مختلفات
أخر الأخبار

حوادث السير بالمغرب: هل نقر بأنها قدر يستحيل ردّه؟! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 8 غشت 2023)

الاقتصاد المغربي يخسر سنويا ملياري دولار بسبب حوادث السير!!

مغرب التغيير – الدار البيضاء 8 غشت 2023

يعتبر المغرب من بلدان العالم الثالث الأكثر إحصاءً للحوادث الناجمة عن تهوّر السائقين، أو العابرين، وعن الحالات غير القانونية للمركبات بمختلف أنواعها وفئاتها، وكذا من جراء فساد بعض الطرق في الأرياف، والبوادي، والمناطق النائية التي يُشار إليها في أدبياتنا الإعلامية بتعبير “المغرب المنسي”.

الغريب في هذه الظاهرة المميتة أنها تخلّف أعداداً من القتلى تفوق ما تسجله الحروب في مختلف بقاع المعمورة، فاستحقت عن جدارة وصف “حرب الطرق”… الأمر الذي يدعو إلى واجب التدخل من لدن كل المؤسسات الرسمية والمدنية المعنية والمختصة وذات الصلة، وبكل الطرق والوسائل الممكنة والمتاحة، من أجل تقليص أعداد الضحايا، وفي أقرب الآجال، لأن الظاهرة بلغت ذروتها ولم تعد تسمح بإخفاء مؤسساتنا المعنية والمختصة رؤوسها في الرمال!!

مدار 21

الغريب في الأمر أيضاً، أن حكوماتنا المتعاقبة أشعلت جذوة التنافس فيما بينها، ليس في التخمين والتخطيط والبرمجة لما يتعيّن تنفيذه للحد من هذه الظاهرة، وإنما قام التنافس فيما بينها في التنصّل من المسؤولية والتغاضي عن الأخطاء المتكررة في سياساتها التي صارت مجرّد إعادة إنتاج لنفس الخطط البالية والفاشلة، والتي قليلاً ما تخرج عن رش عيوننا وآذاننا بوصلات إشهارية للتعبئة والتحسيس ضد الحوادث، وكأنّ تلك الوصلات الإعلانية والبيانات هي التي ستعيد ما أفسده الدهر في طرقاتنا، وتجعل سائقينا من مختلف الفئات يفكرون طويلا قبل أن يخرق أحدهم قوانين للسير اتضح على أرض الواقع أنها ستظل مجرد حبر تتناقله المنشورات الحكومية ذاتها بتلقائية أشبه ما تكون بحركات الروبوتات الخالية من كل إحساس بخطورة الأزمة وتداعياتها على حياتنا جميعاً، لأنها تضرب اقتصادنا الوطني وتصيبه في مقتل.

إن السياسات الحكومية لم تُفلح إذَنْ، ومنذ الاستقلال، سوى في تغيير كراسي الفرجة ومواقعها، أمام مسرحية مأساوية تتكرر على مدار الأيام والساعات، ويكفي أن نستحضر في أذهاننا أن حرب الطرقات تختطف عشرة أنفس أو يزيد، في اليوم الواحد، فضلاً عن عشرات بل مئات الجرحى في اليوم الواحد أيضاً.

هل لدينا خطة شاملة لمعالجة هذه الإشكالية، التي إلى جانب ضررها البشري، تكلف الاقتصاد المغربي حوالي 1.70 في المائة من الناتج المحلي الإجمال، أي ما يعادل ملياريْ دولار عند مطلع كل عام جديد؛ زيادة عن إزهاق نحو أربعة آلاف من الأنفس في السنة، والإفضاء إلى زيادة سنوية في أعداد الجرحى والمعطوبين يصل تعدادها إلى مائة وستين ألف جريح ومعاق… وكل عام ونحن بألف خير!!!

والأغرب من كل ما سلف ذكره، أن الحكومة الحالية تقول إنها خططت لتقليص حجم هذه الخسائر البشرية والاقتصادية إلى النصف في أفق سنة 2026، فيما لا تزال هذه “الحرب الذاتية” تحصد نفس الأعداد من الضحايا، وكأنّ الحكومة ومؤسساتها في واد، وحرب الطرق في واد آخر… فما العمل؟

هل نتحدث عن الأسر والعائلات التي تفقد معيليها بين لحظة وأخرى لتجد نفسها فجأة وقد تحوّلت من أسر مستورة إلى كيانات اجتماعية تستجدي الإعانات والصدقات؟

ح. التوحيد والإصلاح

أم نتحدث عن بنيات أساسية ومهنية صحية تستنزف حوادث الطرقات جزءاً كبيراً، حتى لا نقول الجزء الأكبر من قدراتها الاستيعابية والعلاجية، مما يجعلها عرضة لاختلالات حتمية في موازينها، بين ما لديها من طاقات إيوائية وطبية من جهة، وبين ما تصدّره إليها حرب الطرقات من حلات استعجالية وفُجائية غالبا ما تكون خارج كل توقعاتها اليومية، وبالتالي السنوية؟

أم هل نتحدث عن ضحالة القدرات الحكومية على الابتكار والإبداع في مضمار من الواجب أن تبدع فيها كل المؤسسات والطاقات والكفاءات الوطنية، ما دام الأمر يتعلق بحالة حرب مستديمة تحصد الأرواح، وتيتّم الأجيال الصاعدة، وتعيق اقتصاداً في أمس الحاجة إلى الاستقرار حتى يصيب أهدافه بهامش أدنى من المخاطر والخسائر؟

أم هل نتحدث عن مستقبل أبناء من مختلف الفئات العمرية يفقدون معيليهم بين اليوم والآخر، ويصيرون بضربة حظٍّ بئيسِ عرضةً للضياع؟

الأسئلة كثيرة، ولائحتها ستظل مفتوحة بكل تأكيد، فمتى ستشمّر مؤسساتنا عن مناكبها، ولكنْ بزخم من الجدّية ما زلنا لم نشهده لديها حتى الساعة، لمواجهة عدوّ يومي يختطف فلذات كبد هذا الوطن، كما لم تفعل أي حرب من الحروب التي خاضتها بلادنا على امتداد تاريخها الحافل بالانتصارات؟..

هل تستطيع الحكومة وباقي المؤسسات المعنية تحقيق انتصار ولو نسبيّ لم يكن في الحسبان ضد هذا العدو المستديم؟..

ذاك هو سؤال الساعة الراهنة، وكل ما سيليها من الساعات!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى