الأراضي الخاصة والعامة بالمغرب: تعدُّد وتنوُّع وإشكاليات ونزاعات لا تنتهي!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 25 شتنبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 25 شتنبر 2023
من المعلوم أن الأراضي المنتشرة عبر مختلف جهات التراب الوطني المغربي تطرح إشكالات معقدة وعويصة، حيث أن النزاعات التي تنشأ حول بعضها سواء بين ذوي الحقوق، أو بين هؤلاء من جهة، والسلطات الإدارية من جهة ثانية، تصل أحيانًا إلى ما يشبه العصيان أو التمرد على السلطات كما يمكن أن يتحول إلى نزاعات جدية تتسبب في قيام جنح أو جنايات…
والحال أن الوضعية القانونية لعموم الأراضي بالمغرب تعرف تعددًا وتنوعًا متميِّزًا، ويمكن الوقوف على تجليات هذا التعدد والتنوع فيما يلي (المصدر: وزارة الداخلية ـ الجماعات السلالية والأراضي الجماعية www.terrescollectives.ma):

ـ أراضي الجيش أو الگيش:
هي أراضٍ تم تسليمها منذ عهد بعيد إلى بعض المجموعات القبلية قصد استغلالها والتصرف فيها مقابل خدماتهم في صفوف الجيش السلطاني على أن تتمتع الجماعات السلالية بحق الانتفاع عن هذه الأراضي في حين تحتفظ الدولة بحق الرقبة.
تقدر المساحة الإجمالية لهاته الأراضي بحوالي 300 ألف هكتار متواجدة أساسا بمحيط المدن العاصمية القديمة كفاس ومراكش ومكناس والرباط وكذلك على مشارف بعض المدن الأخرى كسيدي قاسم وغيرها.
وإذا كان ظهير 27 أبريل 1919 المتعلق بأراضي الجموع قد استثنى في بادئ الأمر في فصله السادس عشر جريان تطبيق مقتضياته على أراضي الجيش، إلا أن التعديل الذي جاء به ظهير 19 أكتوبر 1937 أعاد أراضي الجيش إلى دائرة أراضي الجموع حيث جعل الجماعات الأصلية المتمتعة بحق الانتفاع على هذه الأراضي تحت وصاية الدولة ممثلة بوزارة الداخلية، وذلك لاعتبار أن الجيشيين هم في الأصل جماعات سلالية وبالتالي تنطبق عليهم نفس المقتضيات الخاصة بتدبير وتسيير الممتلكات التابعة للجماعات الأصلية كما ينص على ذلك ظهير 27 أبريل 1919 كما وقع تعديله وتتميمه.
أملاك الخواص:
يقصد بها الأراضي التي توجد في ملكية خاصة، يتملكها أصحابها من خلال الإرث أو البيع والشراء… وتثبت في سجلات قانونية (عقود عدلية موثقة أو شهادات صادرة عن المحافظة العقارية) ويتصرف فيها ملاكها بكل حرية.
الأملاك المخزنية:
وهي الأراضي التي توجد في ملكية الدولة، تتصرف فيها السلطة المخزنية عن طريق استغلالها أو تفويتها للغير من أجل الانتفاع منها مقابل دفع ضرائب أو مكوس لبيت المال أو بيعها؛ وتشمل أنواعا كثيرة من الأراضي البورية والسقوية والمغروسة (الملك الغابوي) وكل الأراضي التي لا مُلاّك لها أو يُجهل ملاكوها الأصليون.
أراضي الجموع:
هي ملكية للجماعات السلالية وتتميز هذه الأراضي بكونها غير قابلة للتقادم، ولا للحجز ولا للبيع (باستثناء الدولة، الجماعات المحلية، المؤسسات العمومية والجماعات السلالية التي يمكنها اقتناء هذه الأراضي)، وتقدر المساحة الإجمالية لهذه الأراضي ب15 مليون هكتار تكون الأراضي الرعوية نسبة تفوق 85% تشغل بصفة جماعية من طرف ذوي الحقوق وتوظف أهم المساحات المتبقية في النشاط الزراعي. ويتم توزيع حق الانتفاع من الأراضي الجماعية الزراعية بين ذوي الحقوق من طرف جمعية المندوبين أو النواب طبقا للأعراف والعادات وتعليمات الوصاية.
أراضي الموات:
هي كل الأراضي التي لا تعرف استغلالا فلاحيا من طرف أي كان ولا توجد في ملكية أي أحد سواء كان فردا أو جماعة، وهذه النوعية من الأراضي أصبحت الدولة هي الكفيل والمسؤول عن تدبيرها وبالتالي أصبحت في دائرة الأملاك المخزنية.
أراضي الأحباس:
هي كل الأراضي التي تسهر على تدبير شؤونها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وخصصت ريعها للخدمات الإحسانية والخيرية والدينية؛ وهي الأراضي التي تم وقفها من طرف أفراد أو جماعات أو سلطة مخزنية دون الحق في تملُّكها.
أراضي الشرفاء والزوايا:
تندرج هي الأخرى ضمن الأراضي التي يمكن وصفها بأراضي الجموع السلالية ذات الوازع الديني، مما يجعل منها نوعا عقاريا قائما بذاته، وهذا ناتج عن وقف بعض الأفراد أو الجماعات أو السلطة المخزنية لريع بعض الأراضي لفائدة زاوية أو طريقة ما أو لعائلة معينة.
ولأن حب الأرض بذرة منغرسة في عمق الوجدان المغربي منذ قديم الأزمان، دون أن يستطيع تعاقب العهود والعصور تغيير أي شيء في ارتباطها الوثيق بل العضوي بحياة الإنسان ومصيره، وبوجوده بالكامل، فإن هذه المسألة ملكت على الناس عامة، والمغاربة خاصةً، تفكيرهم وحددت سلوكهم وكانت على الدوام أحد الموجّهات الأساسية لهذا السلوك. ونخص بالذكر هنا ما يسمى بأراضي الجموع، التي ينبغي أن تظل هدفا لدراسات تبتغي تحقيق غايتيْن على الأقل:
ـ سد الثغرات التشريعية التي ما زال هذا الموضوع يشكو منها بعد ستين سنة من الاستقلال؛
ـ فتح المجال للاجتهادات القانونية والقضائية والإدارية لتذليل الصعاب التي لا يفتأ يشكو منها هذا الجانب من الحياة العامة والذي لا ينفك يتسبب في نزاعات وصراعات لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، وذلك في مجالات متعددة ومختلفة يُذكر منها على الخصوص:
ـ النزاعات القائمة حول تحديد لوائح ذوي الحقوق؛
ـ النزاعات المرتبطة بطلبات التسليم (رخص البناء، شواهد التصرف)؛
ـ الخلافات حول توزيع المدخرات الجماعية وتوزيع العائدات على أعضاء الجماعة.
ـ وضعية النساء السلاليات ( بين الإقصاء والإدماج)؛
ـ النزاعات المتعلقة بمقررات مجلس الوصاية (مخاصمة المقررات)؛
ـ النزاعات المرتبطة بالحدود و حقوق الرعي والسقي.
فإلى أي مدى استطاع الشارع المغربي سد الثغرات القانونية الناجمة عن اللبس المحيط بهذا الضرب من الشأن العام، حقناً للجهد والوقت والمال، وحمايةً لحد أدنى من الاستقرار الاجتماعي الضروري لإدارة عجلة التنمية؟.. ذاك هو السؤال.