دراسات وأبحاث
أخر الأخبار

تبسيط المساطر الإدارية وتجلياته في آفاق العمل الحكومي* (مغرب التغيير – الدار البيضاء 6 أكتوبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 6 أكتوبر 2023

منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، شكل تبسيط المساطر الإدارية الذي يقصد به مجموع الإجراءات العملية والبراغماتية الهادفة إلى تطوير العلاقة بين الإدارة والمرتفقين، أحد أولويات عمل الحكومة ضمـــن برامج عملها في مجال تحديث الإدارة. الذي يحظى اليوم بأهمية إستراتيجية في مجال تطوير جودة الخدمات العمومية ودعم شفافية العلاقة بين الإدارة والمواطنين وتحسين مناخ الأعمال. ولضمان حسن التتبع والتنسيق لمختلف عمليات التبسيط الإداري، واستناداً إلى الإطار المرجعي المتجسد في  منشور رئاسة الحكومة (الوزارة الأولى سابقاً) عدد 99/31 الصادر في 23 نونبر 1999 حول تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، والذي تضمن تحديدا للإطار المؤسساتي لتبسيط  المساطر الإدارية، وذلك في مستويين أحدهما أفقي  والآخر قطاعي، تم بهذا الخصوص، إحداث لجنة مركزية لتبسيط المساطر الإدارية تعمل تحت إشراف اللجنة الإستراتيجية للإصلاح الإداري، التي تتكون من وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، والتي تشمل وزارات الاقتصاد والمالية والداخلية والصناعة والتجارة والتكنولوجيا الحديثة بالإضافة إلى القطاع المعني بالمساطر الإدارية موضوع جدول أعمال.

القانونية المغربية

تتولى هذه اللجنة:

– دراسة وتبسيط المساطر الإدارية الأفقية، والمصادقة على المساطر الإدارية العمودية التي تحال عليها من طرف اللجان القطاعية للتبسيط؛

– إعداد التقارير التركيبية بخصوص برامج التبسيط المنجزة و اقتراح بعض الحلول التبسيطية، كما تم إحداث لجان قطاعية لتبسيط المساطر الإدارية، حيث إن كل  لجنة قطاعية على صعيد كل وزارة، يعهد لها بجرد المساطر الإدارية العمودية على الصعيد القطاعي وتصنيفها إلى مساطر عمودية وأفقية، فضلا عن دراسة وتبسيط المساطر الإدارية العمودية وعرضها للمصادقة  عليها من طرف اللجنة المكلفة بتبسيط المساطر الإدارية، وإعداد تقارير دورية بحصيلة التبسيط الإداري على الصعيد القطاعي، كما  يتم بموازاة  مع ذلك، خلق شبكة للمخاطبين في مجال تبسيط المساطر الإدارية من أجل تتبع مشاريع التبسيط على الصعيد القطاعي.

إن الجرد الشامل لمختلف التعقيدات المسطرية التي تساهم فيها عدة قطاعات، والتي تقتضي معالجتها نهج مقاربة موحدة وبلورة حلول ملائمة تأخذ بعين الاعتبار تعدد الأجهزة المختصة وتحدد النصوص التي يتعين تطبيقها، بالإضافة إلى إعداد تقرير تركيبي يتضمن حصيلة الإصلاحات التبسيطية المعتمدة والاقتراحات ا لتصحيحية، علاوة عن قيام اللجنة المذكورة بمهمة تفحص مجموع الوثائق والملفات المتضمنة لمختلف الصعوبات والبيانات المتعلقة بالمسطرة موضوع التبسيط، كما تبدي رأيها في مختلف البرامج البنيوية الخاصة بالتبسيط والتي تنجزها مختلف القطاعات الوزارية.

إن الإجراءات المتخذة في إطار اعتماد مقاربة تشاركية ومتدرجة، تأتي في سياق تعقد المساطر الإدارية وتعدد المتدخلين فيها، علاوة عن الصعوبات التي تعترض تنفيذ كل عملية تبسيط، مقاربة تشاركية تهدف إذن إلى وضع تصور جديد فيما يخص تيسير الولوج للخدمات العمومية في إطار علاقة متوازنة بين الإدارة والمرتفقين.

إن عملية التبسيط المعتمدة في هذا الإطار, والتي تندرج ضمن مسيرة تحسن المساطر الإدارية، لا تهدف إلى تغيير راديكالي للعمل الإداري ولا إلى إعادة تفسير المساطر الإدارية التي هي من تصميم هندسة المنظمات، بل هي عملية مستمرة ومنتظمة حول  المساطر الموجودة ومسار تقييمي لطرق خدمة المر تفق، ترتكز على تقنيات مرتبطة بطبيعة ونوعية المسطرة المراد تبسيطها، وبالإطار القانوني المحدث للمسطرة والمنظم للإجراءات المعتمدة للوصول إلى كل خدمة، وكذا بالجانب المؤسساتي والبنائي  للوحدة الإدارية، وقد تمتد إلى كل الفاعلين أو المتدخلين في المسطرة، وبالتالي، فإن كل مرحلة تحتاج إلى تقنية خاصة لتبسيط المسطرة التي تبتدئ من عملية الجرد عبر الدراسة.

إن عملية تبسيط المساطر الإدارية والولوج إلى الخدمات العمومية إذن، لا تشكل  هاجسا إداريا أو إكراها من الإكراهات البنيوية التي تعرفها الإدارة المغربية، فحسب، بل هي مشكلة بل معضلة إدارية تعاملت معها بعض الدول العربية والأوروبية من خلال مقاربات منهجية.

إن التغييرات الدولية التي تموج بها دول العالم، وما خلفته من آثار ذات انعكاسية على جميع المستويات، تستدعي آنياً ومستقبلياً، النهوض بكافة القطاعات الإدارية، استلهاما من التوجيهات الملكية الصادرة في هذا المضمار، تحقيقا لتنمية شاملة على كافة المناحي والأصعدة، يكون المواطن/المرتفق أهم محاورها، لكونه الحلقة الأساسية في سلسلة الإصلاح الإداري، إن لم يكن الأساس في هذا الإصلاح، وهو ما يستوجب إلزاما، تضافر الجهود في أفق خلق وعي إداري حقيقي يرقى إلى مستوى التحديات الراهنة، والتي ينبغي رفعها والتعامل معها بناء على تقنيات التخطيط الاستراتيجي المُحكمة، ودراسات تشخيصية للوضع الإداري القائم، غايتها تقويم كل الاعتلالات بل الاعوجاجات الإدارية التي لا تنفك تشكل عقبة كأداء حائلة دون عملية التطور والتطوير، وهو غاية ما تنشده جهود الإصلاح الإداري المتواصل، اعتمادا على الكفاءات والمقدرات الهائلة التي تزخر بها المملكة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أرشيف “مغرب التغيير”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى