من كل الآفاق
أخر الأخبار

نماذج من الحرب التجارية بين الدول وعلى صعيد المقاولات ومؤسسات الإنتاج ووسائل الإعلام والدعاية (مغرب التغيير – الدار البيضاء 18 مارس 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 18 مارس 2024       

“الحرب التجارية ” ‏مصطلح يشير إلى قيام دولتين أو أكثر بفرض رسوم جمركية أو حواجز تجارية على بعضها البعض ردًا على حواجز تجارية سبقت إلى فرضها الدولة الأخرى. وتؤدي الحماية الاقتصادية لدى كلتا الدولتين إلى اعتماد مخرَجات تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وبكل الوسائل الممكنة والمتاحة حتى لا تكون تحت رحمة الدولة المنافِسة. (1 و2)

الطبّيّ

غير أن هذا التعريف للحرب التجارية لا يمكن الاعتداد به، لأنها لا يجوز حصرها في هذا المجال الثنائي أو متعدد الأطراف بين الدول والأنظمة، بل يمتدّ وقوعها وتتسع خريطتها لتطال العلاقات بين المقاولات والشركات ومؤسسات الإنتاج والتسويق والترويج داخل الدولة الواحدة، وكذا على صعيد التنافس التجاري الإقليمي والجهوي والقاري والعالمي، كما هو الشأن مثلاً بين شركات إنتاج السيارات أو الطائرات ذات الجنسيات المختلفة.

وإذا كانت الحرب التجارية بين دولتين تنحصر في فرض الرسوم الجمركية المرتفعة لحماية الإنتاج الوطني للدولة التي تلجأ إلى هذا الإجراء الحِمائي، فإنها عندما تشتعل بين الشركات والمقاولات تأخذ مناحي أخرى متعددة ومختلفة يطال بعضها درجات من الخطورة، تُستعمل فيها أحدث وسائل الترويج والتسويق ولكن أيضاً، تستأثر فيها الدعاية والإشاعة بقصب السبق، حتى أنها في أحيان كثيرة تشهد استعمالات غير مشروعة للوسيلة الدعائية، كما سيتبيّن ذلك بوضوح في المثاليْن الواقعيَيْن التالييْن:

مثال1: منذ أواسط الثمانينات من القرن الماضي، انتشرت بالولايات المتحدة الأمريكية، وبعد ذلك في كل دول المعمور، حِمْيات، ومكمّلات غذائية، ووصفات طبييعية وأخرى كيماوية، وتمارين رياضية متنافسة في بساطتها ويُسْرِها، ترمي إلى إنقاص الوزن واستعادة الرشاقة البدنية، بعد أن تفاقمت ظاهرة السُّمنة والبدانة المفرطتيْن وما ينشأ عنهما من أمراض غير قليلة وغير هيِّنة، بسبب التعاطي للأكلات السريعة والساندويتشات القائمِ أغلبُها على اللحوم المصنَّعة، والزيوت المهدرَجة، والكريمات ذات النُّكْهات المختلفة، كالكيتشاب، والموتارد أو عجين الخرذل، وأشكال المايونيز المختلفة… مما أعطى دفعةً قوية للحميات الغذائية والتمارين الرياضية الخفيفة وسالفة الإشارة.

PNGEgg

ومن أبرز النصائح التي قدّمها الأطباءُ لمرضاهم، وأوصى بها أخصّائيو التغذية لزبنائهم: الإقلاع عن السكريات بمختلِف أنواعها، بدءاً بالسكر الأبيض، وتعويضها بمُحَلّيات كيماوية مثل بودرة أو أقراص “الساكارين” المستخلَصة من العرقسوس، والأسبارطام، والأسيسولفام… وأخرى طبيعية مستخلصة من التمر أو التين الأسود أو العنب المجفَّف… باعتبار هذه المحلِّيات أقل ضرراً من السكريات، وأكثر أهليةً للمساعدة على إنجاح الحِميات الغذائية المتبعة لاستعادة رشاقة الأبدان.

ولأن الإقبال المتزايد على المُحَلِّيات الغِذائية بلغ إلى مستويات عُليا قياسية أضرّت إلى حدٍّ كبير بمنتجي السكر وتُجّاره وبمختلِف المنتجات السكّرية، وأساء بتحصيل الحاصل إلى مقاولات وشركات عالمية كثيرة عاملة في هذا الحقل، فقد ظهرت في الساحة الإعلامية والتواصلية شائعات تدّعي خطورة تناول المحليات البديلة، وانتشر القول بكونها تتسبب في أمراض خطيرة تصيب القلب والشرايين والعيون والأجهزة العصبية والسامبتاوية، وذهب بعض هذه الإشاعات إلى إرجاع كل الأمراض، دفعةً واحدةً، إلى بدائل السكر بمختلف أنواعها، ليتضح في نهاية المطاف أن شركات إنتاج السكر والحلويات هي التي كانت وراء تلك الشائعات، بعد أن تدخل أخصّائيو التغذية لتفنيدها وتبرئة البدائل المعنية أو أغلبها مما ألصقته بها هذه المعركة التجارية من مساوئَ ومَثالِب!!

جوهرة إف إم

مثال2: في نفس السياق، المتعلق بمراجعة العادات الغِذائية وتطويرها لتواكب تطلّعات الإنسان الحَداثي إلى إعادة التوازن لجسمه وقِوامه وهندامه، انتشرت كالنار في الهشيم وصفات غذائية ينصح أصحابُها بالإقلال أو الإقلاع كليّاً عن تناول اللحوم الحمراء، وخاصة المُصَنَّعَة، واستبدالها باللحم الأبيض، من طير وسمكٍ وغيرهما. وبطبيعة الحال، احتدم التنافس وصار على أَشُدِّهِ بين منتجي اللحوم بمختلف أنواعها، حتى أن الأمر تحوّل إلى نوع من العداء بين هؤلاء جعل تجّار اللحوم الحمراء لا يُخفون ارتياحهم، بل فرحهم، عندما ظهر وباء “أنفلونزا الطيور” واجتاح العالم برمته، مانحاً لهؤلاء فُسحَةَ الارتياح من منافسة تجار مختلف أنواع الطيور ولو إلى حين. وكذلك كان شأن هؤلاء الأواخر في  الفترة التي ظهر فيها وباء “جنون البقر” وما خلّغه من الذعر بين ساكنة المعمور!!

ولأن الأمر لا يمكن أن يقف عند هذا الحدّ، بل تخطّاه إلى نشوب حرب دعائية بين الطرفيْن، ظهرت في الساحة شائعات تصف اللحوم الحمراء بكل الموبقات والمخاطر، وأخرى من الجانب الآخر لا تقلّ إخافةً وترهيباً تُنذِر متناولي اللحم الأبيض بأوخم العواقب.

هذا جانب يسير من جوانب الحرب الدائرة رحاها تارةُ في الخفاء وتارةً أخرى في العَلَن، بين المقاولات والشركات الصناعية، مما يشكّل فرصة ذهبية لتنامي أرباح المستشهرين وصُنّاع الإشاعات، عملاً على الدوام بالمبدإ الشهير “متاعب قوم عند قومٍ فوائدُ”… لكن يظلّ المستهلك المسكين بمثابة الحلقة الضعيفة والواهنة في هذا النوع من معمعات العصر الحديث وجعجعاته!!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. Trade War نسخة محفوظة 08 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
  2. “What is trade war? definition and meaning”. com (ا Archived from the original on 2018-06-21. Retrieved 2017-08-15.

(قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى