آراء ومواقف

عودة إلى الوجود الإيراني في حياة العرب.. والجيران!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 28 أكتوبر 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 28 أكتوبر 2024         م.ع.و.

الآراء والأفكار المعبَّر عنها في هذا الباب لا تُلزِمُ هذه الجريدة

لعل معظمنا نسي أن الثورة الأيرانية الخمينية انطلقت أول من انطلقت من فرنسا، وأن لهذه الأخيرة بقوة الأشياء نصيباً في احتضانها، ودوراً في تَعَهُّد نَبْتاتها بالسقي والرعاية إلى أن نمت واشتدّ عودُها. ثم إن فرنسا، بكل تأكيد، هي التي سمحت للخميني بأن ينطلق من ظلال الإيليزي ليقضي على مُلْك رضا بهلوي، ويحوّله بين عشية وضحاها إلى كائن شارد، متشرّد في بلاد الغير، وهو الذي تربّى تربيةً راقيةً على قيم ومبادئ مُثلى لم يتمتع الخميني وكل زبانيته بأيٍّ منها كمسلمين، رغم ما قيل في الملك المعزول من مبالغات صنعها إعلام الخميني ذاتُه، مدعوما بإعلام فرنسي استعماري النزعة كان واضعاً عينيه على ثروات إيران النفطية، ومقدّراتها من الأموال الطائلة التي سال لها لعاب الشركات الفرنسية، التي دخلت إلى “إيران/الثورة” لتنال نصيبها من الكعكة كما يفعل الغرب عادة بعد كل زلزال سياسي او طبيعي يصيب بلدان المشرق المسلمة، العربية منها والأعجمية!!

العالم كله إذَنْ، يعلم أنّ لفرنسا يداً طُولَى في ثورة الخميني قبل واثناء وبُعَيْدَ قيامها، وأن هذا بالذات، هو الذي فتح الأبواب ومد الجسور بين إيران و”الجزائر/الفرنسية” في إطار المتابعة الفرنسية اللصيقة، وهي العلاقة التي استمرت إلى غاية يوم الناس هذا، والتي استطاعت الجزائر وإيران أن يخرجا بها نسبياً من تحت الإبط الفرنسي، ويسيرا بها إلى ما نشاهده اليوم من التقارب والتعاون القائمين والمرتكزين على معاداة المغرب خاصة، موازاةً مع تحقيق الحلم الإيراني في مد أذرع التشيّع باتجاه بلدان الساحل الإفريقي مروراً من الجزائر، ومن تونس وموريتانيا بقدر الإمكان.

إنّ هذا بالذات، هو ما تريده الجزائر وتصفق له وتمده بكل وسائل الترسيخ والتوسيع ما دام يخدم عَداءَها للمغرب، وما دام سيضع المزيد من الحصا في الحذاء المغربي لإعاقته عن المزيد من التقدم إقليمياً… غير أن الواقع يؤكد بالملموس أنه لا الجزائر ولا إيران استطاعتا حتى الآن أن تنالا قيد شعرة من الإصرار المغربي على وقف الزحف الإيراني بكل الوسائل التي تتيحها السياسة والدبلوماسيا، وحتى بالوسائل العسكرية والحربية عند اللزوم.

على هذا الأساس بالذات، أبرم المغرب معاهدة أبراهام الثلاثية مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حتى يتسنى له أن يقلب مؤشر “توازن الرعب” بالمنطقة المغاربية لصالحه، نكايةً في نفخٍ زائدٍ عن اللزوم يتعرض له جسد الجيش الجزائري، الذي أصبح من فرط انتفاخه بشعارات وإيحاءات قياداته الشائخة “أعظم جيش في العالم”، لكن بنفس المفهوم الذي رسّخ له الرئيس الجزائري عبد المجيد كذبون، عفواً تبّون، بوصفه اقتصادَ بلاده المُهَشَّم بكونه ثالثَ اقتصاد في العالم، وهو الوصف الذي لا شكّ أنّ العالم برمّته يستلقي على قفاه من الضحك كلما أعيدَ ذكرُه بمناسبة أو أخرى!!

ونعود إلى “إيران/الفرنسية”، لنكتشف أن أغلب المسارات التي اتخذها شيوخ طهران في تدبيرهم للسياسة الخارجية الإيرانية، والتي هي سياسة مُعْوَجَّة بكل المعايير، ظلت تضع في حُسبانها الحديقة الخلفية للدولة الفرنسية، المسماة “جزائر”، ليس امتثالاً لأوامر وتوجيهات الإيليزي فحسب، بل بالدرجة الأولى، لخدمة أجندتها وخططها التوسعية، القاضية بتكريس المزيد من التغلغل في أوصال الشمال الإفريقي، وبلدان الساحل والصحراء.

والواقع أنّ إيران، كما فرنسا بالذات، تستمرئ الاشتغال في الأماكن والبؤر المرشحة للقلاقل والاضطرابات، كما هو الشأن في الجزائر ذاتها، وفي كل من التشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو، لولا أن هذه الثلاث الأخيرة أصابتها رياح المغرب المنعشة فنشّطت توجّهاتِها الوحدويةَ، وزرعت فيها آمالَ التحرر من كل الضغوط والإكراهات، سواء القادمة مع الرياح الفرنسية أو الإيرانية، أو المتسللة تحت أغطية الخديعة والمكر السيّئ من جهة الجزائر وميليشياتها الإرهابية… الأمر الذي جعل للمغرب دوراً آخر أساسياً في تقليم أظافر باريس وطهران والموراديا في آن واحد، على صعيد الغرب الإفريقي.

إنّ نتيجة هذا الدور المغربي صارت باديةٌ للعيان بكل الوضوح الممكن والمتاح، من خلال ما تقوم به القيادات الثورية في كل من مالي والنيحر وبوركينا فاسو من أجل تكريس وحدتها، وسيادتها الكاملة على ذواتها ومصائرها خارج حسابات مستعمرها السابق وأذنابه في شمال وجنوب جارتنا الشرقية!!

ها قد وقفنا الآن على جانب من العلل والدوافع المفسّرة للسلوك الإيراني لم نكن نعيره أدنى التفات في السابق، ربما لِبُعدِ الشُّقّة جغرافياً بين مكوّنات الثالوث “الفرنسي/الإيراني/الجزائري”، وها قد أصبحت الأسباب التي كانت كامنةً وراء العلاقات الإيرانية الجزائرية دائمة التطوّر والتوسّع باديةً وعاريةً من المساحيق التي كان الإيليزي يستعملها للتمويه عليها في الخفاء!!

والحال أنّ ذلك قد تحقق بفضل المغرب مرة أخرى، لأن المغرب هو الذي استطاع أن يُرغم الإيليزي على الرجوع إلى جادة الحق والصواب والمشروعية، بإعلانه اعترافه بمغربية صحرائنا، معلناً بتحصيل حاصل هذا الموقف عن تخلّيه نهائياً عن لُعبته السابقة والخادمة لمصالح إيران والجزائر.

وهاهي إيران، الآن، تدفع ثمن نزقها وعربدتها تجاه البلدان العربية، وتسدّد ديونَها تجاه هذه البلدان بعد أن لوت إسرائيل أذرعها المسلحة بالمنطقة العربية وفصلتها عنها بعمليتَيْ بترٍ مشهودتيْن، ضدّ كل من حماس وحزب الشيطان!!

لسنا هنا بصدد التطبيل للعمل الإسرائيلي، بقدر ما نحن بصدد التهليل لِما يُصيب طهران من التحجيم والتقزيم خدمةً في آن واحد لمصالح القطب الغربي الأقوى عالميا، والذي لا تشكّل إسرائيل إلاّ ذراعَه الأفضل والأمثل؛ وكذلك لمصالح العرب عامةً، والذين ضاقوا ذرعا بتدخّلات إيران في شؤونهم، وفي نزاعاتهم العربية/العربية، على أمل إعادة تشكيل منطقة الشام ولبنان وفلسطين وإسرائيل بناءً على تَوافقاتٍ جديدةٍ أكثرَ خدمةً للسلام والأمن المُستديميْن، والكفيلَيْن بتيسير التنفيذ المناسب لمشروع “الدولتين”، الذي لا يزال قائماً رغم ما يَظلٌّ يَشوبُه بين الحين والآخر من اللبس والضبابية!!

تُرى، إلى أي حد سيظل الوجود الإيراني عائقاً في طريق إنهاء النزاع المفتعل حول صحرائنا، بعد أن تأتي زيارة الرئيس الفرنسي عمانوئيل ماكرون لبلادنا بقيمة مضافة وازنة وغير مسبوقة، لا ريب أنها ستضع على الأقل، حدّاً أو نقطةَ نهايةٍ لدعمٍ فرنسيٍّ سابق للجزائر وإيران لن يعود له بعد هذه الزيارة أدنى مبرر؟!!

ــــــــــــــــــــــــــــــ

مصدر صورة الواجهة: المسيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى