مسألة مراجعة طرق الامتحان في المنظومة التربوية: نعم للاختبار.. لا للمصائد والكمائن!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 17 يوليوز 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 17 يوليوز 2024 ع.ح.ي.
الآراء والأفكار المعبَّر عنها في هذا الباب لا تُلزِمُ هذه الجريدة
إلحاقا بما تطرقنا إليه في مقالات سابقة بخصوص الجهود المبذولة لإصلاح منظومة تربوية تحتاج بصورة مستديمة إلى الإصلاح، نقف في هذا المقال على مسألة الامتحان والاختبار، التي يبدو أنها تشكّل أحد الحواجز الكأداء التي تصنع العثرات في طريق الطفل المتمدرس وهو بَعدُ في بدايات عمره الدراسي.
بدون كثير مقدمات، نرنو هنا إلى اقتراح أسلوب في الامتحان والاختبار يأخذ بأحد الطرق الحداثية الثلاث الآتية:
الطريقة الأوّلى:
إصدار أسئلة الامتحان في استمارات تتضمن الأسئلة والأجوبة في آن واحد، وتشتمل على خانات متعدِّدة بإزاء كل سؤال على حِدة، على أساس خلط الأجوبة الصائبة بأخرى خاطئة، وترْك الاختيار للتلميذ كي يضع العلامة على الخانة التي يراها مناسبة.
إن هذه الطريقة من شأنها أن تعين التلميذ على استرجاع المعلومة الصحيحة بمجرّد وُقُوعِ بصرِهِ عليها، فيهتدي بذلك إلى الإجابة المناسبة دون أن نُعينَهُ مباشرةً على الوصول إليها. وبطبيعة الحال، فإن التلميذ المتكاسِل، والذي لا يُراجع دروسه، لن يجد طريقه إلى الجواب الصائب بالرغم من وجوده على مرمى من بَصَرِه.
الطريقة الثانية:
وضع أسئلة وفيرة لكل مادة، 100 إلى 300 سؤال مثلاً، وجعلها في متناول التلاميذ، عن طريق توزيعها، أو عرضها في الأكشاك بأثمنة لا تهدف إلى الربح، ثم إجراء القرعة عليها لحظة انطلاق الامتحان من أجل استخراج السؤال أو الأسئلة التي سيشتغل التلاميذ عليها، بحيثُ لا يكون في وسع أي شخصٍ أن يعرف مُسْبَقًا نوع السؤال أو الأسئلة التي ستُسْفِرُ عنها تلك العملية.
إن هذه الطريقة، من شأنها أن تدفع التلاميذ إلى مراجعة موجَّهة ومُنْتَقاة لدروسهم بغيةَ التعرّف على الأجوبة الصحيحة، وذلك طوال الفترة السابقة لموعد الاختبار. وهذا بالذات، هو الهدف الحقيقي من هذه العملية، ما دمنا لا نرغب في نصب الحواجز والمزالق لإسقاط أطفالِنا بشكل أو بآخر، كما هو عليه الحال سابقاً، وإنما نرمي إلى حثهم على مراجعة دروسهم خارج أي ضغطٍ نفسي إكراهٍ أو غيره، حتى يتمكنوا من النجاح بنسب جد عالية، ويُتاح لهم بذلك أن يُبحروا نحو مستقبلهم بكامل اليُسْر والتفاؤل، لأن هذا بالذات هو الدور الذي ينبغي أن نؤدّيه نحن الكبار بمنتهى الإتقان.
إن هذه الطريقة، من جهة أخرى، من شأنها أن تَحُولَ دون جميعِ أشكال الغِشِّ، الناتجةِ عن تسريب أسئلة الاختبار إلى الخارج قبل موعد الامتحانات، أو المتولِّدةِ عن المتاجرة في هذه الوسيلة، وهذا قدْ سبقت معايَنَتُهُ في امتحانات الباكالوريا على الخصوص. وحبذا لو أخذنا بهذه الطريقة المبتكَرة في امتحانات نهاية الأسلاك الثلاثة، الابتدائي والإعدادي والتأهيلي.
الطريقة الثالثة:
الاعتماد بصورة أكبر على تقييم أداء التلاميذ طيلة فترات السنة الدراسية. وهذه الوسيلة أكثرَ نزاهةً وشفافيةً وعَدْلاً، وأكثرَ دِقَّةً، في التعرُّف على المستوى الحقيقي لكل تلميذ، ما دام الوقت ممتدًّا أمام هذا الأخير، من بداية السنة الدراسية إلى نهايتها، للإبانة عن قدراته وكفاءاته ومواهبه. كما أن الوقت يكون كافيًا أمام أساتذته لتَدارُكِ حالات ضُعفِهِ وتدنّي مستواه، ولتمتيعه بالتالي بما يحتاج إليه من الدعم والتقوية والسَّنَد.
قد يقول قائلٌ: إن هذه الطُّرُق ستجعلنا لا مَحالةَ أمام آلاف مُضاعَفة من الناجحين قد لا نجد ما يكفيهم من المقاعد في المستويات الدراسية الموالية. وهذا قولٌ مردودٌ عليه، إذ أننا سنكون والحالة هذه أمام مشكلة وحيدة هي إيجاد المقاعد اللازمة بكل الوسائل الممكنة والمتاحة.
إن هذا يمكن التغلّب عليه إذا ركّزنا جهودنا جميعًا، أطرافًا وشُركاءَ ومتدخِّلين ومستثمرين، فلا نظلّ، كما هي حالتنا بالأمس واليوم، أمام مشاكل كثيرة، وفي مقدمتها مُعضلاتُ الرسوب والتكرار والهدر والانقطاع عن الدراسة، ومتاعبُ التربية غير النظامية، وصُعوباتُ إعادة الإدماج ومحاربة أمية القاصرين… فضلاً عن الثقب الكبير، الذي تُحدِثُهُ هذه المصاعب في معدّل التنمية، مما يجعل الضرر عامًّا، ويجعل انعكاساته وخيمةً على مختلِفِ أصعدة الحياة العامة.
هناك أمر آخر من الأهمية بمكان، وله صلة وثيقة بمسألة التقييم والاختبار هذه. ذلك أننا ننظِّم الامتحانات بهدف التعرّف على التلاميذ الناجحين ونظرائهم الراسبين، ولكننا لا نستثمر هذه الاختباراتِ، بذاتِها، للنظر في جدوى أساليب التعليم والتلقين التي نعتمِدُها، والتي تحتاج بدورِها إلى تلك الامتحانات والتقييمات لتتطوَّر إلى صِيَغٍ أفضل.
إن هذا التجاوُز قد يكون، ولا شكَّ في كونه كذلك، ناتجًا عن نظرة الاستعلاء التي ينظر بها المسؤولون عن الشأن التربوي إلى الأطفال عمومًا، والتي تجعل هؤلاء الصغار خاضعين دون غيرهم للفحص والتقييم والمُساءَلة، دون أن تَخضَعَ أساليبُ التلقين والتقييم والاختبار بذاتها لنفس القِياس بمناسبة تنظيم نفس الامتحانات. وفي هذا بدورِهِ كثيرٌ من الظُّلْم والتعسُّف بإزاء تلامذة المؤسسات التربوية على اختلاف مستوياتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير / صورة الواجهة: Tunibusiness