رعاية الطفولة في المغرب وأدبيات المجتمع الدولي: التحديات والحلول المقترَحة (مغرب التغيير – الدار البيضاء 28 غشت 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 28 غشت 2023
رغم توفر المؤسسات المعنية برعاية بالطفولة، بالمملكة المغربية، إلا أن هذه المؤسسات تعاني عمومًا من نقص التمويل ولا تفي بالمعايير الدولية. وتجدر الإشارة إلى أنه لم يتم تطوير مشروع الأسر الحاضنة بشكل جيد حتى الآن، كما أن نظام التبني لا يخضع لرقابة كافية. وقد لا يمكن تسجيل الأطفال المولودين خارج إطار الزواج عند الولادة أو المتخلى عنهم أو المودعين بإحدى مؤسسات الرعاية.
وغالبًا ما يتم وضع الأطفال في مراكز الرعاية بسبب: غياب سياسة أسرية (الدعم النفسي والاجتماعي الاقتصادي والاجتماعي للأسر التي تعاني من صعوبات، ودعم الآباء)؛ وعدم كفاية التدابير البديلة لمؤسسات الرعاية: صعوبة الاستفادة من الكفالة، وعدم وجود أسر حاضنة منظمة قانونيا. إن ضعف مساهمة الحكومات والسلطات المحلية في رعاية الأطفال، وعدم كفاية الموظفين المؤهلين، وغياب الحد الأدنى من المعايير الوطنية إلى جانب نقاط الضعف في نظام الرقابة، يزيد من مدى تأثر الأطفال.
بالنسبة للمغرب تحديداً، فقد صار هذا الأخير “بلد هجرة” بعد أن كان مجرد “بلد عبور”. وهذا الوضع الجديد للهجرة في المملكة، يفرض العديد من المتطلبات نظرا لتزايد عدد الأطفال المتنقلين (اللاجئون وطالبو اللجوء والمهاجرون بدون وثائق)… وعلى الرغم من أن سياسة الحكومة تنص على تطوير نموذج ديناميكي لإدارة الهجرة مزود بآليات لمنع الاتجار بالضحايا وحمايتهم، إلا أن هؤلاء الأطفال يظلون في الواقع وفي معظمهم غير مرئيين، وبالتالي محرومين من الحقوق الأساسية، ويتعرضون لخطر الاستغلال والعنف، مع استفادة ضئيلة أو منعدمة من أنظمة حماية الطفولة.

أما بالنسبة للعنف ضد الأطفال والمراهقين وفيما بينهم، فلا يزال منتشرا على نطاق واسع بالرغم من أن حجمه الحقيقي غير معروف في المغرب. ولا يزال هذا العنف مدعومًا إلى يومنا هذا بالممارسات والقواعد الاجتماعية بغض النظر عن الفئات الاجتماعية والاقتصادية للسكان. فعلى سبيل المثال، يشكل العنف الجنسي مصدر قلق، خاصة ضد الفتيات المراهقات اللائي يعملن كمساعدات في المنازل. وارتفعت نسبة زواج الأطفال من إجمالي عدد الزيجات من 8 ٪ في عام 2004 إلى 11٪ في عام 2013، وتخص 35 152 طفل، 99 ٪ منهم من الفتيات. وفي عام 2015، كان هناك حوالي 69.000 طفل تتراوح أعمارهم بين 7 و 14 عامًا (1.5٪ من هذه الفئة العمرية) يتم تشغيلهم في مجالات يكون أغلبها فوق طاقتهم.
على الرغم من أن الإصلاح الحالي للعدالة يتعلق بقضاء الأحداث بشكل خاص، إلا أن عدالة الأطفال تواجه العديد من أوجه القصور.
وفيما يخص محور العدالة، فإن 62.000 طفل كانوا في تماس مع القضاء في عام 2013، كما تورط القاصرون فيما بين 10 و 15٪ في قضايا الإرهاب. وعلى الرغم من أن الإصلاح الحالي للعدالة يتعلق بقضاء الأحداث على وجه الخصوص، فإن قضاء الأطفال يواجه أيضًا العديد من أوجه القصور، بما في ذلك عدم كفاية الموارد البشرية المتخصصة كميا ونوعيا؛ غياب فضاءات ملائمة للأطفال تسمح بمعالجة ومتابعة منفصلتين؛ اللجوء المتكرر إلى إيداع الأطفال في مؤسسات الرعاية، غالبًا بشكل غير مبرر، وبما يتعارض مع مصالح الطفل الفضلى؛ نقص في آليات التحول وبدائل الإيداع؛ عدم متابعة الأطفال المودعين في المؤسسات بشكل كاف وبالتالي عدم مراجعة التدابير التي تأمر بها المحاكم، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى عمليات إيداع طويلة الأجل؛ عدم امتثال مشاركة الطفل في الإجراءات القضائية للمعايير الدولية، ولا سيما فيما يتعلق بالحق في أن يُنصَتَ إليه وأن يمثله محام مُؤهل؛ بطء الإجراءات القضائية ؛ ضعف التبليغ بسبب الخوف؛ جهل القوانين والإجراءات ليس فقط من قبل الأسر والأطفال والمهنيين أنفسهم.

الحلول المقترحة:
جعل حماية “الأطفال في وضعية صعبة“ في قلب برنامج حماية الطفولة
خلال هذه المرحلة، سيكون التركيز على تنفيذ السياسات والنظم لحماية جميع الأطفال، بمن فيهم المحرومون من الحماية الأسرية، والمراهقون الذين يواجهون نظام العدالة، والأطفال المهاجرون، والأطفال ضحايا العنف والإيذاء والاستغلال والإهمال، وفقاً للمعايير الدولية والمبادئ التوجيهية للسياسة العامة المتكاملة لحماية الطفولة.
أربعة إصلاحات أساسية بين المغرب واليونيسيف:
أربعة إصلاحات رئيسية ستكون في قلب برنامج التعاون بين المغرب واليونيسيف في مجال حماية الطفولة، بما في ذلك: إصلاح النظام القضائي المختصّ؛ وضع جهاز ترابي مندمج لحماية الطفولة؛ الرصد المستقل لحقوق الطفل؛ وبدء إستراتيجيا وطنية لتعزيز البدائل لإيداع الأطفال في مراكز الحماية.
بشكل عام، ستركز إستراتيجيات التنفيذ على بناء القدرات، وإنتاج المعرفة وإدارتها، والتفكير والنقاش المفتوح حول تعزيز وحماية حقوق الطفل، وتبادل الخبرات من خلال المقارنة ورحلات التبادل، وتعزيز التنسيق والتآزر بين مختلف الجهات الفاعلة لحماية الطفولة.
فيما يتعلق بالإصلاح الأول، ستواصل اليونيسف دعمها لإقامة “قضاء للأطفال”. وسيشكل هذا المكون الذي تم إطلاقه في عام 2016 بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي حجر الزاوية لعمل اليونيسف. وفي هذا الصدد، تم تطوير مشروع “حماية” المنجز على مدى ثلاث سنوات، والذي يهدف بشكل عام إلى توفير عدالة تحترم حقوق الطفل. وبصورة أكثر تحديداً، يسهم المشروع في تعزيز قدرة الجهات الفاعلة في مجال العدالة وتنمية الموارد اللازمة لضمان احترام المصالح الفضلى للطفل في الإجراءات القضائية، الجنائية منها والمدنية والتطبيق السليم للقانون الجنائي والمدني. كما يهدف برنامج “حماية” إلى تحسين رعاية الأطفال الموجودين في تماس مع القانون حيث يوجد أكثر من 20.000 طفل في نزاع مع القانون كل عام، وأكثر من 7.000 طفل ضحية للعنف، وأكثر من 2.000 طفل معني بإجراءات الكفالة، وأكثر من 1.000 طفل مودع في مراكز حماية الطفولة و100.000 طفل في المتوسط معني بالمسطرة المدنية.
بالنسبة للإصلاح الثاني المتعلق بوضع جهاز ترابي لحماية الطفولة، فستشمل المرحلة التجريبية داخل الأقاليم المستهدفة بناء القدرات وتطوير البروتوكول لتحديد ومعالجة ومتابعة الأطفال ضحايا العنف، وكذلك ترميز الخدمات وتوجيه الأطفال الذين تم تحديدهم. تأتي بعدها مرحلة الاستدامة، لا سيما بالاقتران مع إصلاح النظام القضائي والإطار التنظيمي لحماية الطفولة على الصعيدين الوطني والإقليمي. وبالتوازي وبالتآزر مع المحور الرابع الخاص بالسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة، ستدعم اليونيسف المعايير الاجتماعية الوقائية التي تتمثل أساسًا في أنشطة التواصل ودعم الفاعلين قصد النهوض بحقوق الطفل، وتعزيز مشاركتهم ودعم الأبوة الإيجابية بمساعدة مالية من بلجيكا.

يتمثل الإصلاح الثالث، الذي سيحشد جهود اليونيسف وشركائها خلال هذه المرحلة، في تعزيز القدرات الوطنية من أجل الرصد المستقل وإنجاز تقارير عن وضعية حقوق الطفل في المغرب وفقًا للمعايير الدولية. في هذا السياق، سيتم إدراج الأعمال المخطط لها مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي يجب أن تساهم في إنشاء هيئة استئناف لأول مرة في المغرب، لفائدة الأطفال الذين انتهكت حقوقهم وفقًا للملاحظة العامة رقم 2 للجنة حقوق الطفل، وتحسين التنسيق الوطني والجهوي لتعزيز رصد انتهاكات هذه الحقوق.
وأخيرا، يتمثل الإصلاح الرابع في بدء استراتيجية وطنية لتعزيز البدائل لإيداع الأطفال في مؤسسات الرعاية التي تستهدف الأطفال المحرومين من أسرهم أو المعرضين لذلك. وسوف تشمل استراتيجية اليونيسيف لدعم التوجه الاجتماعي للحكومة المغربية تعزيز توحيد خدمات وهياكل حماية الطفولة من خلال وضع معايير دنيا لرعاية الأّطفال والمرافق المخصصة لذلك، وتعزيز العمل الاجتماعي من خلال تطوير نظام مرجعي للمهن وتجريب برامج شاملة ومبتكرة وواعدة في مجال الحماية من الإيداع في المؤسسات وتعزيز الأسر وآليات تنظيم ورصد الإيداع، وإعادة إدماج الأطفال في البيئة الأسرية والمجتمعية، ودعم الشباب بعد خروجهم من مؤسسات الرعاية وخلق بدائل للإيداع في المؤسسات على شكل أسر حاضنة.
ويؤكد برنامج “فرصة” على النهج الجنساني من خلال إنشاء برامج خاصة بالأمهات العازبات والفتيات اللائي يتم استغلالهن أو المعرضات لخطر الاستغلال في إطار العمل المنزلي.
برنامج “فرصة” هو عبارة عن مبادرة لدعم الشباب المغربي في وضعية صعبة للانتقال بنجاح إلى الحياة العملية، وذلك بدعم من حكومة كندا للشؤون العالمية ولمدة 5 سنوات (2015-2019)، ويتضمن ثلاثة مجالات عمل: التعليم؛ الحماية؛ والاندماج الاجتماعي.
ويهدف مشروع “إشراق”، المنفذ على مدى سنة واحدة (2017-2018)، والذي تدعمه حكومة اليابان، إلى تعزيز التسامح والاعتدال والمرونة بين المراهقين والشباب في وضعية صعبة في المغرب. تتضمن إستراتيجية التدخل الخاصة بالبرنامج تعزيز القدرات المؤسساتية للفاعلين الوطنيين المشاركين في رعاية المراهقين (أنشطة المشاركة، وتعزيز المهارات الحياتية المتعلقة بالتسامح والمواطنة وتعزيز القيادة) وكذلك حملة توعية تهدف إلى تغيير السلوك وتشمل أيضا الفاعلين في المجال الديني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: تقارير اليونيسيف (بتصرف).