حركة العدو المُشْرِك”.. ثم معاملته معاملة حسنة بوصفه أسيراً.
وحين يريد الله الإشارة إلى القتل بمعنى إزهاق الروح فإنه يربط كلمة القتل بلفظ “النفس” أو “الأنفس”.. ويكون السياق مواكبا لهذا المعنى.. ولكنه لم يأت مطلقا بفعل الأمر.. بل أتى في سياق سردي يحكي عن قتل النفس وعقوبتها وحدودها الشرعية.
المصيبة أن السلفي كان يستمع وابتسامة صفراء بلهاء مرسومة على وجهه الملتحي.. دون أن يستطيع تحريك لسانه لأنه كان.. بالفعل.. يؤمن بأنّ ما تنتقده غريمتُه وَارِدٌ في القرآن بالنص.. وفي سلوك رسول الرحمة بالفعل.. ولذلك بقي طوال الوقت فاغراً فمه كالأبله.. وقد كان في ذلك الموقف أبلهَ بكل المقاييس!!!
اقرأوا القرآن وتدبّروا المعاني التي تختزنها الآيات التي جاء فيها ذِكْرُ القتل.. وستجدون أن الله سبحانه لم يأمر أبدا بقتل أي شخص بمعنى إزهاق روحه مهما كانت المبررات.. أبداً.. ومطلقاً.. وأن القتل جاء بمعنى “شل الحركة” و”ضرب الحصار” وجعل العدو “أشبه بالميّت بتجريده من فعاليته”.. وهذا هو الله الرحمن الرحيم الذي نعرفه ونُقِرُّ له بمطلق الرحمة لو كان مفسرو السلف يعلمون.. ولكن أنّى لهم ذلك وهم يعبدون آباءهم ولا يتوانون عن ترديد ما قاله المشركون والكفار من قبلهم: “هذا ما وجدنا عليه آباءَنا وإنّا على آثارهم مقتدون”!!
الغريب أيضا في هذه الواقعة.. أن المشاهدين المعلّقين انطلقوا جميعهم في مطالبة الشيخ السلفي بالصبر على دينه.. وبعدم الوقوع في حبائل المرأة سليطة اللسان.. دون أن يدروا جميعهم بأن المرأة والسلفي.. معاً.. كانا غارقين في مفاهيم باطلة لا أول لها ولا آخر!!
هذا ما جناه علينا بعض السلفُ بتفاسيره الجاهلة.. وعُبّادُ السلف بتبعيتهم العمياء لتراث الآباء دون تدبّر أو بحث أو تمحيص.. رغم أن مثل هذه الموضوعات يرتهن بفهمها واستيعابها خلاصُنا في العاجلة ومآلُنا في الأجلة!!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى