من كل الآفاق

تقعيد المؤسسة الملكية لعلاقاتها مع باقي المؤسسات ومع الرأي العام (مغرب التغيير – الدار البيضاء 27 يوليوز 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 27 يوليوز 2024       ع.ح.ي.

أوّل ما يسترعي انتباه الدارس والمتتبع لمسار المؤسسة الملكية في بدايات العهد الراهن، حِرْصُها على مأسسة تدخُّلاتها ونشاطاتها، خصوصًا ذات الطابع الاجتماعي، لأجل أن تستوفِيَ شروط المؤسسة الفاعلة بمفهومها الحداثي. ذلك المفهوم، الذي يقتضي توفُّرَها على أجهزة وهياكل منظَّمة، وعلى ميزانيات واضحة تَستخلِصُ الأموالَ والاعتماداتِ وتُنفِقُها في واضحة النهار، وتكون خاضعةً هي الأخرى للمُساءلة من لدُن الملك مباشرةً، بوصفه الرئيس والمسؤول الأوّل والموجِّه.

يمكن لنا أن نذكر من بيْن أبرز هذه المؤسسات:

  • مؤسسة محمد الخامس للتضامن برئاسة جلالة الملك منذ كان وليًا للعهد؛
  • مؤسسة الحسن الثاني للشؤون الاجتماعية لرجال السلطة التابعين لوزارة الداخلية؛
  • مؤسسة الحسن الثاني لقدماء العسكريين وقدماء المحاربين؛
  • مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج؛
  • مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين؛
  • مؤسسة محمد السادس للقضاة وموظفي العدل؛
  • مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة؛
  • مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف؛
  • مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين؛
  • مركز محمد السادس لدعم القروض الصغرى التضامنية.

هذه المؤسسات ليست بديلا ولا مزاحمًا للحكومة:

وكما يبدو ذلك بجلاء، فجميعُ هذه المؤسسات يعمل في إطار الرعاية والدعم الاجتماعييْن والثقافييْن والمعرفييْن، ليس للحلول محل القطاعات والمؤسسات الحكومية والمدنية المختصة، وإنما لمؤازرتها، بفضل ما يتميَّز به تكوينُها وتنظيمُها وتدبيرُ العمل بداخلها من السرعة والفعالية، نظرًا للحضور الفعلي لمؤسسة الملك، وبفضل بساطة الإجراءات، وسلاسة العلاقات، وغياب الظاهرة البيروقراطية، التي كانت ولا تزال عقبةً كَأْداءَ في طريق أداء الإدارات العمومية على الخصوص.

تطالعنا في هذا الصدد بالذات، على سبيل القياس، فقرتان من الخطاب الملكيّ بمناسبة افتتاح الأسبوع الوطني للتضامن، بتاريخ فاتح نونبر 2000، يؤكّد فيهما على أن الجهود التي تبذلها مؤسسة محمد الخامس للتضامن، تحت رئاسته الفعلية وبدعمه الشخصي الخاص، “لا تشكّل بديلاً للعمل الحكومي والجمعوي، ولا تروم منافسة هذيْن العنصريْن الشريكيْن أو مزاحمتهما”، بالنظر للوزن الكبير الذي تضفيه مؤسسة الملك على تلك المنظَّمة، وإنما “تشكِّلُ قيمةً مُضافةً، وجهدًا تكميليًا داعِمًا لما يضطلع به باقي الوزارات والمؤسسات”.

إننا هنا، وبكل بساطة، بإزاء رغبة المؤسسة الملكية في النزول بثقلها، من أجل جعل مختلِف مؤسسات الدولة والمجتمع المدنيِّ أكثر حيويةً ونشاطًا، وأوْفى أُهْبَةً لتقديم المساهمات اللازمة للنهوض بأحوال الفئات الأكثر احتياجًا، وفي طليعتها الأشخاص ذوو الحاجات الخاصة، والنساء، والأطفال، وباقي الشرائح الهشَّة، والتي لا ذنب لها سوى أنها لا يصلُها نصيبُها الكافي من الثروات الوطنية، لأنّ هذه الثروات لا يتم توزيعُها بالعدل والإنصاف اللاّزميْن.

ومِنْ ثَمَّ فإن المؤسسات الملكية الداعمة، السالف ذكرها، إنما تحاول إعادة ذلك التوزيع بصورةٍ أفْيَد وأعمّ، من خلال أعمال الرعاية، وجبر الأضرار، وتقديم المساعدات، ثمّ من خلال تيسير القروض الصغرى في إطار تضامني وتكافُلي من شأنه أن يُفسح الفرصة لتلك الفئات كيْ تكون بدوْرِها مُنتِجَةً ومُساهِمةً في التنمية، فضلاً عن تقديمِ مِنَحِ الدعمِ والسَّنَدِ للجمعيات الناشطة في نفس هذه الميادين.

fm5

كان هذا، إذَنْ، أحد مظاهر التغيير الذي طرأ على سلوك المؤسسة الملكية منذ بداية عهدها الحالي. بيدَ أن هناك مظاهر أخرى يمكن تتبُّعُ تَعَدُّدِها وتنوُّعِها من خلال المعطيات التحليلية التالية:

  • إعادة هيكلة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان: (2000)، الذي سيتطوَّر بعد ذلك إلى “مجلس وطني” ذي صبغة دستورية (2011). وسيدخل هذا لاحقًا، في إطار نشوء ما يُسمى في أدبياتنا الإعلامية بـ”الملكية الثانية”، تمييزًا لبداية العشرية الثانية من هذا العهد عن سابقتها؛
  • إحداث آلية جبر الضرر: لفائدة ضحايا الاختطاف والاعتقال التعسُّفي، اللذان شَهِدَتْهُما “سنوات الرصاص”، كما تسميها الأدبياتُ ذاتُها (2000). وهي الخطوة الجرِّيئة التي ستتطوَّر بدورها إلى آليات وفعاليات “الإنصاف والمصالحة”.
  • الانفتاح على المؤسسات الأممية: لقد لفت هذا التوجُّه الجديد نظرالدارسين والمتتبعين إلى أمر جديد بدوره، يتمثَّل في الحرص على فتح الأبواب على مصاريعها أمام نظر “الهيئات الأممية المختصّة بشؤون الطفولة والمرأة والأشخاص ذوي الحاجات الخاصة”، كي تمارس متابعَتَها لإنجازاتنا في هذه الحقول عن كثب، ولكي تقدّم، من جهتها، الدعمَ الأمميَّ الممكِنَ والمُتاحَ.

ذلك، بعد أن ظلّت إدارتُنا العمومية لسنوات طويلة لا تُفسِحُ إلاّ القليل النادر من هذه الْمَنافِذِ أمام الهيئات الدولية والعالمية، وبالقدر الضروري للحفاظ على هامش الاستفادة من مبادراتها وبرامجها الداعمة.

معنى هذا، بعبارة أخرى، أن المؤسسة الملكية أخذت بخيار الممارسة المنفتحة على النطاق الأممي والعالمي الواسع، في أمور تتعلق بشؤوننا الداخلية، دون أن يُعتَبَرَ ذلك تنازلاً عن سيادتِنا وثقافتنا. وهذا تطوُّر مشهود حملتْهُ رياح التغيير التي بشرت بها المؤسسة الملكية منذ بداية عهدها الجديد.

خلاصةُ القول، إنّ المؤشِّرات على التحوُّل العميق في العلاقة بين مؤسسة الملك وباقي المؤسسات والقطاعات تبدو كثيرة ومختلفة، مما يؤكد على أنّ الشيءَ الكثيرَ قد تغيَّر في مغربٍ صار التغييرُ عنوانًا رئيسيًا لمساره المتجدِّد، مهما حاول مناهضو التغيير ومُنَاوِئوه أنْ يُقِيموه من العوائق، ويَنْصُبوه من المزالق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير / مصدر صورة الواجهة: هسبريس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى