ثقافة عامة
أخر الأخبار

الإخراج الصحفي وتطور أساليب وتقنيات تقديم السلعة الإعلامية (مغرب التغيير – الدار البيضاء 5 نونبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 5 نونبر 2023

منذ أن ظهرت أوّلُ صحيفة في مطلع القرن الثامن عشر (1702) وللتذكير فهي جريدة “الدايلي كورنت” بإنجلترا، وإلى غاية الساعة الراهنة، لم يتوقف العمل الإعلامي عن التطور والتحول من حال إلى حال، وبسرعة جنونية، ليس على مستوى المفاهيم والسياسات والبرامج والموضوعات فحسب، بل وبالخصوص، على صعيد الوسائل والأدوات والأجهزة، التي سارت بالموازاة مع التطور الهائل، الذي عرفته وسائل الاتصال والتواصل.

اهتم بنفسك. كوم

ولا غرو في ذلك، إذ أنّ الاتصال الجماهيري ووسائله تشكل حجر الأساس في العمل الإعلامي، مقروءًا كان أو مسموعاً أو مرئياً، لينتقل مع مرور الوقت من المقروء إلى المسموع فالمرئي، ومن الورقي إلى الإذاعي فالتليفزيوني فالإلكتروني فالرقمي، ويتحوّل بتحصيل الحاصل من ثنائية الأبعاد إلى الأبعاد الثلاثية، التي بلغت الآن أعلى مستوياتها، بفضل اختراع أجهزة “الهولوغرام”، المستخدَمة راهناً في عقد الندوات والمؤتمرات العلمية والسياسية عن بُعد، وفي نقل التكنولوجيا الصناعية في أدق مكوناتها، عارضةً إياها في فضاء صالات العرض والاستقبال بأبعادها المتكاملة… كما لو كانت منقولة بذاتها من أماكنها الأصلية والواقعية بـ”علم من الكتاب”، كالذي استطاع أحد العارفين به أن ينقل للنبي سليمان عرش ملكة سبأ إلى مجلسه بالقدس الشريف قبل أن يرتد إليه طرفه. والعجيب أن هذه التقنية صار استعمالها متاحاً انطلاقا من الهواتف المحمولة.

ثروتنا. كوم

بيد أن التطور الذي شهده العمل الإعلامي عامةً، والصحافي خاصةً، من حيث تنوعُ الموضوعات وارتباطُها الوثيقُ بالثقافات السائدة في مختلِف المجتمعات، فرضَ نوعا من التكييف لوسائل وأشكال تقديم السلعة الإعلامية مع الانتظارت المعبَّر عنها من لدن الفئات المستهدفة، وهي التفضيلات التي يتم الكشف عنها من خلال استطلاعات للرأي تقوم بها المؤسسات الإعلامية للتعرف على ميول المخاطَبين بالعمل الإعلامي.

من هذا المنطلق، تعددت وتنوعت وسائل الإخراج الصحفي، وكذا الإخراج الإذاعي والتلفزي، والإلكتروني عبر النت، وعبر مختلف وسائل التواصل عن بُعد، لتعم الساحةَ الإعلاميةَ أجناسٌ شتّى من تقنيات الإخراج ومن أدواته، نخص منها بالذكر، تقنيات الإخراج الصحفي أو “الأنفوغرافيا”، التي يزاول بها عملهم في الصحافة المكتوبة أعداد غير وفيرة من النقنيين، ذوي التحصص في هذا المجال، في دور الصحافة والنشر الورقييْن في مختلِف بلاد المعمور.

كانت المهمة في بداياتها الأولى تتلخص في الإلمام بأساليب التحكم في الكتل النصية وفي الأشكال الهندسية التي تعرضها البرمجيات المستعملة في الحواسيب عامة، وبشكل خاص في أجهزت الماكينتوش، التي استأثرت بقصب السبق في ميدان النشر المدعوم بالحاسوب (PAO).

ومع التقدم في مجال تطويع هذه البرمجيات، صارت مهمة الإخراج الصحفي أكثر تعقيداً، لأنها صارت تقتضي الدخول إلى عالم فنّي إبداعي، يتمثل في حُسْنِ اختيار الخطوط، والألوان، ودقةِ التحكم في المساحات، سواء بالنسبة للنصوص أو الرسوم أو الصور، وأنواع الغرافيك المختلفة والمتاحة، وكل ذلك ليس اعتباطاً، بل يتم بشكل يتلاءم مع الموضوعات المطروقة، ومع شخوص الأحداث المنقولةِ وقائعُها ضمن هذه الموضوعات، ثم بما ينسجم مع المعلومات والمعطيات المتوفرة حول فئات القراء والمتلقين، مع العلم -مثلاً- بأن ما يصلح بثه لأهالي البيئات الجبلية ذات الطبيعة المتميزة، يختلف عمّا ينبغي توجيهه لمتلقين يعيشون على السواحل، ليس على مستوى نوعية الموضوعات المطروقة فحسب، بل أيضاً، على صعيد الشكل أو الرداء الذي ينبغي أن تخرج به الصحيفةُ وموادُّها إلى الساحة.

ميد أف

من هذا المنطلق ذاته، صار الإخراج يختلف باختلاف الموضوعات، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، أو فنية أو غيرها، وسواء كانت لها صلة بشخصيات مرحة أو سوداوية، أو بأخبار مفرحة أو مأساوية محزنة، لأن ما يصلح لهذه من الأشكال والألوان والتخريجات الفنية والإبداعية لا يصلح بالضرورة لغيرها… وهكذا دواليك.

خلاصة القول، إن الإخراج الصُّحفي تعددت وسائلُه وأساليبُه وأدواتُه وكذا تقنياتُهُ تبعاً لتعدُّد الموضوعات، أو بالأحرى، تبعاً لتعدُّد السِّلَعِ الإعلامية وتنوُّعِها، ولذلك فلا غرابةَ أن تتعددَ وتتنوّعَ مدارسُهُ وطرائقُهُ بين كل ثقافةٍ وأخرى، وبين كل بلدٍ وآخَر، ليبقى الهمَّ المشترَكَ بين كل أشكال العمل الصحفي هو التفننُ والتنافسُ العابران لكل الحدود، ولكل القارات، من أجل تزيين السلعة الإعلامية سواءٌ كانت خبراً أو تعليقاً أو دراسةً أو قصيدة شعريةً أو غيرها… في حُلة تجتمع فيها كل معاني الجَمال والحذاقة والدقة والقدرة على اختراق سحايا أدمغة المتلقين وعقولهم، والاستحواذ على قلوبهم وأفئدتهم في انتظار ظهور موجات وصيحات تكنولوجية جديدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى