الوصاية الفرنسية.. وجه آخر أسود من وجوه الاستعمار المُستهين بثورات التحرّر الإفريقية (مغرب التغيير – الدار البيضاء 14 شتنبر 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 14 شتنبر 2024
في ستينات القرن الماضي، وأمام تصاعد حركات التحرر والمقاومة الشعبية في جل المستعمرات الفرنسية، قرر الزعيم الفرنسي شارل ديغول منح المستعمرات الفرنسية في أفريقيا الاستقلال، ولكنه رفض بالمقابل منحها الاستقلال التام عن طريق صياغة استعمار جديد يتمثل في ربط هذه المستعمرات اقتصاديا بفرنسا، عبر فرض مواصلة التعامل بعملة “الفرنك” الفرنسي/الأفريقي في بلدان القارة السمراء ، الذي تتحكم باريس في طباعته وتحديد قيمة تداوله وقوته الشرائية، تماماً كما لو كان عملة فرنسية بحتة!!
يتم تداول الفرنك الأفريقي أو “الفرنك سيفا” في 12 دولة أفريقية كانت سابقا خاضعةً للاستعمار الفرنسي، بالإضافة إلى غينيا بيساو (مستعمرة برتغالية سابقة) وغينيا الاستوائية (مستعمرة إسبانية سابقة)، وينقسم الفرنك المتداول إلى صنفين، فرنك وسط أفريقيا، وفرنك غرب أفريقيا.
ورغم أن قيمة الفرنك المتداول في وسط أفريقيا تعادل قيمة الفرنك المتداول في غربها، فإن فرنسا تمنع استعمال عملة دول الوسط في دول الغرب وكذلك العكس.
وتلتزم جميع البنوك المركزية لهذه الدول الأفريقية بالاحتفاظ بنسبة 85% على الأقل من احتياطياتها من العملة الصعبة في البنك المركزي الفرنسي، الخاضع لمؤسسات الرقابة المالية الفرنسية، وذلك وفقا لشروط الاتفاقية المؤسسة للجمعية المالية الأفريقية.
ولا تملك الدول الأفريقية المستعمرة سابقا حق الوصول إلى هذه الأموال، إذ لا تسمح لهم السلطات الفرنسية بالوصول إلى أكثر من 15% من الأموال المودعة سنويا، وفي حال احتياج المزيد تجبرهم على اقتراض أموال إضافية من الخزينة الفرنسية بأسعار فائدة تصل إلى 20%، كما تحتفظ باريس بحق رفض إقراض هذه الدول إن شاءت ذلك لسبب من الأسباب التي تتفنّن في اختلاقها.
وإجمالا، منذ سنة 1961 تحتفظ فرنسا بالاحتياطات الوطنية لـ14 دولة أفريقية وهي: البنين وبوركينا فاسو وغينيا بيساو وساحل العاج ومالي والنيجر والسنغال والطوغو والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد والكونغو وغينيا الاستوائية والغابون، وبذلك تحقق الخزينة الفرنسية ما يعادل 500 مليار دولار من الأرباح والعوائد السنوية من أفريقيا، الأمر الذي يشكّل عملية نهب فاضح وسرقة موصوفة كاملة الأركان!!
تجدر الإشارة إلى أن الزعماء الأفارقة الذين عارضوا هذا النظام، تعرض بعضهم للقتل، وبعضهم الآخر لانقلابات عسكرية أطاحت بحكمهم، أو تعرضوا لإشعال نيران فِتَن شعبية مسلحة أدخلت بلدانهم في دوامات من العنف والفوضى يتطلب التعافي من مخلفاتها عقودا طويلة، وبطبيعة الحال، لا حرجَ في أن تكون فرنسا بمثابة المشرف الحقيقي، ولو من وراء الستار، على إخماد النيران التي أشعلتها هي نفسُها بدسائسها ومؤامراتها، وتشرف بالمناسبة على إعادة الأمور إلى نصابها القديم.، مانحةً لشركاتها الجشعة امتيازات مختلفة في مجالات تقويم البُنى الأساسية المتصدِّعة وتأهيلها وإعادة الإعمار!!
باختصار شديد، يرى الباحثون والمتتبعون أنّ هذه الدول لا تتمتع بأي استقلال فعلي، ما دامت مالياتُها العامة رهن إشارة مستعمرِها القديم، لتبقى هي في حكم الكيانات القاصرة، المحتاجة إلى الوصاية، وليتحوّل مستعمِرُها السابقُ والحالة هذه، وبتحصيل الحاصل، إلى ما يشبه “الكفيل”، تحت أنظار منتظم دولي أصابَ نفسَهُ بكل أريحيةٍ بالعمى والصمم!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: الجزيرة نت (بتصرف) / مصدر صورة الواجهة: فرانس ديبلوماسي.