منوعات
أخر الأخبار

القطاع غير المهيكل في المغرب: ضياع فرص وازنة على الاقتصاد وعلى العاملين فيه (مغرب التغيير – الدار البيضاء 4 شتنبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 4 شتنبر 2023

من المفارقات، التي يشكو منها الاقتصاد المغربي، أن السواد الأعظم من القوى النشيطة والمنتجة يظلّ غير هيكل، بمعنى أنه ينشط خارج قوانين تؤسسه تشريعياً وتنظّمه عملياً وهيكلياً كباقي القطاعات الاقتصادية. وهذا يجده الباحث والدارس في مجالات شتى، صناعية وتجارية وخدماتية، وبدرجة أكثر حدّة في ميادين الإنتاج الزراعي، التي تسود فيها هذه الظاهرة المَرَضية.

وقد أكد تقرير صدر مؤخراً للبنك الدولي هذا الواقع المقلق، حيث جاء فيه أن العمل غير الرسمي تصل نسبته في المغرب إلى 77.3 في المائة، وهي نسبة تبعث فعلا على القلق، بالنظر لسرعة النمو التي يشهدها الاقتصاد المغربي، مما يدل على وجود أغلب منتجيه وعماله وتجاره وصنّاعه ومزارعيه خارج الضبط القانوني، وبالتالي خارج المراقبة اللازمة التي ينبغي أن تخضع لها ظروف العمل والإنتاج وعلاقاته وتعاقداته، وكذا متابعة حقوق العاملين في القطاع غير المهيكل من رواتب وأجور وترقيات ومكافآت وتعويضات، وكذلك رصد مآلاتهم في حالة المرض أو الزمانة، أو لدى انتهاء الخدمة بأحد الأسباب المعروفة، كالتقاعد أو الفصل والطرد أو الإصابة بحوادث الشغل أو غير ذلك مما ورد ذكره في النصوص المؤسسة والمنظمة للقطاعات المهيكلة.

اقتصاد كم

وقد أشار تقرير البند الدولي سالف الإشارة إلى أن “الاشتغال في وظائف غير رسمية لا يوفر مزايا الضمان الاجتماعي، كما يحدّ من إمكانيات العمال لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها أسر العاملين والشغّالين”.

بالنسبة للمؤسسات المغربية الرسمية، فقد أقرّ معظمها بهذا الواقع، وكانت المندوبية السامية للتخطيط إحدى المؤسسات التي سجلت أن 67.6 في المائة من إجمالي اليد العاملة في المغرب غير مهيكلة، وأغلبها في القطاع الفلاحي، وهذه النسبة لا تبعد كثيرا، كما يبدو، عما أورده تقرير البنك الدولي.

العربي الجديد

من جهته، أعدّ بنك المغرب قبل سنوات دراسة أشار فيها إلى “أن القطاع غير المهيكل يساهم بحوالي 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن ذلك تنتجت عنه آثار سلبية مثل هشاشة العمل، وغياب شبكات الحماية الاجتماعية، والتهرب الضريبي، وبالتالي إعاقة النمو الاقتصادي في مجمله”.

وكما انتهى إلى ذلك الباحثون والدارسون والمختصون، فإن هذا الواقع يُضيع فرصاً كبيرة على الاقتصاد الوطني ويُعيق نموه وتطوّره، موازاةً مع جعل نسبة كبيرة من الفاعلين في هذا الاقتصاد خارج التغطية، بمعنى أنها تعاني من ضياع الكثير من حقوقها، وبقائها بالتالي مغبونةً في المزايا التي يؤمّنها التقنين والتنظيم داخل دائرة الحق العام. وهذا يمسّ بصورة خاصة، المقاولات الصغرى وبعض المقاولات المتوسطة، ويؤدي في بعض الحالات إلى مآسي يشكو منها العاملون في هذا القطاع، الذي ينشط على الهامش. ومن بين ما يعاني منه هؤلاء،عدم التصريح بمعظمهم أو جميعهم لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي، مما يُضيع عليهم امتيازات حمائية ورعائية كثيرة.

ومن نافلة القول، التأكيد على أن جائحة كورونا، التي ضربت المغرب من بين كل بلدان المعمور، زادت في تعميق ظاهرة القطاع غير المهيكل وتنامي دائرته وارتفاع نسبته داخل لُحمة الاقتصاد الوطني.

للإشارة، فإن بنك المغرب سبق له، في معرض دراسته لهذه الظاهرة، أن اقترح جملة من الحلول الممكنة، من بينها “مراجعة النظام الضريبي وجعله أداةً لإدماج القطاع غير المهيكل”، وذلك عن طريق نهج تدبير تصاعدي للمستحقات الضريبية يتلاءم مع حجم كل مقاولة على حدة، اقتداءً بتجارب ناجحة في هذا المجال بكل من كندا وهولندا وإسبانيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى