أفكار منتقاة حول واقع التعليم بالمغرب: لا تربية بدون التزام فعليّ بالثوابت ‘مغرب التغيير – الدار البيضاء 15 غشت 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 15 غشت 2024
الآراء والأفكار المعبَّر عنها في هذا الباب لا تُلزِم هذه الجريدة
يعرف التعليم المغربي أزمة خانقة منذ الاستقلال، حيث فشلت كل المحاولات
الإصلاحية في إخراجه من النفق المسدود الذي و صل إليه بسبب السياسات
التعليمية المرتجلة و المتعاقبة… إزاء هذه الوضعية الشاذة يبقى التلميذ هو الضحية الأولى والأخيرة لكونه لم يعد يرى في التعليم سوى فضاء لتفريغ الآلاف من المعطلين، مما يدفعه إلى التساؤل بإصرار عن مصيره في التعليم وآفاق التعليم.
إن التشخيص الدقيق لوضعية التعليم في المغرب، يتطلب الوقوف على مختلف مكونات هذا النظام: (وضعية المؤسسات التعليمية، المنهج التعليمي، وضعية الموارد المالية والبشرية وطرق استغلالها وتدبيرها). إذ أن الوضعية التعليمية في المغرب مرتبطة بالخيارات السياسية والاقتصادية، التي طبقتها الحكومات المتعاقبة منذ أكثر من 3 عقود. فالتعليم جزء من البنية المجتمعية العامة يؤثر في الواقع و يتأثر به، والسياسة التعليمية ماهي إلا انعكاس لسياسة الدولة المطبقة في مختلف القطاعات الأخرى. و قد استهدفت السياسات التعليمية المتبقية في بلادنا منذ الاستقلال، تعزيز السلطة السياسية عن طريق سلطة المعرفة، مما تسبب في إهمال النظام التعليمي و بروز الكثير من الاختلالات البنيوية.
ان التعليم في المغرب عبارة: عن مؤسسة تقوم بإنتاج وإعادة إنتاج وتكريس نوع من الفراغ، في ظل الشروط العامة المرتبطة بالسياسة السائدة للبلاد، والتي أدت إلى نوع من التيئيس والإحباط لدى التلاميذ، لعدم ارتباط التعليم بالشغل والتنمية. مما أدى إلى فصل تام بين العملية التعليمية وبين الأفاق التي نعرف جميعا أنها آفاق مسدودة هذا من جهة، ومن جهة ثانية نجد أن المنظومة التعليمية غير منسجمة حيث نلاحظ أن هناك تعليما عموميا وتعليما خصوصيا، الأمر الذي جعل المؤسسات التعليمية مرتعا للظواهر الشاذة كالميوعة والغش في الامتحانات، وتدني مستوى التلميذ الذي يسيطر عليه هاجس الهجرة إلى أوروبا كحل وحيد، وأوحد بالنسبة له للإفلات من قائمة ضحايا التعليم بالمغرب. بسبب:. 1. فقدان الرغبة الحقيقية في التعليم نظرا لتدهور النظام التربوي، الذي بات يعتمد في مناهجه على نظم تقليدية محددة وجامدة، تقتل روح البحث والاستقصاء والإبداع. دون أن ننسى أن نظام الامتحانات الموروث لم يخضع لأي إصلاح منذ نشأته، و قد أثبت قصوره في قياس قدرات المتعلمين وتقييم مستوياتهم.
2. سيطرة المنهج المادي على الفكري والتربوي جعل المعرفة معزولة عن الحكمة، وأدى إلى ضياع الجانب الأخلاقي والديني، وبضياعه انحصر دور التربية في نقل المعلومات والتدريب على قدرمن المهارات.
3. افتقار الأستاذ إلى الحرية والعفوية في طريقة إلقاء الدرس قصد توجيه التلميذ في مسار سليم، وبهذا يفتقد كل صفات القدوة الحسنة والدور القيادي الرائد، فيخرج حاملو الشهادات إلى الحياة بغير تعليم حقيقي وبغير تربية صحيحة.
إن آفاق التعليم بالمغرب تتحكم فيه عدة عوامل ذاتية وموضوعية بالمغرب، ويمكن حصرأهم هذه العوامل في: فرض المقررات بشكل صارم، وافتقار المؤسسات إلى
المرافق والتجهيزات المساهمة في توفير ظروف تسمح للتلاميذ بالمشاركة والعمل، إهمال إعادة تطوير الأطر التعليمية بشكل منظم و جاد، تكريس الأنشطة غير المناسبة لمستوى وأعمار التلاميذ، ونهج الوسائل التربوية غير الصالحة للتلاميذ، والتأخر الدراسي. بالإضافة إلى عدم اطمئنان التلاميذ على مستقبلهم خاصة تلاميذ التعليم الثانوي،و تكريس العلاقة السلطوية التي تؤدي إلى عقوبات تأديبية تصل إلى حد الطرد.
إن الأهداف التعليمية التي بدأ الخطاب التربوي الرسمي تحديدها هي أهداف لا تنطلق من دراسة الواقع النفسي والاجتماعي للتعليم المغربي، أو دراسة المستوى العقلي للتلميذ، بالإضافة إلى افتقار المؤسسة التعليمية إلى الحد الأدنى من الوسائل التعليمية، وطغيان هاجس الامتحان على النشاط المدرسي والانشغالات التلاميذية، غياب الانسجام والتكامل والتفاعل بين المواد واستجاباتها لحاجات العصر والمجتمع، خنق الطاقات التربوية وعدم فسح المجال أمام المبادرات والإبداع. دون أن ننسى الطرائق التعليمية المقحمة التي لا تخلق علاقات تربوية نوعية تسمح بالاشتراك الفعلي للتلاميذ في التحضير والإنجاز.
إن النظام التعليمي التربوي هو خليط من رؤى وتصورات يعود أغلبها إلى القرون الوسطى، ويتم تلوينها أحيانا بقيم الحداثة والتقدم دون أن تتمكن من إعطاء نفس قوي لتكوين جيل قادم.. قادر على تحدي الصعاب… ثم إن الاجتهادات في الحقل التربوي حتى الآن لم ترق إلى مستوى الاستجابة الفعلية لطبيعة الطفل والمراهق المغربي. إذ أن كل نظام تعليمي محكوم بإيديولوجية توجهه لإنتاج نمط الإنسان الذي يحافظ عليها ويضمن لها الاستمرارية. فالإيديولوجية الرسمية التي تمرر من خلال النظام التعليمي، والتي تفرض قنوات إعادة إنتاج الوعي الطبقي المدافع عنها، والثقافة الممنهجة التي تخدم مصالحها.
وإذا كانت العلاقة التفاعلية بين التلميذ والأستاذ تعتبر، من جهة، بؤرة أي عملية تعليمية، بحكم الأنشطة والممارسات التي يقوم بها الطرفين، إما عن طريق الشراكة أو من خلال تمركز التعليم أو التعلم حول المعلم والتلميذ، وذلك في العلاقة مع وسائط تتمثل في المحتويات والوسائل والدعم، فأن التلميذ نجده، من جهة أخرى، يلقي باللوم على الأستاذ عند الفشل بحكم المحتويات التي يطلب منه تحصيلها، وعلى عدم تلبية المؤسسات التعليمية لحاجياته المعرفية والنفسية. والمعلم يجعل التلميذ مشجبا يعلق عليه انحصار مردوديته، فيلومه على مستواه الدراسي وعدم جديته، والتجائه إلى الغش في حصص التكوين. كما أن تعذره في إنجاز عمله يرجع إلى طبيعة المنهج الدراسي الذي يغلب جانب
الكيف ويفرغ التعليم من محتواه المعرفي، وذلك بتغليب الجانب التقني على الجانب المعرفي. كما يلجا أحيانا إلى اعتبارات خارج تربوية متأرجحة بين ارتباط أفراد المجتمع بمنظومة القيم التي يأخذ بها، و بروز قيم سلبية تكرس الكسل والاتكال والغش….
إن آفاق التعليم بالمغرب لا يمكن أن تتضح إلا بدمقرطة حقيقية للمجتمع المغربي، وبربط التعليم بمسلسل التنمية، وبعصرنة المدرسة المغربية وربطها هي الأخرى بالتطور التكنولوجي العالمي. ورغم أن إصلاح التعليم يعد من الاهتمامات المستمرة للمجتمعات والتي تعكس طموح و تطورات حاجيات الشعب السياسية والاقتصادية والسوسيوثقافية، خاصة في ظل التحولات السريعة التي يعرفها العالم.. أي أن الإصلاح يجب أن يهدف إلى تحقيق جودة التعليم، الذي يعتبر من الأهداف الأساسية لأي اصلاح.. و هو المعيار الحقيقي لنجاح الإصلاح الذي يجب أن يعتمد المضمون بدل الشكل، و أن يعالج الأهداف النوعية بدل الهاجس الكمي و الهاجس الأمني، إذ أن البرامج التعليمية يجب أن تكون ملائمة لحاجيات المجتمع، و متطلبات التنمية الاقتصادية الوطنية الشاملة للدفاع عن
المكتسبات و تحديث التعليم ومواجهة تحديات القرن 21.
وتبقى في الواقع مجموعة من الأسئلة دائمة وقائمة و القة مثل: هل وجود تعليم مغربي خالص لايزال بعيد المنال؟ بحكم طبيعة النظام التعليمي في المغرب، هل يمكن اعتبار المدرسة المغربية معلما للفشل؟ مادام المتعلم لا يحظى بالاهتمامات الأولى للذين يصنعون البرامج؟ هل العلاقة بين الأستاذ والتلميذ علاقة إنسانية؟ هل المدرسة المغربية وجدت من اجل التثقيف أو من اجل التوظيف؟ هل هناك صلة بين المدرس بصفته الشخص المباشر للتلميذ وأسرة هذا الأخير؟ هل المدرسة أداة لتطوير المجتمع وليست مسالة بروتوكول؟ إلى متى ستظل المدرسة لا تنتج إلا جيشا من المعطلين؟!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير / مصدر صورة الواجهة: أخبارنا.