ثقافة عامة
أخر الأخبار

المكتبات: نشأتها، تطوّرها، أهميتها وخدمتها للثقافات الوطنية والتنوع الثقافي (مغرب التغيير – الدار البيضاء 4 نونبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 4 نونبر 2023

لا يمكن لظهور المكتبات إلا أن يكون نتاج عوامل متعددة ومتنوعة، متضافرة، جعلت من نشأة المكتبات مطلبًا حيويًا في حياة الأمم، مقترنًا على الخصوص، بمسار الإنسان عبر مسالك العلوم والمعارف من جهة، وبانتقال الموروث الإنساني المحصَّل خلال ذلك المسار من السلف إلى الخلَف من جهة ثانية.

أخبارنا

ويمكن أن نرصد من بين أبرز تلك العوامل ما يلي:

1. غزارة التراث الثقافي، نتيجةً لِتَغَيُّرِ الانسان وازديادِ وسائل المعرفة الموضوعة رهن إشارته وطَوْعَ بنانه، من كتب ومخطوطات وغيرها من الأوعية والحوامل الطّافحة بالمعلومات، مما جعل من الصعب عليه أن ينقل إرثه الثقافي من جيل إلى جيل، الأمر الذي اضطره إلى البحث عن وسائل جديدة لحفظ هذا التراث، فبدأ التفكير في إنشاء مؤسسة تؤدي مهمة الحفاظ على الموروث الثقافي والحضاري ونقله عبر الأجيال، فاتجه إلى إنشاء المكتبات لتكون حلقة الوصل في نشر التراث الثقافي والفكري داخل المجتمع الذي تُقيم في أحضانه، سواء كان هذا المجتمع مدرسيا (المكتبات المدرسية) أو جامعياً (المكتبات الجامعية) أو عموميًا (الخزانات الوطنية والعامة).

2. تنوُّع التراث الثقافي، الذي كلما تقدم الانسان على طريق الحضارة اتسعت بيئته، وكثرت مشكلاته وتنوَّعت، وتعدّد نِتاجُهُ الفكريُّ وتشعَّبت مجالاتٌه، وصَعُبَ بالتالي نقلُهُ إلى الأجيال اللاحقة بالوسائل العتيقة والقديمة والمتجاوَزَة… ومن هنا أيضًا، برزت ضرورة إنشاء المكتبات للقيام بهذا الدور كضرورة حيوية من أجل الحفاظ على ذاكرة الأمم واستمرار ربط الصِّلة بين عهودها ومحطاتها التاريخية.

إن المجتمع البشري لا بدّ أن ينزع بطبيعته إلى حفظ روابطه بماضيه وتاريخه لأنه يجد في ذلك نفسَه، ويكرِّسُ ذاتَه وتميُّزَه عن غيره من المجتمعات. وهذا يحتّم عليه صيانة مقوِّمات ثقافته الوطنية، وفوق ذلك، العمل على تكريس خصوصيات هذه الأخيرة لأنها تشكِّلُ “بصمة المجتمع” المختلفة بالبداهة عن بصمات غيره، سواء تعلق ذلك بأنماط الفهم والفكر، أو بأشكال الفعل والسلوك، من عادات وتقاليد…الخ. ولم يجد المجتمع الإنساني، إلى غاية العصر الراهن، أفضل ولا أمثَلَ من المكتبات وسيلةً لتحقيق هذا المطلب الحضاري، الذي لولاه لتشابهت الثقافات تشابُهًا سطحيًا ينزع عنها رداء الاختلاف والتنوُّع، ويُسقِطُها بالتالي في أتون الرتابة، وفي قُطبيةٍ أُحاديةٍ قاتلة.

العمق المغربي المكتبة الوطنية بالرباط

3. الحاجة الماسّة إلى إضافة الجديد، باستمرار وبلا هوادة، إلى التراث القديم لإثرائه، ولربطه باستمرار بحركية التاريخ، وبسيرورة الحضارة الإنسانية عبر العصور والعهود والأزمنة، وصيرورتها عبر الأنساق المختلِفة والمتطوّرة.

في هذا الإطار بالذات، تسجل المكتبات وترصد كل ما تَطولُهُ الأجيال المتعاقبة من معارف، وتكتشفه من حقائق، وتبتكره من صيحات جديدة وغير مسبوقة، وتضيفُه بالتالي إلى تراثها الموروث عاملةً بذلك على الوصل بين الماضي والحاضر.

4. نشوء الحاجة إلى تبسيط التراث الثقافي ليسهُلَ التعاطي معه، وذلك عن طريق جرد مكوّناته وترتيبها وتصنيفها وتنظيمها بشكل متدرج من العامّ إلى الخاص، أو العكس، حتى تتناسب حُمولتُهُ مع المستويات والأنساق الفكرية والأدبية والثقافية المختلفة، والتي يتشكَّلُ منها النسيجُ الثقافيُّ والحضاريُّ في كُلِّيَتِه.

5. الحاجة إلى عرض المسائل والقضايا الاجتماعية والثقافية وتحليلها وإماطة اللثام عن خلاصاتها، وإتاحة الفرصة لجميع فئات المجتمع للإفادة منها من خلال المحاضرات والندوات وباقي التظاهرات التي تضطلع المكتبات بتنظيمها لتحقيق مقاصد تنموية مختلفة. وهذا من شأنه أن يُفسِحَ المجالَ واسعًا لكي يعيشَ المجتمع مشكلاتِهِ وقضاياه ويتمثَّلَها بالوضوح الكامل، وبالرؤية الجليّة، ويمتلِكَ بالتالي إمكانيات تحليلها ومعالجتها، أو المساهمة في تلك المعالجة بالفعالية اللازمة من أجل استمرار نَمائِهِ وتطوره.

6. الحاجة إلى إتاحة الفرصة لكل فرد من أفراد المجتمع، سواء كان طالباً، أو مدرّساً، أو باحثاً، أو جامعياً، أو عالماً، أو موظَّفًا أو عاملاً، لكيْ يتحرر من قيوده الاجتماعية، ويحقِّق اتصالاً متينًا ببيئة أوسع وأرحَبَ، تصنَعُها الثقافة والمعرفة، ومن شأنها أن تُغنيَ الحوار والنقاش بين فئات المجتمع المختلفة من جهة، وبين مجتمع وآخر من جهة ثانية.

7. الحاجة إلى تنظيم المجتمع من خلال تمييز فئاته المتعدِّدة والمختلِفة، والربط بينها معرفيًا، وتمكينها من وسائل الحوار الثقافي والحضاري وأدواته حتى تظل على صلة وثيقة بعصرِها دائمِ التحوُّل والتجدُّد.

إن متطلبات التنمية المستدامة من جهة، ومستلزمات الانتماء إلى العصر، وكذا الانضمام إلى مجتمع الاتِّصال والمعرفة، الذي يتطلع المغرب إلى الانخراط في فعالياته كمنتج للمعارف لا كمستهلك لها فقط، من جهة ثانية، تجعلان مسألة الاهتمام بخزّان المعلومات والمعطيات، الذي تجسِّده المكتبة عامة، والمكتبة الجامعية خاصّةً، من بين أولويات الظرفية الوطنية والعالمية الراهنة، التي صار الفضاء المعرفي العالمي فيها موازيًا لكبسة أو نقرة يسيرة على زرّ صغير في لوحة إلكترونية أو رقمية، وصارت المعلومة في شساعتها قاطعةً لملايين الأميال في ثوانٍ ضوئية تُقاس في أدبياتنا بلمح البصر وارتداد الطرْف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى