علوم التعلُّم: تعريفها ونشأتها وخصائصها المميّزة (مغرب التغيير – الدار البيضاء 27 مارس 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 27 مارس 2024
تشكّل علوم التعلم Sciences de l’apprentissage مجالاً متعدد التخصصات~ يعمل على زيادة الفهم النظري العلمي والإنساني والنقدي للتعلّم، بالإضافة إلى الانخراط في تصميم وتنفيذ الابتكارات وتطوير المنهجيات التعليمية. وتركز البحوث في علوم التعلم بشكل تقليدي على أسس تعلم الإنسان النظرية الإدراكية-النفسية، والثقافية-النفسية، والاجتماعية-النفسية والنقدية، إضافة إلى تصميم بيئات تعليمية. وتتضمن المجالات التي تعتبر مساهِمة رئيسية في هذه العلوم علمَ الإدراك، وعلمَ الحاسوب، وعلم الإنسان، وعلم النفس التربوي، واللغويات التطبيقية. وقد وسّع الباحثون تركيزهم خلال العقد الماضي على تصميم المناهج، وبيئات التعلم غير الرسمية، وطرق التدريس، وكذا على ابتكارات السياسة.
تعريف المجال:
باعتبارها منظومة علمية ناشئة، فإن مجال علوم التعلم لا يزال في طور التعريف بنفسه. ووفقاً لذلك فإن هُوِية هذا المجال متعددة الأوجه، ويختلف من مؤسسة لأخرى.
غير أن الجمعية الوطنية لعلوم التعلم تلخص “المجال” كالتالي:
«الباحثون في المجال متعدد التخصصات لعلوم التعلم، وهو من مواليد التسعينيات، درسوا التعلم كما يحدث في حالات من العالم الواقعي، وكيف يمكن تسهيل التعلم في بيئات مصممة في المدرسة، وعن بعد، وفي مكان العمل، وفي المنزل، وفي بيئات التعلم غير الرسمية. ويمكن توجيه علوم التعلم من خلال نظريات التعلم البنائية، والبنائية-الاجتماعية، والاجتماعية الثقافية والاجتماعية الإدراكية».
وتمتلك “الجمعية الوطنية لعلوم التعلم” عضوية وازنةً في جميع أنحاء العالم، تابعة إلى مجلتين عالميتين: “مجلة علوم التعلم”، و”المجلة الدولية للتعلم التعاوني المدعوم بالحاسوب”، وترعى الجمعية مؤتمر التعلم التعاوني المدعوم بالحاسوب الذي ينعقد مرة كل سنتين، وكذا دوراته التي تنعقد في سنوات متعاقبة. وعلى الرغم من الدراسات التجريبية المخططة والبحوث الدقيقة النوعية التي تم تطبيقها في علوم التعلم، يستخدم باحثو علوم التعلم عادةً طرقَ بحثٍ قائمة على التصميم. ويتم وضع تصوّر للتدخلات ثم تنفيذها في حاضنات طبيعية بهدف اختبار الصلاحية البيئية للنظرية السائدة، ولتطوير نظريات جديدة وإطارات لتصوّر التعليم والتعلم، وعملية التصميم والإصلاح التربوي. ويسعى بحث علوم التعلم إلى توليد مبادئ للممارسة، تفوق الملامح العملية للابتكار التعليمي بهدف حل مشاكل التعليم الحقيقية وإعطاء علوم التعلّم الطابع التدخّلي.

علوم التعلم عبر التاريخ:
لقد ساهمت العديد من الأحداث الهامة في التطور الدولي لعلوم التعلم، وربما يعود هذا التاريخ المبكر للثورة المعرفية.
ففي الولايات المتحدة، بُذِل جهد مهم لإنشاء برنامج الدراسات العليا في علوم التعلم عام 1983، عندما اقترح “جان هاوكينز” و”روي بيا” برنامجاً مشتركاً بين جامعة “بانك ستريت” والمدرسة الجديدة للبحث الاجتماعي يُدعى “علم النفس التعليمي والتكنولوجي”، وحصل البرنامج على منحة تخطيط بدعم من مؤسسة “ألفريد ب. سلُوان”. قد يتطلب البرنامج في النهاية كٌلّيّة جديدة، ورغم ذلك فإن المؤسسات المعنية لم تقم بإنشاء برنامج كهذا من قبل. غير أنّ وصول “روجر شانك” للجامعة الشمالية الغربية عام 1988، ساعد في إنشاء معهد علوم التعلم عام 1991، وبدأت الجامعة الشمالية الغربية أول برنامج دكتوراه في علوم التعلم، تم تصميمه وإطلاقه من قبل “روي بيل” كمديره الأول، ثم بدأ البرنامج بقبول الطلاب عام 1992.
وبعد أن أصبح ذ. “بيا” عميداً، حصل “بريان ريزر” على إدارة البرنامج. ومنذ ذلك الوقت، بدأ عدد من برامج الدراسات العليا عالية الجودة بالظهور حول العالم، ويستمر الاعتراف بالمجال كمجال مؤثر وإبداعي في تصميم وبحث التعليم.
نُشرت مجلة علوم التعلم لأول مرة عام 1991، مع “جانيت كولودنير” كمُحررة مؤسِّسة، ثم تلتها “ياسمين كافاي” و”سيندي هميلو-سيلفر” اللتان كانتا المحررتين عام 2009، وبعدها “أريس تاباك” و”جوشوا رادينسكي”، وكانا المحررين عام 2013. أما “المجلة الدولية للتعلم التعاوني المدعوم بالحاسوب” فأُنشِئت كمجلة مستقلة عام 2006، وتم تحريرها بواسطة “غاري ستيل” و”فريدريك هيسّ”. وبينما كانت هذه المجلات لا تزال جديدة نسبياً في مجال بحوث التعليم، فقد تصاعدت بسرعة واستمرت بالوصول إلى مراتب عُليا في قطاع البحث التعليمي في تصنيفات عامل التأثير ضمن مؤشر اقتباس العلوم الإجتماعية.
واستضاف معهد علوم التعلم أول مؤتمر دولي لعلوم التعلم في غشت عام 1991 في الجامعة الشمالية الغربية (حُرِّر بواسطة “لورنس بيرنبوم”، ونُشر بواسطة AACE, لكنه لم يعد متاحاً). وعقِد المؤتمر أول دورة له، والتي تنعقد مرة كل سنتين، في الجامعة الشمالية الغربية عام 1994.
وفي سنة عام 2002، أنشئت “الجمعية الوطنية لعلوم التعلم”ز وفي عام 2021 تم لأول مرة دمج مؤتمري ICLS وكذلك CSCL ليعقدا كل عام معا تحت اسم ISLS، أي “المجتمع العالمي لعلوم التعلم”.

الخصائص المميزة:
توسعت علوم التعلم إلى أبعد من مجالات أخرى وثيقة الصلة بطرق مميزة. وعلى سبيل المثال، تمتد علوم التعلم إلى ما وراء علم النفس، من حيث أنه يراعي أيضاً ويساهم في المناهج الاجتماعية، والأنثروبولوجية والحاسوبية لدراسة التعلُّم. وبالمثل، فإن علوم التعلم تستمد الإلهام من العلوم المعرفية، ويتم اعتبارها كفرع من فروع العلوم المعرفية. ومع ذلك، فهي تعطي انتباهاً عملياً لتحسين التعليم من خلال الدراسة، والتعديل، والإنشاء لتقنيات وبيئات تعلُّم، وعوامل متفاعلة وناشئة متنوعة من الممكن أن تؤثر على تعلُّم الإنسان.
ويوظف العديد من باحثي علوم التعلم منهجية البحث القائم على التصميم. ويُنظَر لهذه المنهجية كوسيلة للدراسة، كعامل مهم يُميّز علوم التعلم عن العديد من المجالات الأخرى التي تساهم فيها. وبتضمين البحث القائم على التصميم بداخل عُدّة الأدوات المنهجية، وتُؤَهَّل علوم التعلم كـ«علم تصميم»، مع خصائص مشتركة تجمعها بعلوم التصميم الأُخرى التي تُوَظّف علم التصميم كالهندسة وعلم الحاسوب. وتُعتبر علوم التعلم من قبل البعض كالحصول على درجة من التداخل مع التصميم التعليمي أيضاً. رغم أنه تاريخياً، كلا المجتمعين قد جاء بطريقة مختلفة.
وفي مجال علوم التعلم، هناك تيارات مختلفة لدراسة كيفية تعلم الإنسان والإطارات التي يحدث فيها هذا التعلم، الأمر الذي يمكّن من تطوير مناهج بحث وطرق تدريس مختلفة سواء في المدرسة، أو الحياة اليومية، أو على الإنترنت. وهذه التيارات تعتمد أيضا نظريات وطرقَ بحثٍ مختلفةً. ومن ضمن هذه التيارات: العلوم المعرفية الإدراكية، والتعلم البنائي، والتعلم الاجتماعي والثقافي، والنهج النقدي والسياسي لدراسة التعلم.
وفي تاريخ علوم التعلم كمجال، كانت هناك نقلة نوعية من التوجهات اعتمدت دراسة الأفراد لإتاحة الفرصة لنشوء توجهات جديدة تتركز في الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية للتعلم. ومن أسماء الباحثات اللواتي ساهمن في هذه النقلة: “كارول لي”، و”كريس غوتييرز”، و”نائلة نصير”، و”ميغان بانغ”، و”سوسان جورو”، و”شيرين فوسوغي”… وآخريات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير (PEA) 2026 Le plan d’épargne en actions